مكتب أنان يشدد على استمرار عمل بعثة المراقبين رغم حادث الانفجار في درعا

باريس تدين الاعتداء و«الجيش الحر» ينفي علاقته به والمجلس الوطني يتهم نظام الأسد بتدبيره

الجنرال مود يغادر فندقا بعد هجوم استهدف قافلة الامم المتحدة في درعا أمس (أ.ف.ب)
TT

شدد مكتب مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان على استمرار عمل المراقبين التابعين للأمم المتحدة في سوريا رغم الانفجار الذي شهدته مدينة درعا صباح أمس، وأدى إلى إصابة ثمانية جنود من الجيش السوري، فيما لم يصب أي من أفراد بعثة المراقبين الدوليين. ولم يلق مكتب أنان مسؤولية الحادث على أي جهة.

وقال مكتب كوفي أنان في بيان صحافي إنه في الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة بتوقيت دمشق صباح الأربعاء وقع انفجار بالقرب من قافلة تابعة لبعثة المراقبين التابعين للأمم المتحدة بعد عبورهم حاجزا عسكريا على الطريق بالقرب من مدينة درعا في جنوب سوريا. وكان فريق المراقبين برئاسة الجنرال روبرت موود في طريقهم من دمشق لزيارة درعا تحت حراسة الجيش السوري وكان عدد من وسائل الإعلام السورية ووسائل الإعلام العالمية ترافق البعثة.

وأوضح البيان أن عددا كبيرا من الجنود السوريون في السيارة التي ترافق سيارة بعثة المراقبين قد أصيبوا بجروح وتم نقلهم إلى المستشفى للعلاج ولم تقع أي إصابات لأعضاء فريق المراقبين. ونقل البيان تصريحات عن الجنرال روبرت موود قال فيها: «هذا الحادث مثال واضح على ما يعاني منه الشعب السوري بشكل يومي ويؤكد حتمية وقف كل أشكال العنف». وأعرب موود عن قلقه على الحالة الصحية للجنود السوريين الذين جرحوا في الانفجار، وقال: «بينما أتحدث، فإن عددا من أعضاء بعثة المراقبين قد ذهبوا إلى مستشفى درعا للاطمئنان على حالة الجنود المصابين، وأتمنى لهم الشفاء العاجل».

وأشار أحمد فوزي المتحدث باسم كوفي أنان إلى أنه حتى يوم أمس بلغ عدد المراقبين في بعثة للأمم المتحدة 113 شخصا من 38 بلدا؛ بما في ذلك 70 مراقبا عسكريا، و43 موظفا مدنيا، وتعمل البعثة في خمس قواعد في أجزاء مختلفة من سوريا إضافة إلى دمشق، مع ثمانية مراقبين عسكريين وثلاثة موظفين مدنيين تم توزيعهم في حمص، وأربعة مراقبين عسكريين في كل من حماه وإدلب ودرعا وحلب.

وأضاف فوزي أن مهمة إرسال المراقبين مستمرة حتى يصل العدد إلى 300 مراقب عسكري إضافة إلى الموظفين المدنيين المطلوبين. ولا تزال البعثة تتلقي الأعضاء الجدد من المراقبين بشكل يومي بما يسمح بتوسيع عمل البعثة وزيادة انتشار المراقبين في جميع أنحاء البلاد. في حين قال الجنرال موود: «خلال اليومين المقبلين سوف نعبر حاجز المائة مراقب من المراقبين العسكريين في البعثة».

واعتبر رئيس بعثة مراقبي الأمم المتحدة إلى سوريا روبرت موود تعرض فريقه لانفجار أثناء وجوده في درعا أمس «مثالا حيا على وجود العنف في سوريا»، واصفا رأي المجتمع الدولي بالتقرير الذي قدمه كوفي أنان لمجلس الأمن بـ«المتوازن».

