تفجيران عنيفان في دمشق يؤججان الغضب ضد النظام

عمليات دهم واعتقالات وقصف في ريف دمشق وإدلب وحمص

صورة تظهر دخانا كثيفا لموقع التفجيرين اللذين شهدهما جنوب دمشق أمس (إ.ب.أ)
TT

كان في طريقه إلى عمله في حي الروضة، وسط العاصمة دمشق، عندما هز صوت انفجار هائل أرجاء المدينة، عند الساعة الثامنة من صباح أمس, ويقول رضا: «كان صوتا يشبه صوت الرعد» كل من في الشارع راح يصرخ «يا لطيف.. الطف يا رب»، وتبين لاحقا أن صوت الانفجار كان يبعد عن وسط العاصمة أكثر من عشرة كيلومتر، في منطقة القزاز التي سبق وشهدت تفجيرا مماثلا ولكن أقل شدة عام 2008، وقالت السلطات حينها إن مجموعة إرهابية متطرفة (فتح الإسلام) استهدفت أحد أكبر المقرات الأمنية في العاصمة بسيارة مفخخة، وأسفر عن مقتل 17 شخصا وجرح 14 آخرين. لكن يوم أمس كان التفجير مختلفا ويأتي ضمن سلسلة تفجيرات شهدتها العاصمة دمشق ومدينة حلب، وتفجير أمس يعد الأكبر والأفظع من حيث حجم الدمار الذي خلفه في المنطقة ومن حيث عدد القتلى والجرحى، وبحسب المعلومات الرسمية سقط أكثر من 55 قتيلا من المدنيين ونحو 375 جريحا، وهناك خمس عشرة محفظة أشلاء، بينما تفحمت 105 سيارات، كما تضررت واجهات الأبنية المطلة على موقع التفجير. وكذلك واجهة المقر الأمني (فرع فلسطين). ومنطقة القزاز تعد من الأحياء الجنوبية في العاصمة دمشق، ووقع انفجار أول عند الساعة الثامنة وبعد دقيقة تلاه انفجار آخر، وذلك قرب مفرق القزاز على المتحلق الجنوبي بدمشق وهي منطقة تكتظ عادة بالسكان، وبالسيارات لا سيما في ساعات الصباح الأولى، حين يتجه الموظفون والعاملون إلى أعمالهم والطلاب إلى المدارس والجامعات، وفي تلك المنطقة التي تربط العاصمة مع ريفها الجنوبي حيث يوجد جامعات وتجمعات مدارس، ووقع الانفجار قريبا من مقر أمني فيه (فرع الدوريات وفرع فلسطين) ويفصل بناء المقر عن الشارع حيث البوابة الرئيسية ستة جدران إسمنتية و3 أبواب داخلية أما عند الباب الخارجي تم بناء جدارين جديدين ووضعت حواجز إسمنتية أرضية قبل 4 أشهر. بحسب ما قاله سكان هناك. والتفجيران حصلا في المنطقة المواجهة على مسافة 50 مترا الطريق عن البوابة الخارجية، وقال سكان إنه عادة وبسبب ازدحام السيارات يتم فتح طريق التحويل من طريق المطار القديم إلى المتحلق، لكن يوم أمس كان مغلقا. وكالة الأنباء السورية (سانا) وصفت التفجيرين بـ«إرهابيين» وقعا قرب مفرق القزاز على المتحلق الجنوبي بدمشق في منطقة تكتظ بالسكان والمارة، وأسفرا عن سقوط 55 شهيدا و372 جريحا من المدنيين والعسكريين. ولفتت «سانا» إلى «تزامن وقوع التفجيرين مع توجه الموظفين إلى أعمالهم والطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم في وقت تشهد فيه المنطقة حركة مرورية كثيفة».

وقالت إن «شدة الانفجار وقوته حولت السيارات المارة في المكان إلى هياكل» وإن الانفجارين أحدثا حفرة كبيرة في الأرض. من جانبها قالت وزارة الداخلية السورية في بيان لها إنه «في الساعة 7.56 دقيقة من صبيحة هذا اليوم الخميس 10 - 5 - 2012 في التوقيت الذي يتوجه فيه السوريون إلى أعمالهم والأطفال إلى مدارسهم وفي مدينة دمشق على طريق المتحلق الجنوبي موقع القزاز المكتظ بالسيارات وعابري الطريق وبالقرب من مركز لقوات حفظ الأمن والنظام وقع انفجاران إرهابيان متتاليان بفارق زمني لا يتجاوز الدقيقة» واتهمت وزارة الداخلية «مجموعات الإرهابية مسلحة مدعومة من أطراف خارجية تتاجر بالدماء السورية» بارتكاب التفجيرين.

وقالت الوزارة إن التفجيرين الإرهابيين «تما بواسطة سيارتين مفخختين يقودهما انتحاريان محملتين بكميات كبيرة من المواد المتفجرة، التي تقدر بأكثر من ألف كيلوغرام، مما أحدث حفرتين الأولى بطول 5.5 متر وعرض 3.3 متر وعمق متر، والثانية بقطر 8.5 متر وعمق 2.5 متر».

