شاب ثوري «مختلف» يلهم المعارضين التقليديين لبوتين

أودالتسوف اعتاد استفزاز الشرطة ودخول السجن ويعتبر أن التمرد قادم لا محالة

أودالتسوف يتحدث عبر مكبر صوت خلال تجمع أخير للمعارضة في موسكو (أ.ب)
TT

بينما ميز المتظاهرون المبتهجون المرتدون معاطف من فراء المنك وبناطيل جينز لمصممين معروفين حتى الآن حركة المعارضة الناشئة في روسيا ضد الكرملين، اعتبرها قادة المظاهرات الوسيلة المثلى لإبقاء سيرغي أودالتسوف تحت السيطرة الحذرة. عادة ما كان يبدو في كنزته السوداء وشعره المحلوق وعينيه الحادتين، وحشي النزعة، غير متزن نوعا ما، وربما خطيرا.

لكن في خضم قذف الأحجار وانفجار قنابل الدخان وانهيال رجال الشرطة بعصيهم لقمع موجة العنف الصادمة التي اندلعت هنا يوم الأحد الماضي، تمكن أودالتسوف أخيرا من الإفلات. ومع تضييق شرطة مكافحة الشغب الخناق، قفز على منصة مقامة للمظاهرة، حاملا مكبري صوت وحشد الآلاف من أنصاره. صاح بأعلى صوته قائلا: «لن نرحل عن هذا المكان إلى أن يطلق سراح رفاقنا. نحن السلطة هنا. نحن القوة».

سارع 6 من ضباط الشرطة، بعضهم يرتدي خوذات ومعاطف واقية من الرصاص بإبعاده، مع تعالي صيحات «العار» و«الفاشيين» من حشد غاضب لم يقتصر فقط على المجموعة المعتادة من الأشخاص المتأنقين والثائرين على السلطة، بل ضم أيضا سيدات أكبر سنا ينتمين للحزب الشيوعي، واللائي بدأن يحتشدن قبل ساعة للترحيب بأودالتسوف.

مع تولي فلاديمير بوتين فترته الثالثة كرئيس لروسيا، يبدو من الواضح أن، على الأقل في موسكو، ثمة تغييرا طرأ على المناخ السياسي. ومن الواضح أن حركة الاحتجاجات في روسيا قد دخلت مرحلة جديدة غير متوقعة، وأن أودالتسوف، وهو أحد أبرز قادتها، في محور جدال بشأن مستقبلها.

على مدار نصف العام الماضي، ركز المفكرون والصحافيون الغربيون في روسيا على المدونين الشباب ومديري الشركات واختصاصيي الإعلان الذين اتسم اختراقهم الأخير لمظاهرات الشوارع في معظمه بسلوكيات غريبة مهرجانية معدة خصيصا لحشد «الإعجاب» على موقع «فيس بوك».

ويبدو أودالتسوف، 35 عاما، شخصا مختلفا، فهو ثوري محترف وابن حفيد زعيم بلشفي بارز، ويتسم بالصراحة وتفضيل خوض معاركه السياسية في الشارع. وهو يعترف باستفزازه للشرطة، وعادة ما يزج به في السجن، بتهمة تنظيم إضرابات عن الطعام. وبوصفه أحد المعجبين بلينين، وبدرجة أقل بستالين – الذي ظهرت صورته على قميص ارتداه يوم زفافه – يتحدث عن قيادة ثورة اجتماعية ديمقراطية لإعادة تشكيل الدولة الروسية وخلع القيادة الحالية، والتي يرفضها بوصفها فاسدة بشكل ميئوس منه.

وبعد ما يقرب من عقد ونصف من النشاط السياسي، كرئيس لجماعة اشتراكية متطرفة، هي «الجبهة اليسارية»، يسعى أودالتسوف إلى تشكيل مجموعة أنصار تمتد عبر قطاع عريض من المجتمع الروسي يصل حتى يسار الوسط. وربما يكون أكثر الأمور أهمية هو أنه قد أصبح شخصا محبوبا بالنسبة للحزب الشيوعي، أكبر حزب معارض في روسيا حتى الآن، وليس قوة يمكن أن يتخلص منها بوتين بوصفه متطرفا من النخبة.

وقد تحدث غينادي زيوغانوف، زعيم الحزب الشيوعي الهرم، بحب عن أودالتسوف، مدعما شائعات مفادها أنه ربما يكون هناك انتقال للسلطة قيد التخطيط. وقد أنكر أودالتسوف تلك الشائعات، لكنه لم يعمل كأحد مديري حملة زيوغانوف للانتخابات الرئاسية في مارس (آذار) الماضي.

وبسياساته اليسارية وتوجهه الثوري وأصله الشيوعي، دائما ما يأسر أودالتسوف ألباب القائدات المسنات بالحزب. «ليس له مثيل»، هكذا تحدثت كابيتالينا بوندينا كوماروفا، عضو الحزب الشيوعي منذ أمد طويل البالغة من العمر 73 عاما، والتي بدت في ثوب أحمر وقفازات لحضور عرض عسكري يقام هذا الأسبوع إحياء لذكرى انتصار الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية. وأضافت: «إنه يحذو حذونا ويقود الشباب ونحن ندعمه».

وقد أثار دور أودالتسوف البارز بشكل متزايد في حركة الاحتجاجات مخاوف بين بعض قادة المعارضة الليبراليين من احتمالية استحواذه هو وأتباعه على السلطة، على نحو يقود إلى مستقبل مظلم.

