صعود قوي لحزب رجل صربيا القوي الراحل ميلوسيفيتش

على نحو ما جرى في فرنسا واليونان.. الناخبون الصرب يتجهون للاشتراكيين

الزعيم الصربي الراحل سلوبودان ميلوسيفيتش
TT

برز الحزب الاشتراكي، الذي رأسه رجل صربيا القوي الراحل سلوبودان ميلوسيفيتش، يوم الاثنين، بقوة في الانتخابات النيابية التي شهدت تراجع رئيس الحزب الديمقراطي بوريس تاديتش نتيجة فشل حكومته في التعامل مع المصاعب الاقتصادية التي تواجه البلاد.

وعلى نحو ما جرى في الانتخابات الفرنسية واليونانية، عبر الناخبون عن غضبهم يوم الأحد تجاه الحزب الحاكم بالتحول إلى القادة الاشتراكيين والقوميين الذين تحالفوا في السابق مع ميلوسيفيتش، الذي جر صربيا خلال رئاسته إلى الحرب وأكثر من عقدين من العزلة الدولية، والذي توفي في عام 2006 خلال محاكمته بتهم جرائم حرب.

ولا يتوقع أن تعلن مفوضية الانتخابات الصربية عن النتائج النهائية قبل يوم الخميس، لكن نتائج فرز 97.5 في المائة من الأصوات أظهرت حصول رئيس الحزب التقدمي الصربي، توميسلاف نيكوليتش، المتشدد الموالي لروسيا على نسبة 24.1 في المائة من عدد الأصوات، مقارنة بـ22.7 في المائة لمرشح لحزب الديمقراطي الذي يقوده تاديتش، أستاذ علم النفس السابق المدعوم من بروكسل وواشنطن.

ورغم التقدم الطفيف الذي أحرزه في فرز الأصوات، فقد أعلن نيكوليتش، يوم الأحد، فوزه معربا عن أمله في وصول حزبه إلى السلطة. ويرى المحللون عدم حصول حزبه أو حزب تاديتش على الأغلبية يمهد الطريق أمام استمرار الديمقراطيين في الاحتفاظ بالسلطة من خلال تشكيل حكومة ائتلافية موالية لأوروبا مع الأحزاب الصغيرة. وكان رئيسا الحزبين يتقدمان السباق الرئاسي بفارق ضئيل عن بعضهما بعضا، لكن الخبراء يتوقعون فوز تاديتش الموالي لأوروبا في جولة الإعادة التي ستجرى في 20 مايو (أيار).

وقد واجه الناخبون خيارا صعبا في الانتخابات بين الأحزاب الموالية لأوروبا التي تعد بمواصلة المسار الصربي نحو الاتحاد الأوروبي والأحزاب القومية المطالبة بروابط أوثق مع روسيا. وكان نيكوليتش قد عبر في السابق عن تأييده القوي لروسيا، لكنه عاد الآن ليؤكد على دعمه لحصول صربيا على عضوية الاتحاد الأوروبي. غير أن المحللين يبدون تشككا في نواياه، حيث أشاروا إلى أن التغير المفاجئ في نبرة خطاب نيكوليتش يرمي إلى جذب الناخبين والوصول إلى السلطة. وكان نيكوليتش قد انفصل في عام 2008 عن الحزب الراديكالي المتطرف الذي يحاكم زعيمه الآن في لاهاي بتهم ارتكاب جرائم حرب.

وعلى الرغم من النجاحات التي حققها تاديتش على الساحة الدولية، بحصول صربيا على الترشح لعضوية الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار)، فإن شعبية حكومته تداعت نتيجة ارتفاع نسبة البطالة إلى 24 في المائة والنمو الاقتصادي الضعيف، فهناك 700.000 صربي من بين عدد سكان 7.3 مليون نسمة يعانون من البطالة.

كان الحزب الاشتراكي، الذي ترأسه ميلوسيفيتش، والذي حصل على 12.54 في المائة من الأصوات، أحد أكبر المستفيدين من حالة الركود الاقتصادي التي تشهدها البلاد، وقد سعى رئيس الحزب إيفيتشيا داسيتش، وزير الداخلية في الحكومة الائتلافية الحالية، إلى إعادة دمج الاشتراكيين في حزب ديمقراطي اشتراكي.