وقال في مؤتمر صحافي عقده في درعا إنه «حتى تخرج سوريا من الأزمة، يجب أن يكون ذلك بناء على قرار السوريين أنفسهم؛ وإنه على مختلف الأطراف فيها أن تتواصل بعضها مع بعض لحل الأزمة»، معلنا تعرض الوفد الذي «يضم مراقبين ورجال الحماية والأمن وصحافيين من مختلف وكالات الأنباء العالمية والصحف يوم أمس لانفجار عبوة ناسفة وضعت في طريق الوفد، وكان هناك جرحى من رجال الحماية وأحد الصحافيين». وأوضح موود أن الوفد اجتمع مع المراقبين المقيمين في درعا، وأنهم أخبروه عن الوضع في المحافظة. وكشف موود عن أن عدد المراقبين الموجودين في سوريا سيصبح 100 عسكري خلال اليومين المقبلين، مع الإشارة إلى أن عددهم حاليا نحو سبعين مراقبا، وقال إنه «مهما كان عدد المراقبين، فسنكون بمثابة شخص واحد وسننقل ما نراه بأعيننا». ورفض موود التعليق على التقرير الذي قدمه كوفي أنان إلى مجلس الأمن، وقال: «لا نستطيع التعليق عليه لأننا نحن من قدم التقرير بناء على مشاهداتنا على أرض الواقع» ووصف رأي المجتمع الدولي حول التقرير بـ«المتوازن».

وانفجرت عبوة ناسفة صباح أمس الأربعاء لدى مرور موكب للمراقبين الدوليين المؤلف من ست سيارات عند مدخل مدينة درعا ومن بينهم رئيس الفريق الجنرال روبرت موود، وكان ضمن الموكب أيضا المتحدث باسم فريق المراقبين نيراج سينغ، وهو أول حادث من نوعه يتعرض له المراقبون الدوليون في سوريا. وأسفر عن إصابة ستة جنود سوريين.

يأتي هذا التطور غداة تقديم المبعوث الدولي كوفي أنان لمجلس الأمن تقريره حول الأوضاع في سوريا استنادا إلى تقارير المراقبين الدوليين.

من جانبه، اتهم المجلس الوطني السوري السلطات السورية بتدبير انفجارات كهذه «لإبعاد المراقبين عن الساحة» ولتثبيت «مزاعمه بوجود أصولية وإرهاب في سوريا». واتهم المجلس الوطني السوري المعارض نظام الرئيس بشار الأسد بتدبير تفجير درعا. وقال عضو المكتب التنفيذي في المجلس سمير نشار: «نعتقد أن سياسة النظام من خلال هذه التفجيرات، إبعاد المراقبين عن الساحة، وسط المطالبات الشعبية بزيادة أعدادهم». واعتبر نشار أن هذا الانفجار «يندرج ضمن سياسة النظام التي اعتدناها لتثبيت مزاعمه بأن هناك إرهابا وأصولية في سوريا». وأضاف أن «المتظاهرين هم من يريدون المراقبين، إنهم يشكلون عنصر أمان لهم. وفي وجودهم، يستطيع الشعب أن يعبر من خلال مظاهراته السلمية»، متوقعا أن يقدم المراقبون «شهادات عن الأساليب الدموية التي تنتهجها السلطات في قمع الاحتجاجات».

وبدا مستغربا أن وكالة الأنباء السورية (سانا) غيبت خبر التفجير عن صفحتها على شبكة الإنترنت حتى ساعة متأخرة من بعد ظهر أمس، في وقت أعلنت فيه لجان التنسيق المحلية أن وفدا من المراقبين زار أمس منطقة زملكا - ريف دمشق وكذلك جامعة حلب.

من جهتها، طالبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بـ«الضغط على النظام السوري من أجل السماح للجان التحقيق الدولية بممارسة مهامهما بالشكل المنصوص عليه في مبادرة أنان.. والسماح للجان التحقيق الدولية بالتحقيق في هذا العمل الشائن»، كما دعت الأمم المتحدة «لتعديل صفة المراقبين الدوليين ليكونوا مراقبين عسكريين مزودين بكل العتاد اللازم ليكونوا قادرين على حماية أنفسهم»، واتهمت الشبكة النظام السوري بالاستمرار في ارتكاب الجرائم و«بشكل لحظي منذ حط المراقبون الدوليون في سوريا».

