هولاند يتسلم مهامه رسميا.. ويبدأ ولايته بزيارة ألمانيا

شدد في خطابه على «تعايش الفرنسيين معا».. وعين مارك أيرو رئيسا للحكومة

TT

21 طلقة مدفع أطلقت من ساحة الأنفاليد، حيت تنصيب فرنسوا هولاند رئيسا جديدا (سابعا) للجمهورية الفرنسية الخامسة، قبيل ظهر أمس، في قصر الإليزيه، في يوم رسمي وشعبي طويل انتهى في برلين في لقاء هولاند بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وبدأ نهار هولاند في العاشرة صباحا بوصوله إلى قصر الإليزيه، حيث كان في استقباله الرئيس المغادر نيكولا ساركوزي عند أسفل درجات القصر تبعه لقاء «تقليدي» دام 38 دقيقة أطلع خلاله ساركوزي الرئيس الجديد على الملفات الحساسة وعلى أسرار القوة النووية الفرنسية.

وبموازاة اجتماع الرئيسين، التقت زوجة ساركوزي، عارضة الأزياء والمغنية السابقة كارلا بروني، ورفيقة درب هولاند منذ عام 2007 الصحافية السياسية فاليري تريرفيلير. وقد أمسك ساركوزي بيد زوجته عند توجهه إلى السيارة فيما قدمت له ثلة من الحرس الجمهوري التحية العسكرية. وتجمع مساعدو ساركوزي وموظفو القصر في الساحة لتحيته. وكان لافتا أن هولاند ودع ساركوزي من أعلى السلم ولم يرافقه حتى سيارته.

وإذا كان ساركوزي الرئيس الفرنسي الوحيد الذي تزوج (للمرة الثالثة) وهو في قصر الإليزيه، فإن هولاند هو الأول الذي يدخل القصر وهو غير متزوج، حيث إن تريرفيلير رفيقة دربه وليست زوجته. ويتوقع أن يثير هذا الوضع بعض المشكلات في بلدان محافظة في العالم الإسلامي، أو أخرى مثل الهند أو الفاتيكان وغيرهما.

وكانت الأجهزة الأمنية قد «عزلت» القصر الرئاسي عن محيطه واتخذت إجراءات أمنية صارمة. غير أنها لم تحل دون تجمع بضع عشرات من مناصري الرئيس المهزوم الذين دأبوا على الصراخ «نيكولا.. نيكولا.. شكرا ساركوزي»، كلما اقتربت سيارة رسمية من مدخل القصر، وازداد صراخهم لدى خروج الرئيس السابق.

وأعقب عملية التسلم والتسليم احتفال في قاعة الأعياد الكبرى في القصر أعلن خلاله رئيس المجلس الدستوري، جان لوي دوبريه، رسميا، فرنسوا هولاند رئيسا للجمهورية الفرنسية، وهو الرابع والعشرون منذ تأسيسها. وقلد هولاند الوسام الأكبر لجوقة الشرف والقلادة الذهبية التي تجعل منه راعيا لهذه المؤسسة التي أسسها الإمبراطور نابليون بونابرت عام 1804. وقال دوبريه مخاطبا الرئيس الجديد: «أنت (الآن) تجسد فرنسا والجمهورية الفرنسية وقيمها وتمثل كل الفرنسيين».

وفي خطابه الأول رئيسا للجمهورية الذي ألقاه بحضور 400 شخص يمثلون كل المؤسسات الفرنسية والنقابات ورؤساء الطوائف الدينية، ووسط حضور إعلامي كثيف جدا ونقل تلفزيوني حي لوقائع الاحتفال، أكد هولاند التزامه بـ«الدفاع عن العلمانية ومحاربة العنصرية ومعاداة السامية وكل الممارسات التمييزية»، وعزم فرنسا في عهده على «الوقوف إلى جانب كل القوى الديمقراطية في العالم التي تدافع عن مبادئ حقوق الإنسان»، بحيث تكون «وفية لمهمتها (في العالم) في الدفاع عن حريات الشعوب ومناصرة المقهورين وكرامة المرأة».

وأعرب هولاند، قبل ساعات من توجهه إلى برلين، عن رغبته في فتح «طريق جديد في أوروبا» يجمع ما بين الحاجة لخفض الديون وتوفير المحفزات للنمو الاقتصادي عن طريق إعادة النظر في الاتفاق المبرم بين الأوروبيين بخصوص ضوابط الميزانية والديون.

وفي الداخل، استعاد الرئيس الجديد المبادئ التي دافع عنها خلال حملته الانتخابية، فجدد الدعوة إلى تصالح الفرنسيين وتجمعهم، واعدا بأن تكون الدولة «غير منحازة»، وبأن يجعل «العدالة» المعيار الوحيد لكل القرارات التي سيتخذها خلال عهده. وقال هولاند: «لا يتعين أن تتحول اختلافاتنا إلى تفتت، وتنوعنا إلى نزاعات، فالبلد بحاجة إلى التهدئة والتصالح والتجمع، ويعود لرئيس الجمهورية أن يساهم بذلك». وبعد حملة انتخابية قاسية اعتبر هولاند أن «واجبه الأول» هو أن يسعى «ليعيش الفرنسيون معا، مهما تكن أصولهم ومنابتهم ومسالكهم، حول القيم نفسها التي هي قيم الجمهورية».

واغتنم هولاند الفرصة ليرسم نهجه في ممارسة السلطة بعيدا عما كان عليه أسلوب ساركوزي، فأكد أنه لن يستأثر بالسلطة، وسيترك الحكومة تحكم والبرلمان يشرع والعدالة تقوم بدورها من غير تدخل في شؤونها. وختم هولاند خطابه بالإشادة بكل رؤساء الجمهورية الستة الذين سبقوه، لكنه عندما وصل إلى ساركوزي اكتفى بالقول إنه يوجه إليه «تمنياته للحياة الجديدة التي تنفتح أمامه».

وبعد الخطاب، استعرض الرئيس الجديد في حديقة الإليزيه وبحضور كبار القادة العسكريين، وحدات تمثل كل قطاعات القوات المسلحة. وبعدها استقل هولاند سيارة مكشوفة تحيط بها دراجات الدرك ويرافقها خيالة الحرس الجمهوري قادته تحت المطر، عبر جادة الشانزليزيه المزدانة بالأعلام، إلى قوس النصر، حيث شعلة ضريح الجندي المجهول. وحرص هولاند، بعد الاحتفال، على التوجه للجمهور الذي تجمع ليصافح عشرات الأيدي الممتدة، وليظهر أنه سيبقى قريبا من الشعب.

وبعد الظهر، توجه إلى القصر البلدي الذي دعاه إليه عمدة باريس الاشتراكي، برتراند دولانويه، من أجل احتفال شعبي كبير نقلت وقائعه على شاشات كبيرة ثبتت في ساحته. وقبلها، كرم هولاند رجل الدولة ووزير التعليم جول فيري (توفي عام 1893) الذي أقر مبدأ التعليم «المجاني، العلماني، والإلزامي»، للإشارة إلى أهمية التعليم في عهده. وبعد ذلك، وضع إكليلا من الزهر أمام نصب عالمة الفيزياء والكيمياء الفرنسية من أصل بولندي ماري كوري (توفيت عام 1934). وماري كوري هي الوحيدة في العالم التي حصلت على جائزتي نوبل في ميدانين مختلفين الكيمياء والفيزياء. وأراد هولاند من تكريمها الإشارة إلى رغبته في تنشيط البحث العلمي في فرنسا، والتأكيد على انفتاح بلاده على العالم وعلى ما يأتي به الباحثون الأجانب من إضافات علمية.

وبعد الظهر، صدر عن قصر الإليزيه بيان أفاد بأن هولاند عين جان مارك أيرو رئيسا للحكومة، ويرأس أيرو منذ سنوات المجموعة الاشتراكية في مجلس النواب. ومن المنتظر أن تعرف التشكيلة الحكومية مساء اليوم، بحيث يعقد مجلس الوزراء الجديد اجتماعه الأول يوم الخميس، وذلك قبل توجه هولاند إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء الرئيس باراك أوباما والمشاركة في قمة مجموعة الثماني في كامب ديفيد، ثم في القمة الأطلسية في شيكاغو.

ومساء، أعلن متحدث باسم وزارة الدفاع الفرنسية أن طائرة الرئيس هولاند التي كانت في طريقها إلى برلين اضطرت إلى العودة أدراجها جراء سوء الأحوال الجوية قبل أن تتجه مجددا إلى ألمانيا. وقال المتحدث إن «الطائرة كان يمكن أن تصاب ببرق وقد عادت أدراجها لأسباب تتعلق بالسلامة. وكان الرئيس الفرنسي الجديد قد غادر قاعدة فيلاكوبلي العسكرية في طائرة فالكون (سيفن إكس)، لكن هذه الطائرة أجبرت سريعا على العودة أدراجها، قبل أن يستقل الرئيس طائرة أخرى من طراز (فالكون 900) ويتوجه إلى برلين».