مماطلة الإيرانيين في الملف النووي تدفع بالغرب نحو قبول برنامجهم

مسؤولون يرون أن سياستهم نجحت في تحويل مسار المفاوضات لصالحهم

TT

في الوقت الذي تبدأ فيه إيران جولة حاسمة من المحادثات حول برنامجها النووي، قد يبدو فريق المفاوضين الإيراني أقل اهتماما بالتوصل إلى تسوية شاملة ويريد إضاعة الوقت، وإقرار حق إيران في امتلاك برنامج لتخصيب اليورانيوم، حسب خبراء ومحللين إيرانيين.

وعلى الرغم من الضغوط المالية المتزايدة التي تعاني منها إيران جراء تشديد العقوبات ضدها، فإن المسؤولين الإيرانيين يؤكدون أن النهج الرئيسي الذي تبنته إيران قد آتى ثماره، فبالمضي قدما في متابعة أنشطتها النووية (مثل زيادة مستويات تخصيب اليورانيوم وبناء منشأة لتخصيب اليورانيوم في أحد المخابئ الجبلية) نجحت إيران في الواقع في إرغام الغرب على قبول برنامجها النووي التي تصر على طبيعته السلمية.

يقول المسؤولون الإيرانيون إن سياستهم التي وضعت بعناية فائقة قد نجحت في تحويل مسار المفاوضات لصالحهم عن طريق تحويل مسألة التخصيب إلى حقيقة لم يستطع الغرب إيقافها، والذي ربما يكون مستعدا الآن لتقبلها على مضض.

يقول حميد رضا تراغي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، والمقرب من فريق المفاوضين: «من دون انتهاك أية قوانين دولية أو معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، تمكنّا من تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها الغرب لنا».

التقى مبعوث إيران مع مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا أول من أمس لمناقشة رغبة الوكالة في تفقد المنشآت المشتبه باستخدامها في إجراء اختبارات لبعض مواد التفجير القادرة على تفجير شحنة نووية، وهو الأمر الذي تنفيه إيران. تعتبر هذه المحادثات بمثابة مقدمة غير رسمية للمحادثات الأخرى التي من المقرر إجراؤها في العاصمة العراقية بغداد الشهر الحالي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية وبعض البلدان الأخرى.

وبينما تظل هناك فجوة ثقة كبيرة بين الجانبين، واحتمال ضئيل بأن تسمح إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول إلى الموقع العسكري الذي تريد تفقده، يغذي الموقف العام الإيراني الشعور بأن كلا الجانبين يبحث عن وسيلة لإعلان النصر ونزع فتيل الأزمة. فبالنسبة للغرب، أكد المسؤولون أن تحقيق نجاح، على الأقل على المدى القصير، سيعني التوصل إلى صفقة تقوم إيران بموجبها بشحن كمية اليورانيوم متوسط التخصيب التي بحوزتها إلى خارج البلاد، والذي من شأنه أن يطيل من الفترة اللازمة لصنع المواد اللازمة لإنتاج القنبلة الذرية.

وفي طهران، يقوم تراغي بالترويج لقصة من شأنها أن تمهد الطريق أمام قبول شعبي وسياسي للتوصل إلى تسوية حول البرنامج النووي الذي يحظى بدعم شعبي واسع، حتى بين الفصائل السياسية المتنافسة، حيث يعتبر تخصيب اليورانيوم مسألة سيادة وكرامة وطنية.

يشير تراغي إلى النجاحات التي حققتها إيران، حيث يقول: «أولا، لم ترغب البلدان الغربية في امتلاك إيران محطة للطاقة النووية، ولكن إيران قد تمكنت من توصيل مفاعل بوشهر بالشبكة القومية. ثانيا، عارض الغرب امتلاك إيران منشآت للمياه الثقيلة، ولكن إيران تمتلك الآن مجمعا للماء الثقيل في آراك. ثالثا، عارض الغرب بشدة قيام إيران بتخصيب اليورانيوم بأي شكل كان..» يضيف تراغي وابتسامة عريضة تكسو وجهه: «وها نحن الآن نقوم بتخصيب كل كميات اليورانيوم التي يحتاجها برنامج الطاقة النووية»، في إشارة إلى الآلاف من أجهزة الطرد المركزي التي تعمل منذ سنوات في منشأة ناتانز التي يقع نصفها تحت الأرض». ومنذ شهر يناير (كانون الثاني)، تم تشغيل العشرات من أجهزة الطرد المركزي في مجمع «فوردو» الجبلي الذي يقع بالقرب من مدينة قم، والذي تم بناؤه ليتحمل الهجمات العنيفة.