وصرح داسيتش، المتحدث السابق باسم ميلوسيفيتش، يوم الأحد، بأن تعيينه رئيسا للوزراء سيكون ثمنا لدعمه السياسي. وقال في حشد من أنصاره الذين احتفلوا خارج الحزب الاشتراكي «من يرغب في الحديث معنا يجب أن يدرك أننا نهضنا من الرماد. ربما لا تعرف صربيا اليوم من هو الرئيس، لكنها تعلم من سيكون رئيس الوزراء».

ورغم محاولات داسيتش في أن ينزع عن نفسه الصبغة القومية المتعطشة للحرب التي ارتداها من قبله ميلوسيفيتش، فإنه لم يعتذر عن حروب البلقان في التسعينات والتي قتل خلالها ما لا يقل عن 125.000 شخص. وفي مقابلة قبيل الانتخابات، أكد داسيتش على أنه مجدد مؤيد لأوروبا، وأنه لا يرغب في العودة إلى سنوات ميلوسيفيتش، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنه قد يتخذ موقفا أكثر تشددا من تاديتش بشأن قضايا مهمة مثل أوروبا وكوسوفو، وهو ما يجعله مفاوضا متعنتا بالنسبة لبروكسل وواشنطن إذا ما تولى رئاسة الوزراء.

وأشار داسيتش إلى أنه سيكون من غير المقبول طلب الاتحاد الأوروبي الاعتراف بكوسوفو كشرط مسبق لعضوية الاتحاد الأوروبي، وأن مثل هذه الضغوط ستدفع صربيا إلى التقارب مع روسيا بشكل أكبر، فصربيا لا تعترف بكوسوفو، التي أعلنت استقلالها عن صربيا عام 2008، الأمر الذي أثار ردود فعل قوية بين الصرب، الذين يعتبرون كوسوفو معقلهم من القرون الوسطى.

وفي إشارة تؤكد على الانزعاج في بروكسل وواشنطن، أشار داسيتش إلى أن تقسيم إقليم كوسوفو، الذي تهمين على شماله أغلبية صربية موالية لبلغراد ولا تعترف بسلطة كوسوفو، ربما يكون الحل للتوتر هناك.

وعلى الرغم من تصريحات داسيتش برغبته في حفاظ صربيا على مسيرتها الأوروبية، فقد أبدى معارضة قوية لدعم صندوق النقد الدولي لصربيا، وأوضح أنه سيطرد صندوق النقد الدولي. كما عبر عن أسفه البالغ لسياسات خصخصة الأصول الصربية.

وأعلن خلال الحملة أن الشعب الصربي وحده، لا واشنطن ولا موسكو أو بروكسل، هو من سيحدد أجندته. وخلال تجمع اشتراكي عقد مؤخرا، حيث أنشدت الأغاني التي كانت تذاع في وقت الحرب، أشار نيقولا باجكيتش (75 عاما)، سباك متقاعد، إلى أنه صوت لصالح داسيتش لأن مستوى المعيشة كان أفضل خلال حكم ميلوسيفيتش عن اليوم. وقال «في ذلك الوقت كنا نعيش حياة أفضل، وكان بإمكاني قضاء العطلات أو حتى الذهاب إلى المطاعم مع زوجتي».

وقال دانييل زرافكوفيتش (21 عاما)، ميكانيكي، إنه أصغر من أن يتذكر حقبة ميلوسيفيتش، لكنه يتوق إلى المساواة الاشتراكية التي عاشها والداه وأجداده. وأوضح أنه يحب داسيتش لأنه أمين وقوي وحاسم. وقال زرافكوفيتش «أنا أصغر من أن أتذكر سنوات ميلوسيفيتش، لكنها لن تكون أسوأ مما نعانيه اليوم في ظل البطالة. أنا أفضل التقارب مع روسيا الصديق الأفضل لصربيا عن الاتحاد الأوروبي».

ويشير المحللون إلى أنه في الوقت الذي دفعت فيه الأزمة الاقتصادية الناخبين باتجاه الأحزاب الاشتراكية، فإن تمجيد فترة ميلوسيفيتش - التي ارتفع فيها معدل التضخم بنسبة 40 في المائة خلال بعض فترات الحرب في التسعينات - ليس له أساس من الواقع.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»