من جانبه، نفى الجيش السوري الحر علاقته بالتفجير الذي استهدف سيارة عسكرية مرافقة لقافلة كانت تقل بعثة المراقبين الدوليين في درعا. وأكد نائب قائد «الجيش الحر» العقيد مالك الكردي، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه العملية لا تمت لعناصر «الجيش الحر» بصلة، معتبرا أن النظام السوري هو من قام بها لأنها تخدمه بشكل مباشر.

وشدد العقيد الكردي على أن «عملياته لا تستهدف القوات الدولية، وهي تتركز حاليا على العمليات الدفاعية على أن تتسع قريبا لتصبح هجومية، ولكن شبيهة بالعمليات التي كانت تنفذ في الفترة الماضية». وأضاف: «لم يكن لدينا من البداية ثقة بالمراقبين وعملهم لأننا نعي تماما أن النظام لن يسمح لهم بالعمل بجدية ووفق الأصول»، نافيا حدوث أي تواصل بين هؤلاء المراقبين وقيادة «الجيش الحر»، موضحا أنهم يتصلون ببعض الوحدات على الأرض حين يقررون زيارة منطقة ما.

وفي سياق متصل، جدد الجيش السوري الحر أمس دعوته المجتمع الدولي إلى تنفيذ «ضربات نوعية» ضد قوات الرئيس بشار الأسد، على غرار العمليات التي نفذها حلف شمال الأطلسي في ليبيا.

وقال العميد مصطفى الشيخ، رئيس المجلس العسكري للجيش السوري الحر، في اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية: «نريد ضربات نوعية ضد مفاصل الدولة الأمنية والعسكرية مثلما حدث في ليبيا».

واعتبر العميد الشيخ، الموجود في تركيا، أن عمليات من هذا النوع «ستختصر عمر النظام وستحول دون انزلاق البلاد إلى حرب أهلية».

وأكد الشيخ في المقابل رفضه «اجتياحا بريا لسوريا»، مضيفا: «نحن مع إسقاط النظام ولسنا مع إسقاط الدولة» السورية. واتهم الشيخ النظام السوري بإنشاء مجموعات مسلحة لضرب عمل المعارضة وتشويه صورتها أمام الرأي العام.

من جهتها، نددت باريس «بشدة» بالهجوم، الأول من نوعه، الذي استهدف أمس موكب الجنرال روبرت موود، رئيس بعثة المراقبين الدوليين في سوريا وعددا من الضباط المرافقين على مدخل مدينة درعا الواقعة جنوب سوريا والمحاذية للحدود مع الأردن. وطالبت فرنسا باحترام «كامل» لأمن وسلامة البعثة؛ الأمر الذي «يفرض نفسه» على الجميع وفق نص القرارين الدوليين رقم 2042 و2043.

وقالت الخارجية الفرنسية أمس، في إطار مؤتمر صحافي إلكتروني، إن «المسؤولية الأولى المترتبة على السلطات السورية هي ضمان سلامة المراقبين مع توفير حرية التحرك التامة لهم». وأضاف برنار فاليرو، الناطق باسم الخارجية أن بلاده تعتبر أن النظام السوري «مسؤول عن سلامة المراقبين» غير أنه لم يحمل القوات الأمنية السورية وتلك التي تعمل لمصلحة النظام مسؤولية الاعتداء الذي أوقع وفق مصادر النظام ثمانية جرحي في صفوف الجنود السوريين الذين كانوا يتبعون الموكب. وبذلك، تكون باريس قد التزمت موقفا متمايزا عن موقف المجلس الوطني السوري الذي اعتبر أن السلطات السورية هي المسؤولة عن الاعتداء بهدف ترهيب المراقبين وإخراجهم.

ويؤكد الاعتداء المخاوف التي تساور المسؤولين في الأمم المتحدة والعواصم الكبرى بصدد أمن البعثة التي تتعرض لهذا النوع من الاعتداءات لأول مرة منذ انتشارها في 15 أبريل (نيسان) الماضي بغرض مراقبة وقف إطلاق النار الذي دعا إليه المبعوث العربي - الدولي كوفي أنان وأيده في ذلك مجلس الأمن الدولي. وهذا الجانب يمثل أحد العوائق التي تؤخر توفير المراقبين الـ300 المفترض أن ينتشروا على كل الأراضي السورية مع نهاية الشهر الحالي، كما أنه يجعل الدول المعنية تتردد كثيرا قبل إرسال عسكريين غير مسلحين للمشاركة في البعثة.

