سباق الرئاسة في المكسيك: الوسامة والشهرة تطغيان على البرامج

المرشح الأوفر حظا يثير قلق الأميركيين وتمكن بسهولة من تسويق نفسه رجلا للتغيير

TT

في حملته للرئاسة المكسيكية، يظهر المرشح الأوفر حظا إنريكي بينا نيتو، في اللوحات الإعلانية بالشوارع، وهو ينظر إلى الأسفل، راسما على وجهه ابتسامة نجم سينمائي ويقول: «أنتم تعرفونني»، لكنهم في الحقيقة قد لا يكونون كذلك.

يتصدر بينا نيتو استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية التي يتوقع إجراؤها في 1 يوليو (تموز) المقبل، لكن الناخبين المكسيكيين يعترفون بأنهم لا يعرفون ما يمثله، ولا يعرفون كيف سيتمكن من حكم المكسيك، الشريك التجاري الحيوي للولايات المتحدة. وقال روي كامبوس وهم منظم استطلاعات رأي مستقل: «هل يعرف الناس فعلا؟ كلا، لكنهم يرغبون في التعرف إلى أفكاره».

استخف به خصومه ووصفوه بأنه دمية جميلة لا يصلح سوى للتمثيل، لكن نيتو، 45 عاما، تمكن عبر التسويق المتقدم من جعل نفسه الوجه الجديد لـ«الحزب الثوري الدستوري»، الذي جسد الاستبداد السياسي قبل تخليه عن الحكم عام 2000 بعد حكمه المكسيك بمزيج من الفساد والإكراه على مدى 71 عاما.

ولد بينا نيتو في مدينة زراعية هادئة تقع على بعد ساعات من شمال شرقي العاصمة مكسيكو. تعلم السياسة على طاولة عشاء العائلة، وحتى عندما كان طفلا كان شعره يمشط بأناقة، وكان دمث الخلق إلى حد بعيد، ويبدو أنه كرس حياته على أنها حملة لا تنقطع. وتقول بيرتا ديلمازو، إحدى عماته: «بدلا من الانشغال باللعب مع الصبيان الآخرين في عمره، كان يرغب على الدوام في الجلوس مع البالغين والحديث في السياسة».

تدرب على يد مجموعة من القادة السياسيين من أنصار المدرسة القديمة التي تعرف باسم «مجموعة أتلاكومولكو». شغل خمسة من أفراد عائلته منصب حاكم ولاية مكسيكو، أكثر الولايات كثافة سكانية، وتولى هو المنصب عام 2005، وقد أهلته الفترة التي قضاها حاكما للولاية لخوض السباق الرئاسي.

ومن بين مستشاريه في السباق الانتخابي، عضو العائلة أرتورو مونتيل، الذي كان سلفه في منصب حاكم ولاية مكسيكو ثم واجه فيما بعد اتهامات باختلاس المال العام. ويقول أندرياس مانويل لوبيز أوبرادور، المرشح الرئاسي اليساري، في المناظرة الأولى، معبرا عن تساؤل يدور في أذهان الكثيرين من المكسيكيين: «من هو إنريكي بينا نيتو؟».

يقول جينارو فيلاميل، مراسل مجلة «بروسيسو» الإخبارية الأسبوعية الساخرة، الذي صور المرشح على أنه أعد للظهور في أحد برامج قناة «تليفيزا»، التكتل الإعلامي الأضخم في المكسيك: «إنه يقرأ من الورقة طوال الوقت في ما يشبه القصص المصورة».

في كتبه ومقالاته، التي يتم الاستشهاد بها من قبل منافسي بينا نيتو، يؤكد فيلاميل أن بينا نيتو خلال عمله حاكما للولاية أعطى عقودا إعلانية لشبكة «تليفيزا» بالملايين لضمان ظهور أبرز على برامج الشبكة، وهي دعاوى ينفيها المرشح. وقد واجه بينا نيتو يوم الجمعة الماضي اتهامات جديدة بأنه دفع لشبكة «تليفيزا» كي يثني معلقوها عليه على الهواء، لكن المرشح أصر على أنه اشترى بعض الفقرات الإعلانية قبل وبعد التعليقات، كما تفعل شركة «تيكيلا»، حسب قوله. ويشير بينا نيتو إلى أن الشعب المكسيكي يريد التغيير، وأنه من سيحقق ذلك، حيث يحظر الدستور على الرئيس فيليب كالديرون، زعيم حزب العمل الوطني الحاكم، الترشح لفترة أخرى.

ويصف كالديرون الصارم والعنيد، نفسه بالجنرال الذي يحارب مافيا الجريمة والطبقة السياسية المهيمنة التي يهيمن عليها الحزب الثوري الدستوري والتي حالت دون تنفيذ أجندته. وفي المقابل، يقول كامبوس، منظم الاستفتاءات: «يبدو بينا نيتو شخصية حميمة ترفض النزاع».

وفي الولايات المتحدة يبدي المسؤولون الأميركيون وبعض أعضاء الكونغرس شكوكا حول مدى التزام بينا نيتو بمواصلة الحرب ضد عصابات المخدرات، التحدي الذي هيمن على العلاقة بين إدارتي كالديرون وأوباما أكثر من أي شيء آخر. وأشار بينا نيتو إلى أنه يبدي اهتماما أكبر بالقتال ضد عصابات الجريمة المرتبطة بحوادث الخطف والابتزاز والسرقة والقتل، أكثر من تجارة المخدرات. ويتفق كثير من المكسيكيين على هذا الرأي، فهم لا يكترثون بكمية الكوكايين التي يتم تهريبها إلى الولايات المتحدة، لكنهم يكترثون بشأن الأجساد مقطوعة الرأس في وسط المدينة. ويبدي بينا نيتو عزمه على تقديم نفسه على أنه رجل يفي بوعده حتى أنه يزور كل ولايات المكسيك الإحدى والثلاثين للتوقيع على تعهدات حملته الانتخابية في حضور كاتب عام. وكما فعل خلال عمله حاكما لولاية مكسيكو، يخطط للعمل من خلال مرجعية والتصديق على كل مشروع عام - مستشفى أو طريق سريع أو مدرسة – على أنه وعد ينبغي الوفاء به.

ومن هذا المنطلق، يقدم بينا نيتو نفسه زعيما أكثر منه سياسيا. فسياساته أصعب من أن يتم تعريفها لأن مقترحاته الرئاسية، وأغلبها غامض، تجمع ما بين اليمين واليسار والوسط. فهو يعد بأن يكون مسؤولا فاعلا قادرا على تمرير الإصلاحات وبناء الجسور وتوفير الوظائف.

وقد حاول خصومه تقويض رسالته الوسطية بحملات هجومية تصفه بالكذب، وتقول إنه فشل في الوفاء بوعوده حاكما، لكنه نال الثقة على أية حال. بيد أن هذه الاتهامات لم تؤثر في مؤيدي بينا نيتو، كما لم تفت التسريبات عن حياته الشخصية في عضد محبيه. ففي العام الماضي اعترف الكاثوليكي الملتزم أنه أنجب طفلين خارج إطار الزواج من سيدتين خلال زواجه بزوجته الأولى، مونيكا بريتليني، التي توفيت نتيجة مرض الصرع في يناير (كانون الثاني) 2007.

في العام التالي، أعلن بينا نيتو في برنامج تلفزيوني أنه كان يواعد نجمة المسلسلات الاجتماعية الشهيرة المطلقة أنجليكا رفيرا التي تألقت في الدراما الشعبية «ديستيلد لاف»، وهو مسلسل يروي قصة حياة فتاة مزارعة تواجه شرور المدينة الكبيرة، وقد تزوج الاثنان عام 2010.

لا يبدو أن خيانات بينا نيتو قد أثارت غضب ناخبيه، على الرغم من أن منافسته الرئيسية عن حزب العمل الوطني جوزفين فاسكويز موتا، استغلت عيد الأم، الخميس الماضي، لانتقاده بوصفه بأنه أب غير مسؤول فشل في تحمل تبعات أفعاله.

وعلى عكس الرؤساء السابقين الذين قضوا بعض الوقت في الولايات المتحدة وعادة ما كانوا يدرسون في جامعاتها، لا يجيد بينا نيتو الحديث باللغة الإنجليزية، فقد درس في جامعة «بان أميركان» في مكسيكو، وحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من معهد مونتيري للتكنولوجيا والدراسات المتقدمة.

ويقول المحلل السياسي سيرجيو أغايو: «الناس يريدون التغيير، وهو قد نصب نفسه شخصا قادرا على الوفاء بذلك. الحزب الثوري الدستوري أكثر تنظيما وأموالا، ويسيطر على حكومات الولايات، كما أن إنريكي أدار حملة استثنائية، هذا إلى جانب وسامته».

غير أن القضية التي تشغل بال المراقبين في المكسيك هي ما إذا كان بينا نيتو يمثل الحزب الثوري الدستوري بنهجه القديم - الاستبدادي والفاسد والشخصيات التي يسميها المكسيكيون ديناصورات - أم إنه يمثل الحزب بصورته الجديدة التي تعد بالشفافية والكفاءة والأيدي الطاهرة. ويقول سيرجيو سارمينتو، كاتب الرأي في صحيفة «ريفورما»: «لا أعتقد أن إنريكي بينا نيتو ديناصور، لكن هناك بعض الأفراد في فريقه يمكن وصفهم بالديناصورات».

وإذا سار بينا نيتو المرشح التقدمي على نهج هؤلاء الديناصورات نفسه، فسوف يكون مصدر توتر كبيرا خلال رئاسته. وإذا ما حدث فربما تكون تربيته في مدينة صغيرة محافظة، وجماعة «أتلاكومولكو» المتدينة، حيث لعبت عائلته دورا بارزا في الحياة العامة وإدارة مجلس البلدية وكاتدرائية المدينة، السبب في ذلك.

لا توجد لافتات أو علامات تشير إلى أن أتلاكومولكو مسقط رأس المرشح، فقد انتقل بينا نيتو من المدينة بعد التخرج من الثانوية وكان يعود إليها على نحو متقطع، لكن عائلة المرشح لا تزال تمتلك منزلا تاريخيا يختفي خلف حائط عال. وقد أعيد رصف شارعها الضيق وتم طلاؤه حديثا قبل عدة سنوات بناء على طلب من حاكم الولاية، الذي وضع اسمه بأحرف بارزة على لوحة من البرونز علامة أخرى على الوعد الذي قطعه والمهمة التي أنجزها، وتحمل اللوحة اسم «إنريكي بينا نيتو».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»