وقالت الوزارة إن الحصيلة الأولية: «سقوط 55 شهيدا و372 جريحا من المدنيين والعسكريين و15 محفظة لأشلاء مجهولة وتفحم 21 سيارة وتحطم 105 سيارات بالكامل وإصابة 78 سيارة بأضرار مختلفة إضافة إلى أضرار مادية كبيرة في الممتلكات العامة والخاصة». كما بينت الوزارة أنها باشرت «التحقيقات لكشف هوية مرتكبي هذا العمل الجبان»، وتوعدت ما وصفتهم بـ«المجرمين والقتلة» بأنها ستلاحقهم هم ومن «يمدهم أو يؤويهم في أوكارهم» وأنها «لن تتهاون في ملاحقة فلول الإرهاب» ودعت المواطنين «للتعاون مع الجهات المختصة في الإبلاغ عن أي حالة مشبوهة والإدلاء بأي معلومات لديهم تتعلق بنشاط الإرهابيين وتحركاتهم».

من ناحيته، نفى «الجيش السوري الحر» أي علاقة له بالتفجيرين. وقال نائب قائد «الجيش الحر» العقيد مالك الكردي لـ«الشرق الأوسط» أمس: «نحن ننفي أي مسؤولية لنا، بل وندين مثل هذه الأفعال، التي لا يرتكبها إلا النظام السوري المستمر في قتل المدنيين منذ بدء الثورة السورية»، معتبرا أن «النظام هو المستفيد الأول من هذه التفجيرات، باعتبار أنه يريد أن يظهر أمام الرأي العام بأن (الجيش الحر) هو من يقتل المدنيين أمام أعين المراقبين».

ولاحظ الكردي «أوجه شبه كبرى بين تفجيري دمشق أمس وجريمة اغتيال (رئيس الوزراء اللبناني الأسبق) رفيق الحريري، لناحية أن الاثنين يتطلبان إمكانيات ليست بمقدور أفراد أو مجموعات، بل هي إمكانات دولة وأجهزة استخباراتية»، مشددا على أن «حجم الجريمتين يشير إلى تورط جهة واحدة هي أجهزة استخبارات النظام السوري».

وذكر الكردي بـ«أننا في الجيش الحر سبق وأعلنا منذ بدء عملنا عن قدراتنا العسكرية المتمثلة بالأسلحة الخفيفة، وبالتالي فنحن لا نملك إمكانية لتنفيذ مثل هذه الانفجارات، كما أن سياستنا هي الدفاع عن المدنيين وليس قتلهم».

كذلك، حمّل عضو «المجلس الوطني» جبر الشوفي النظام السوري المسؤولية عن هذه التفجيرات. وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المسؤولية القانونية والأخلاقية تقع على عاتق النظام»، موضحا أنه «حتى لو افترضنا أن أجهزته الأمنية ليست من نفذت الانفجارين إلا أنه يبقى المسؤول عن أمن المدنيين».

واتهم الشوفي «النظام السوري، الذي اعتاد القيام بأعمال مماثلة كلما ضاق الخناق عليه من المجتمع الدولي منذ ما قبل الثورة السورية، بالوقوف وراء عملية التفجير مع دخول مبادرة أنان في مأزق وامتعاض المجتمع الدولي من إفشال النظام تطبيقها». وشدد في الوقت عينه على أن «النظام لن يستفيد هذه المرة من التضليل الإعلامي في توظيف هذه الأحداث، لأن ورقته لم تعد رابحة».

وأكد الشوفي أن «النظام السوري هو من يقتل شعبه ويوجه أسلحته نحو منازل المدنيين»، موضحا أن «الثورة والثوار بريئون من كل هذا الدم، وهم يطالبون بالحرية والكرامة، ولا يمكن لهم أن يضحوا بأهلهم بهذه الطريقة، خصوصا أن التفجيرات تحصل دوما في المناطق المكتظة».

وأعرب عضو المكتب التنفيذي في «المجلس الوطني»، سمير نشار، عن اعتقاده بأن «النظام يقف وراء هذه التفجيرات ليقول للمراقبين إنهم في خطر، وليقول للمجتمع الدولي إن العصابات المسلحة و(القاعدة) تتجذر في سوريا». وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إذا كانت (القاعدة) وعصابات إرهابية تقوم بالتفجيرات، لماذا لم تفجر يوم الانتخابات لتمنع الناس من المشاركة فيها»، متوقعا أن «تستمر التفجيرات لا سيما في أيام الجمعة أو قبل أيام الجمعة للحد من المظاهرات التي يعجز النظام عن كبحها».

ومن جهته اتهم مجلس قيادة الثورة في دمشق قوات الأمن السورية بإطلاق النار على الشاب فراس كيال (24 عاما)، بعد صعوده إلى سطح منزله لتفقد مكان الانفجار، ورجح أن يكون استهدافه بسبب «رؤيته ما لم تود قوات الأمن أن يخبر عنه»، موضحا أنه من المعروف أنه في مواقف مماثلة، تمنع قوات الأمن أيا كان من التقاط الصور أو الاقتراب من مكان التفجير لئلا يصبح شاهد عيان».