وجاء الاعتداء بعد يوم واحد من التقرير الذي قدمه أنان إلى مجلس الأمن الدولي الثلاثاء وفيه اعتبر أنه «من الصعب جدا» إقناع نظام الأسد والمعارضة بوضع حد للقمع من جهة، والمعارك من جهة أخرى، فضلا عن تنبيهه بأن مهمته «ليست بلا حدود زمنية» وأنها «الخطة الوحيد القادرة على إعادة الاستقرار». وبحسب أنان، فإن الفشل سيفضي إلى «غرق البلاد في حرب أهلية كاملة».

وفي هذا الصدد، جددت باريس أمس «ثقتها التامة» بالمبعوث الدولي - العربي وبالطريقة التي يعمل بها لتنفيذ مهمته، معتبرة أنه «من الملح تنفيذ الانتشار السريع والكامل للبعثة حتى تكون قادرة على إطلاع مجلس الأمن على مدى الالتزام بتطبيق خطة أنان كاملة خصوصا من جانب السلطات السورية». وتتهم باريس النظام السوري بانتهاك وقف إطلاق النار يوميا وبتجاهل النقاط الأخرى في خطة أنان التي تعتبر أن النظام «لم يطبق أيا منها». وجددت الخارجية تأكيدها أمس أن الخطة يجب أن تفضي إلى «انتقال ديمقراطي»، مما يعني، وفق فهمها، نهاية حكم الأسد.

وبينما شارك وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه الذي أدار الملف السوري منذ البداية، في آخر اجتماع لمجلس الوزراء أمس بانتظار تشكيل حكومة الرئيس فرنسوا هولاند الجديدة وتعيين وزير خارجية جديد، قالت مصادر دبلوماسية فرنسية إن باريس «مستمرة في اللعب بورقة أنان» مستبعدة أن تتغير السياسة الفرنسية تجاه سوريا في العهد الجديد. ورغم إشارة جوبيه إلى التوجه إلى «حلول بديلة» في حال فشل مهمة أنان، فإن هذه المصادر أشارت إلى أن الظرف الراهن «لا يساعد» على قرارات غير متوقعة، لأن باريس مشغولة بمرحلتها «الانتقالية»، والإدارة الأميركية «غارقة في حملة أوباما» الرئاسية. ولذا، فإن ما يمكن توقعه هو العودة إلى مجلس الأمن و«محاولة بناء إجماع» داخله يشمل روسيا والصين بوصفهما «وافقتا على مهمة أنان ويتعين، بالتالي، أن يتحملا مسؤولياتهما» عن الفشل الذي قد يلحق بها و«توفير البديل». من هذا المنطلق، فإن الأرجح أن يعود الملف السوري إلى مجلس الأمن، مما سيعني مجددا «التفاوض مع روسيا» التي تقول المصادر الفرنسية إن موقفها «تطور». لكن هذه المصادر ترى أن الطرف الوحيد «المخول التفاوض مع موسكو والاعتراف بمصالحها في المنطقة هو واشنطن» المشغولة بـ«أولويات أخرى» مما يعني أن الملف «مرشح للمراوحة في مكانه». وتؤكد المصادر الفرنسية أنه «لم يعد بالإمكان اليوم الالتفاف على موسكو» التي تعمد حتى الآن إلى «ربح الوقت»، فضلا عن أنه «ليس معروفا إن كانت تفضل التفاوض على الملف السوري اليوم أم الانتظار». ولذا، فإن الجهود الدبلوماسية يمكن أن تركز في المرحلة المقبلة على الحاجة إلى تحقيق «انتقال سياسي» في سوريا لا يمكن أن يتم بمعزل عن الطرف الروسي الذي يملك الأوراق التي تمكن من تحقيقه «شرط دفع الثمن له» الذي قد يكون باهظا.

إلى ذلك، هنأ المجلس الوطني السوري المعارض الرئيس الفرنسي المنتخب فرنسوا هولاند بالفوز في الانتخابات الرئاسية، داعيا إياه إلى «مساندة الشعب السوري في كفاحه من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة».