كلينتون تريد ترك بصمتها على مسرح السياسات الدولية

دافعت في الصين عن تعايش القوتين «القائمة والناشئة» وشددت في الهند على دور الشباب

TT

قدمت خطابات ولقاءات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أثناء زيارتها الأخيرة إلى الهند التي دامت ثلاثة أيام، بعض الدروس. فخذ، على سبيل المثال، إدارتها الجهود الهادفة لدفع الهند إلى تقليل - إن لم يكن وقف - مشترياتها من النفط الخام من إيران، وذلك من أجل تشديد العقوبات ضد طهران أملا في منعها من تطوير أسلحة نووية.

وقد كانت الهند والصين، شريكين اقتصاديين مهمين لإيران. ومن المنتظر أن يزداد الطلب من جانب الهند على النفط بنسبة 3.2 في المائة هذا العام، بحسب وكالة الطاقة الدولية. وحتى وقت قريب، كانت إيران، هي ثاني أكبر مورد للنفط إلى الهند، بعد المملكة العربية السعودية، بواقع 350 ألف برميل نفط يوميا العام الماضي، أو نحو 10 في المائة من احتياجاتها السنوية من النفط. غير أنه في هذا العام خفضت معامل التكرير في الهند حجم مشترياتها من النفط الإيراني. كما يتوقع بحلول عام 2013، أن تهبط واردات الهند من النفط الإيراني إلى نسبة 7 في المائة من احتياجاتها.

وقالت كلينتون يوم الثلاثاء أثناء مقابلة مع محطة «سي إن إن»: «لقد قللت الهند من اعتمادها على النفط الإيراني». وأضافت: «أعلم أن معامل التكرير الهندية قد توقفت عن طلب إصدار أوامر بشراء نفط من إيران، ومن ثم، فإنهم بالتأكيد قد اتخذوا خطوات». وأشارت أيضا إلى أن منسق شؤون الطاقة الدولية في وزارتها، السفير كارلوس باسكوال، كان في طريقه إلى الهند لتقديم مقترحات بشأن مصادر بديلة للنفط.

غير أن كلينتون قد اتخذت لاحقا خطوة إضافية، موضحة أنها تدرك الثمن الغالي للعقوبات بالنسبة لقادة الهند. وقالت لمذيع بالإذاعة العامة الوطنية: «إذا كنت سياسيا أو رجل أعمال أو مواطنا هنديا يساوره اليأس من إمكانية انتشال مئات الملايين من البشر من الفقر وإمدادهم بالكهرباء، وإبقاء الأنوار مضاءة، كما تعلم، فإن هذا يعد قرارا صعبا بالنسبة لهم، نظرا لأنهم يتطلعون منذ القدم لإيران من أجل الحصول على نسبة كبيرة من النفط».

ويذكّر حديثها هذا بما كان قاله السناتور الديمقراطي جيمس ويليام فولبرايت، قبل 50 عاما، وكان حينها رئيسا ذائع الصيت للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. وقال فولبرايت وقتها: «إذا لم تكن تفهم المشكلات الداخلية للدولة التي تتعامل معها، فلا يمكن أن تكون لديك سياسة خارجية ناجحة. إن السياسة الخارجية لكل الدول، بما فيها الولايات المتحدة، متأصلة في سياساتها المحلية».

وصلت كلينتون إلى الهند عقب قضائها الأسبوع الماضي في الصين، للمشاركة في الحوار الاستراتيجي والاقتصادي الموسع، إضافة إلى التفاوض بشأن قضية الناشط الحقوقي الكفيف، شين غوانغتشينغ. وفي مقابلة مع محطة «بلومبيرغ نيوز»، ناقشت كلينتون المكاسب التي تحققت إبان الأعوام الثلاثة الماضية عبر «العلاقات الشخصية والتفاهم بين الأفراد (الصينيين) ومؤسساتنا الحكومية التي تشكل أهمية حاسمة بالنسبة لنا كي نتمكن من مناقشة المجموعة الكاملة من التحديات التي يواجهها كلانا». وقد استفاضت في تفاصيل تتعلق بتصريح كانت قد أدلت به مسبقا في الصين بشأن إيجاد وسيلة من أجل تعايش «قوة قائمة»، وتعني بها الولايات المتحدة، مع «قوة ناشئة»، هي الصين. وقالت كلينتون: «سوف تظل الولايات المتحدة قوة عظمى؛ القوة المهيمنة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، لفترة طويلة مقبلة». وأضافت: «نحن ندرك أن الصين قوة ناشئة. لن تكون هناك دوما نقطة التقاء أو تقارب في مصالحنا أو حتى مفاهيمنا بشأن الأحداث الجارية في العالم. لذلك، فإن الكيفية التي ندير بها هذه العلاقة تشكل أهمية حاسمة بالنسبة للسلام والأمن والرخاء والحريات الفردية وغيرها من الأمور».

