كتاب روس يضعون أقلامهم جانبا.. لإثبات قوة المسيرة في شوارع موسكو

يرتدي الكثيرون منهم شرائط بيضاء تمثل رمز المعارضة لحكومة بوتين

كتاب روس يتجولون سلميا في قلب موسكو (واشنطن بوست)
TT

لم يكن هناك قادة معارضة على رأس جمع كبير من الأشخاص الذين يتجولون سلميا في قلب موسكو يوم الأحد، بل فقط شاعر بدين يلقي عليه معجبوه أطواق الزهور، وروائي استقصائي يضع توقيعه على كل شيء تقع عليه يداه سواء كان ذلك كتابا أو ورقة أو بطاقة هوية، وفجأة تظهر سيدة في منتصف العمر ترتدي قميصا رياضيا أبيض. ويلتف الناس حول جدة ضئيلة الحجم فازت بالكثير من الجوائز الأدبية في روسيا وصرحت لصحافي قائلة: «الحشود تثير جنوني وتجعلني أرغب في الاختفاء».

منذ أربعة أيام فقط أعلن 12 كاتبا، انزعجوا من التنكيل بالاحتجاج والمعارضة التي أعقبت تنصيب فلاديمير بوتين رئيسا للبلاد، قيامهم بتجربة أطلقوا عليها اسم «تجول تجريبي» تهدف إلى تحديد ما إذا كان التجول الجماعي بين المتنزهات خلال فترة المساء بأكملها من دون التعرض للمنع أو الاعتقال أو الضرب أو التسمم بالغاز أو التحرش بأسئلة غبية أمرا ممكنا. لم يكن يعرف أحد ما سيحدث يوم الأحد، لكن عندما تحرك 12 كاتبا من ميدان بوشكين في وقت الغداء، تبعهم جمع من الناس بدأ يتزايد حتى وصل إلى نحو 10 آلاف شخص وأدى ذلك إلى إعاقة حركة المرور وامتلاء الشوارع الواسعة على طول 1.2 ميل. وكان يرتدي الكثيرون شرائط بيضاء اللون تمثل رمز المعارضة لحكومة بوتين. ولم تتدخل قوات الشرطة على الرغم من عدم حصول المنظمين على تصريح بالمسيرة.

وقال ليف روبينشتاين، شاعر يبلغ من العمر 65 عاما وأحد منظمي المسيرة: «يخبرنا هذا العدد أن الأدب لا يزال يتمتع بتأثير في مجتمعنا، فلم يوجه أحد الدعوة لهؤلاء، وأتوا هم من تلقاء أنفسهم. لقد كنا نظن أن الأمر لن يتعدى كونه مجرد تجول متواضع لعدد من الأدباء، وكان هذا ما حدث كما ترى». وأضاف: «لا أعرف كيف سينتهي الأمر، لكني يمكنني القول إنه لن يُنسى».

التاريخ الروسي زاخر بالمواجهات بين القادة والكتّاب، الذين وصفهم ستالين يوما ما بـ«مشكلي الروح الإنسانية». وذكرتنا مسيرة يوم الأحد بهذا، حيث بدأت عند تمثال ألكسندر بوشكين، الذي زجّ القيصر ألكسندر الأول به إلى السجن، وانتهت عند تمثال ألكسندر غريبويدوف، الكاتب المسرحي الذي منعت رقابة القيصر مسرحيته التي تسخر من الطبقة الأرستقراطية في موسكو حتى وفاته. وعلى الرغم من أنه يمكن القول إن الكتّاب لم يعودوا قادة الرأي العام، فإنهم لا يزالون قادرين على إثارة شبه هوس بين صفوف معجبيهم، فقد عانى عدة كتّاب من صعوبة السير يوم الأحد بسبب تدافع المعجبين. وامتلأت فالنتينا زيميلوفا، معلمة متقاعدة تبلغ من العمر 73 عاما، حبورا عندما وقّع الشاعر والناقد ديمتري بيكوف لها نسخة من أحد كتبه. وقالت: «لقد أبهرتني شجاعته وسرعة بديهته وما يتمتع به من حس دعابة. لقد كتبت ما لا يقل عن 20 كلمة جديدة بالنسبة لي. لقد كان كتابا رائعا لا يمكنك الابتعاد عنه على الرغم من ضخامة حجمه حيث يبلغ عدد صفحاته 900».

منذ أسبوع عندما انتهت مظاهرات نُظمت بالقرب من الكرملين بمصادمات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الشرطة، أوضحت السلطات أنها ستتردد في منح تصاريح لأي مسيرات أخرى تنظمها المعارضة. وفي مساء يوم تنصيب بوتين رئيسا، يوم الاثنين، اعتقلت الشرطة ما يزيد على 700 شخص، وكان سبب اعتقال بعضهم مجرد ارتداء شريط أبيض. وردا على ذلك، تبنى النشطاء مجموعة جديدة من الأساليب من بينها التخييم في متنزه بموسكو على غرار ما فعلته حركة «احتلوا وول ستريت». وسُمح لهم بذلك دون تدخل من الشرطة وتولد من الخوف جو عطلات سريالي بما فيه من ترديد لأغنية «كاتيوشا» مع الجيتار. واعتقلت الشرطة يوم الخميس ثماني شابات يرتدين ثياب خنزير، وظهرت بقرة خلال نهاية الأسبوع احتجاجا على انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية.

قالت أولغا رومانوفا، الناشطة المعارضة العتيدة، إنها يئست من محاولة وصف الموقف في خطاباتها إلى زوجها المعتقل. وقالت: «لقد بدأت أكتب عن زفاف وظهور بقرة، وأدركت أن علي شطب كل ما كتبت وإلا سيظنني زوجي قد جننت بسبب الحزن أو أن هناك شيئا يحدث لي. كيف سيصفون لبوتين الموقف، هل سيقولون إنه كان هناك زفاف، وظهرت بقرة؟».

انتشر منظمو الفاعلية وشعروا بالانتصار يغمرهم يوم الأحد على الرغم من عدم توقع ما يمكن أن يحدث وشكل التفاعل بين السلطات والمتظاهرين. وينظر البرلمان الروسي في مشروع قانون يزيد الغرامة المفروضة على مثيري الاضطرابات خلال المظاهرات إلى 1.5 مليون روبل أو ما يعادل 50 ألف دولار وعقوبة تصل إلى العمل القسري لمدة 240 ساعة بحسب وكالة أنباء «إنترفاكس». ويقضي زعيما المعارضة سيرجي أودالتسوف وألكسي نافالني 15 يوما في السجن، ويمكن أن يتلقوا عقوبات أشد، بينما من المحتمل أن يتم فض خيام المعارضة في أي لحظة. في وقت متأخر من يوم الأحد، انقطع البث التلفزيوني في جميع أنحاء موسكو خلال النشرة الإخبارية التي تغطي خبر الاحتجاجات ولم يتضح بعد سبب انقطاع البث. وقالت إيرينا ياسينا، أحد منظمي الفاعلية، إن ما حدث يوم الأحد وضع السلطات إزاء معضلة مربكة جديدة لأن «الكتّاب أشخاص دمثو الخلق، ويتطلع الكثيرون إلى دماثة الخلق. لقد خرج الأشخاص دمثو الخلق إلى الشارع، ولا يعرفون ما الذي يمكنهم فعله حيال ذلك. إنهم يعرفون ماذا يفعلون مع شخص مثل أدالتسوف، وهو مواجهة القوة بالقوة. إنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع الاحتجاجات المدينة، ولن يكونوا قادرين على التوصل إلى طريقة للقيام بذلكن فهذا محال».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»