وقد انضم بعضهم إلى السلطات في إلقاء اللوم على أودالتسوف وأتباعه بسبب إشعالهم مواجهة يوم الأحد. ورغم أن التفاصيل ما زالت غامضة، يبدو من الواضح أن مجموعة كبيرة من المتظاهرين حاولت اختراق حصار الشرطة في محاولة للزحف إلى الكرملين. وأعلن آخرون، من بينهم أودالتسوف، عن اعتصام بعد اتهام الشرطة بحظر دخول الموقع المحدد للتظاهر.

«نحتاج لإدراك أنه إذا كان منظمو المظاهرة قد كافحوا عن عمد من أجل جعل المظاهرة متفرقة والتخطيط منذ البداية لنصب الخيام وتنظيم الاعتصامات، أي السعي بشكل مقصود لتصعيد العنف، فدائما ما سيكون هناك رد فعل قوي»، هذا ما جاء على لسان غريغوي يافلينسكي، مؤسس حزب «يابلوكو» الليبرالي، في بيان صادر عنه. واستكمل قائلا: «هل يعتقدون بالفعل أنه يمكنك تحقيق أي إنجاز من خلال صدامات مباشرة وحرب أهلية؟».

بيد أن أودالتسوف يعتقد بالفعل أنه يمكنه تحقيق ذلك. فرغم أنه طالب بأن تظل المظاهرات سلمية ويقول إن النموذج الديمقراطي الاجتماعية المطبق في أوروبا يعد مثاليا بالنسبة لروسيا، فإنه يبدو أنه يستمتع بالصدام مع الشرطة وبالطبع لا يمانع في قيادة ثورة روسية أخرى.

وقال في حوار أجري معه الثلاثاء أثناء قيادته مظاهرة صغيرة في وسط موسكو: «كلما زادت مقاومتهم لنا، أصبح رد فعلنا أعنف». وأضاف: «سوف ندافع عن أنفسنا ونتمتع بالحقوق الكاملة في القيام بذلك. إذا حاولت السلطات أن تكمم أفواهنا، سيكون لدينا حق التمرد. إن عاجلا أو آجلا، سيحدث ذلك».

والسؤال هو: هل سيتبعه الناس في نهج أكثر تطرفا؟ لا تزال تبعات المظاهرة العنيفة التي اندلعت يوم الأحد بسيطة وليس من الواضح ما إذا كانت المعارضة الروسية قد قويت أم ضعفت شوكتها بفعل قمع الشرطة اللاحق.

وخلال الأسبوع الماضي، واجهت مجموعات متفرقة من المتظاهرين، التي كسرت قواعد المعارضة المعروفة من خلال انتهاج سلوكيات تبدو سلمية مثل الغناء أو تنظيم مسيرات صامتة، خطر الاعتقال والمراقبة شبه الدائمة من قبل الشرطة. وفي حالة استمرار مثل تلك الأساليب القائمة على اللجوء للتهديد والعنف، يخشى البعض، من أن يصبح التطرف، على الأقل بين مجموعة صغيرة من المحتجين، أمرا لا مفر منه.

«لم يعد الناس يخشون من المظاهرات وعصي شرطة مكافحة الشغب»، هذا ما كتبه ديمتري غودكوف، عضو البرلمان المنتمي إلى حزب «روسيا العادلة» المعارض، على مدونته. واستكمل قائلا: «أفعال رجال الشرطة لا تؤدي إلى أي شيء سوى صب الزيت على النار وإثارة حنق الشعب. في القريب العاجل، سوف تثور ثائرة الشعب الناقم بالأساس، وحينها، سيكون قد تم تخطي نقطة اللاعودة إلى غير رجعة».

غير أن الدعوات التي تم إطلاقها هذا الأسبوع لتنظيم مزيد من المظاهرات لم تجذب سوى بضع مئات من الأفراد (على الأقل شارك 20000 شخص في مظاهرة يوم الأحد، والتي سمحت بها السلطات). بعد إطلاق سراحه من السجن يوم الاثنين، اعتقل أودالتسوف مجددا في المظاهرة التي اندلعت في وسط موسكو. وفي يوم الأربعاء، صدر ضده حكم بالسجن 15 عاما بسبب تمرده على نظام الشرطة.

وبحلول يوم الجمعة، لم يترك سوى عدد قليل من البائسين، بعضهم يفترش حصائر، والبعض الآخر يعزف على الغيتار، يستمرون فيما وصف حينها بالتظاهر على مدار الساعة ضد بوتين في حديقة موسكو. وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين، في مقابلة أجرته معه مجلة «أفيشا» إن الشرطة سوف تتحرك سريعا لطرد بقية المتظاهرين.

في الوقت نفسه، بدأت أحزاب المعارضة في البرلمان، والتي قد نأت بنفسها بعيدا عن حركة الاحتجاجات، في تقديم دعم مشوب بالحذر، كما تعهدت بفتح استجواب برلماني حول اتهامات بانتهاكات من قبل الشرطة.

وقال ليونيد دوبروخوتوف، مستشار زيوغانوف: «نحن ندعم حق كل صفوف المعارضة، لا اليسار فقط، في المشاركة في مظاهرات ديمقراطية مشروعة». وأضاف: «أما عن أودالتسوف، فهو حليف وحقوقه الدستورية وحرياته مكفولة».

* ساهم إلين باري وأندرو روث في كتابة التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»