وقال، في ملاحظات أوردتها على هامش انفجاري دمشق، إن عملية التفجير شبيهة بعملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في بيروت، مشيرا إلى أن «خطوط الهاتف الجوال توقفت عن الخدمة لحظة وقوع الانفجار في الأمكنة المحيطة به». وذكر أن بعض الجثث التي وجدت في مكان الانفجار لم تبد عليها الدماء، من دون أن تستبعد أن يكون النظام السوري قد أقدم على نقل جثث قديمة إلى مكان الانفجار، مؤكدا أن عددا من الأشخاص الذين قيل عنهم إنهم أصيبوا بجروح وصلوا إلى المستشفيات ولا آثار على أجسادهم لإصابتهم أثناء الانفجارين.

ونهار دمشق الذي بدأ بالصدمة انتهى بمظاهرات حاشدة غاضبة في أحياء الشاغور وكفرسوسة والمزة لدى تشييع عدد من قتلى التفجيرات، وهتفت الجموع: «هي الليلة ليلة عيده.. بشار الأسد ما نريده» و«نصر لله يلعن روحك» في استنكار لمساندة حزب الله لنظام الرئيس بشار الأسد. وقالت مصادر في كفرسوسة إن الآلاف شاركوا في تشييع انطلق في ساحة كفرسوسة. لتشييع ثلاثة شبان قضوا في التفجير وهم أسامة نذير الزين ونذير عبد الكريم الزين وسارية الجعفري. وعلى وقع أصوات زغاريد النساء هتف المشيعون «عا الجنة رايحين.. شهداء بالملايين».

وفي حي الشاغور، خيم إضراب عام على شارع البدوي وجادة الإصلاح قبل وصول جثمان الشاب فراس الكيال، الذي تحول تشييعه إلى مظاهرة حاشدة انطلقت من دوار سوق الخضار وجابت شوارع الحي وسط حالة من الحزن الشديد والغضب. وفي حي المزة، جاء نبأ التفجير ليزيد الاحتقان والتوتر في الحي، بعد احتجاز قوات الأمن جثة الشاب معاذ عباس، الذي قتل أثناء مداهمة للحي منذ عدة أيام، واشتراط تسليمه لذويه بأن يتم الجفن بسرية تامة، وقد تم ذلك يوم أمس إلا أن المتظاهرين تجمعوا وبعد أن أدوا صلاة الغائب على معاذ عباس انطلقت مظاهرة غاضبة وتم بثها على الهواء مباشرة في عدة قنوات إعلامية. وفي حي الصالحية قال ناشطون إنه بعد أن رفض الأمن تشييع قتيل من أهالي الصالحية قضى في التفجير عند صلاة العصر خوفا من تحول التشييع إلى مظاهرة عارمة وقبل صلاة العصر بنحو ساعة تم التشييع بصمت وتحت حراسة أمنية مشددة في جامع الشيخ محي الدين.

وتابعت قوات الأمن السورية حملتها العسكرية في ريف دمشق، حيث حلق الطيران المروحي الحربي في بيت دجن ودوما، وأفاد ناشطون بسماع دوي انفجارات متتالية في منطقة الضمير، أعقبها حملة دهم واعتقالات وعمليات نهب للمحال. كما نفذت قوات الأمن عمليات مماثلة في مدينة الضميرن ترافقت مع سماع أصوات إطلاق رصاص وانفجارات.

وفي موازة ذلك، قالت الهيئة العامة للثورة السورية إن اثنين وعشرين شخصا قتلوا أمس في مناطق عدة في سوريا برصاص قوات الأمن السورية، بينما هز انفجار، قرابة الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، حي بستان القصر في مدينة حلب، وأدى إلى جرح ثمانية أشخاص على الأقل.

وفي إدلب، قالت الهيئة العامة للثورة السورية إن «قوات الجيش النظامي انتشرت بشكل كثيف على الطريق بين كفرومة والحامدية مع إطلاق نار وتجول للعربات والدبابات داخل البلدة، وجرى هدم منزل أحد المواطنين».

وأفادت لجان التنسيق المحلية في سوريا بمقتل طفل إثر سقوط قذائف في مدينة خان شيخون، التي تعرضت لقصف عنيف أمس.

وفي حمص، ذكرت «لجان التنسيق» أن قوات الأمن «نفذت حملة مداهمات في القرى المحيطة بمدينة القصير»، وأفادت بـ«وصول لجنة من الهلال الأحمر إلى المدينة برفقة سيارتي مساعدات»، علما بأن قوات النظام كانت قد منعت مرور المساعدات طوال فترة القصف على المدينة». وفي حي باب هود في حمص، قتل شخص إثر سقوط قذيفة هاون بجانب منزله، فيما تعرضت مدينة الرستن لإطلاق نار من حواجز جيش النظام المتمركزة في المدينة. وفي دير الزور، شنت قوات الأمن السورية حملة مداهمات واعتقالات في منطقة الجورة والوادي والطب، مدعومة بآليات ثقيلة.