باختصار، يجب أن تستمر الدول المؤثرة في إجراء محادثات على مستويات عديدة «لأننا نحتاج للتحقق من أنه ليس ثمة قضية مهيمنة أو تقوض احتمالية التوصل إلى اتفاق بشأن أية قضايا أخرى على درجة مماثلة من الأهمية».

وإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت وزيرة الخارجية تعاطفها مع قضايا الشباب؛ وبالأخص الفتيات، خارج المجال الدبلوماسي المعتاد. ففي يوم الاثنين، تحدثت بمدرسة «لا مارتينير» المرموقة للبنات في كلكتا بالهند. وأوضحت لجمهور الحاضرين سبب ظهورها في مثل تلك المؤسسات قائلة: «بالنسبة لي، ينصب العمل الذي أقوم به كل يوم والأميال التي أقطعها حول العالم على محاولة التعرف على السبل التي يمكن أن ننتهجها معا قاطبة من أجل تحقيق السلام والرخاء في العالم، نظرا لأن السواد الأعظم من سكان العالم من الشباب. وينطبق هذا على الهند، لكنه ينطبق أيضا على معظم المناطق في الشرق، وعلى وجه الخصوص على آسيا وجنوب وشرق آسيا». وأضافت: «من الصعب بالفعل إلى حد ما بالنسبة لي التجول بوصفي سيدة أولى أو وزيرة خارجية، لكننا قد حاولنا بالفعل اختراق الحدود الرسمية».

قبل يوم من مقابلتها مع «شابات استثنائيات» تم إنقاذهن من تجارة الجنس ويخضعن لرعاية من قبل مجموعة منظمات هنا في ولاية البنغال الغربية.. لماذا فعلت ذلك؟ تقول كلينتون: «لأن الحديث إليهن عن حياتهن يساعدني في وضع العمل الذي أقوم به على المستوى الرسمي في إطار منظور أوسع.. فبالنسبة لي، يتعلق الأمر بما إذا كان من يشغلون مناصب رفيعة منا قد تمكنوا في نهاية اليوم من تحسين ظروف حياة بعض الأفراد أم لا».

وإذا عرفت كلينتون، فستعرف أنها تؤمن بذلك. وهي دائما تقدم خططا للمستقبل، ولم يختلف الوضع في الهند. ففي مدرسة «لا مارتينير»، قالت إنها «كانت مبتهجة جدا»، عندما خاضت سباق الترشح للرئاسة، وإنه «لن تكون هناك انتخابات يتم فيها انتخاب امرأة، لكني أرى أن نظامنا السياسي يعتبر أكثر النظم السياسية التي يصعب على الرجال والنساء اختراقها، ولكن على وجه الخصوص بالنسبة للنساء».

ولدى سؤالها بشكل مباشر عن سبب رفضها «خوض الانتخابات الرئاسية في عام 2016»، أجابت كلينتون: «أشعر أنه قد حان الوقت بالنسبة لي للابتعاد عن تلك الوظيفة المحفوفة بالمخاطر. لقد تقلدت مناصب في أعلى مستويات السياسة الأميركية لمدة 20 عاما حتى الآن، وكم سيروق لي أن أعود مجددا إلى الهند وأتجول بمختلف أنحائها من دون أن يتم إغلاق الشوارع أو أن أجد نفسي محاطة بإجراءات أمنية مشددة. أود فقط العودة إلى أخذ بعض الأنفاس العميقة، شاعرة بأن ثمة وسائل أخرى يمكنني أن أستمر في خدمة الوطن من خلالها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»