يقول تراغي وبعض المسؤولين الآخرين إن سياستهم قد أرغمت الولايات المتحدة الأميركية على قبول قيام إيران بتخصيب اليورانيوم، على الرغم من قيام مجلس الأمن بإصدار 5 قرارات تدعو إيران لوقف عملية التخصيب، ولكن مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما يبدون تشككهم في هذا الرأي.

ولمح بعض المسؤولين الإيرانيين والغربيين إلى أن البيت الأبيض قد يكون مستعدا الآن لقبول قيام إيران بمستوى معين من أنشطة التخصيب، في مقابل السماح بإجراء عمليات تفتيش دقيقة للغاية وبعض الضمانات الأخرى. وقد تكون طهران أيضا راغبة في التوصل إلى تسوية، توقف بموجبها مستويات التخصيب عند 20 في المائة، وهو المستوى الذي يجعل من السهل زيادة تخصيب اليورانيوم للمستوى الذي يتم استخدامه في الأسلحة النووية.

وحتى قبل الاجتماع التمهيدي الذي عقد في إسطنبول الشهر الماضي، صرح رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسي أن إيران ترغب في وقف تخصيب اليورانيوم عند نسبة 20 في المائة. وتؤكد إيران أنها تقوم بتخصيب اليورانيوم من أجل تشغيل مفاعل بحثي طبي أميركي التصميم، يصل عمره إلى 43 عاما، وذلك لإنتاج النظائر الطبية المشعة التي تستخدم في علاج السرطان.

وأشار تراغي إلى أن إيران قد تمكنت أيضا، أثناء محادثات إسطنبول، من إقناع الغرب بأهمية الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي ضد امتلاك أسلحة نووية، مضيفا أن مثل هذه الفتوى قد ساعدت على توضيح موقف إيران من أنها لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية.

يقول تراغي: «لا يؤمن الغرب العلماني بأن القرارات الدينية أكثر أهمية بالنسبة لنا من القرارات السياسية، حيث استغرق الأمر بعض الوقت لإقناعهم بذلك». يصف المسؤولون الأميركيون الأمر على نحو مختلف، حيث يقولون إنهم أثاروا مسألة الفتوى في محاولة لحفظ ماء وجه الإيرانيين لكي يتم التوصل إلى تسوية.

وغادر المفاوضون الإيرانيون اجتماع إسطنبول معتقدين أنهم قد حققوا انتصارا عظيما، حيث قال تراغي من مكتبه الكائن بوسط طهران: «لقد تمكننا من تحقيق أهدافنا، وكل ما تبقى هو مجرد نقاش حول نسبة التخصيب».

وانطلاقا من الرأي القائل بأن تشديد العقوبات بالإضافة إلى التهديدات العسكرية قد أرهب الشعب الإيراني، سرب بعض المسؤولين الغربيين العديد من المطالب الرئيسية التي قد يطالبون بها في محادثات بغداد، من بينها سماح إيران لمفتشي الأمم المتحدة بدخول مجمع «بارشين» العسكري والتحقق من اتهامات وكالات الاستخبارات الغربية لإيران بالسعي وراء امتلاك أسلحة نووية، بالإضافة إلى قيام إيران بإغلاق مجمع «فوردو»، الذي يخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولكي يتم التوصل إلى أي اتفاق، تريد القوى الغربية أن تقوم الجمهورية الإسلامية بالتوقيع على اتفاق طوعي، بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، يسمح بإجراء المزيد من عمليات التفتيش.

* ساهم في كتابة هذا التقرير ديفيد سانجر من واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»