مصدر أميركي لـ «الشرق الأوسط»: تخيير العالم بين بقاء الأسد أو الفوضى.. منطق سخيف

قال إن حكومة ميقاتي نجحت في التهرب من الضغوط الإيرانية

طلاب جامعة حلب أثناء اعتصامهم داخل كلية الهندسة أمس (أوغاريت)
TT

حذر مصدر دبلوماسي أميركي رفيع المستوى من أن الوضع السوري كلما طال الوقت قبل حل الأزمة السورية، كثرت النتائج السلبية على دول المنطقة و«يصبح خطر تسرب العناصر الراديكالية أكبر إلى الداخل السوري، ومنه إلى الدول المحيطة كلبنان». واتهم المصدر في لقاء مع «الشرق الأوسط» النظام السوري بعدم تنفيذ بنود خطة أنان، معتبرا أنه «على المجتمع الدولي اتخاذ قرار قريب بشأن هذه الخطة»، مشيرا إلى أنه في حال فشلها، سيكون المجتمع الدولي على موعد مرة جديدة مع مجلس الأمن، آملا أن تكون «الدول المترددة» قد غيرت رأيها في ذلك الوقت.

واستغرب المصدر محاولات البعض وضع العالم والسوريين أمام خيار من اثنين، بقاء الأسد أو الفوضى والحرب الأهلية، معتبرا أن هذا المنطق «سخيف»، فلا يمكن للحكومات الاستبدادية أن تحمل التغيير وتقدم الحلول؛ طالما أنها لا تمثل شعبها بالفعل.

وقال المصدر الدبلوماسي الأميركي، الذي طلب عدم تعريفه، إن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان حرص خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان على متابعة لقاءاته مع النخب المسيحية من مفكرين وسياسيين، بهدف سبر أسباب «القلق» المسيحي حيال التطورات الأخيرة في العالم العربي. ويعترف المصدر بأن الولايات المتحدة تدرك تماما وجود هذا القلق المسيحي حيال الربيع العربي، خصوصا بعد ما حصل في مصر من مواجهات طائفية. وأشار إلى أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التقت عددا من الشخصيات – من بينهم لبنانيون – تحدثوا حول هذا الموضوع أيضا.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة «لاحظت وجود قلق مسيحي سببه الوضع في العراق ومصر وسوريا، وقد أردنا أن نعرف ماذا يجول في خاطرهم حولها، خصوصا من بعض السياسيين اللبنانيين». وأوضح المصدر أن «فيلتمان التقى هذه المرة بشكل أساسي مع قيادات 14 آذار من المسيحيين، لكنه التقى أيضا مطران بيروت للموارنة بولس مطر ومطران بيروت للروم الأرثوذكس إلياس عودة»، ليخلص المصدر إلى القول إن «الأميركيين لم يسمعوا في هذه اللقاءات ما يفاجئهم».

وأشار المصدر إلى أن فيلتمان كرر أمام من التقاهم ما قالته الوزيرة الأميركية عند اتصالها بالرئيس ميشال سليمان، لتهنئته بكلمته أمام القمة العربية، وخصوصا من حيث «دعوته إلى المحافظة على المكونات البشرية المتنوعة للعالم العربي ضمن الوحدة»، فعندما يتحدث الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة عن أوضاع المسيحيين، لا بد من الاستماع إلى كلمته بعناية واهتمام. وقال المصدر: «نحن نحاول الاتصال بالجميع، ولا أحد يريد رؤية المسيحيين يخرجون من المنطقة».

وإذ يشير المصدر إلى تزامن زيارة فيلتمان مع زيارة وفد إيراني كبير برئاسة نائب الرئيس إلى لبنان، لا يفوته أن يلاحظ أنه على رغم ضخامة الوفد الإيراني، فإنه لم يتم توقيع سوى اتفاق واحد ولم يحصلوا على مرادهم، و«هذا نجاح دبلوماسي كبير لنا». ويقول: «عندما يأتي وفد من مائة شخص، فإن من أرسله يتوقع الحصول على نتائج كبيرة وهذا ما لم يحصل»، ورغم أن المصدر لا يزعم وجود «دور أميركي» في هذا، فإنه رأى، في عدم تجاوب الحكومة اللبنانية مع الضغوط الكبيرة التي مورست عليها محليا لتوقيع اتفاقات مع إيران، «إشارة جيدة». وأضاف المصدر: «عندما أتت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قلنا إننا سنحكم عليها من خلال أفعالها، ورغم ملاحظاتنا حول كيفية وصول هذه الحكومة وملابسات تأليفها، فإنه لا يسعنا إلا أن نعطيها حقها في الإشادة بما قامت به».

ونفى المصدر بشدة ما تردد عن قيام فيلتمان برسم 3 خطوط حمراء، الأولى لقوى «14 آذار» وتتعلق بعدم المس بحكومة ميقاتي، والآخرين للحكومة ويتعلقان بمنصبي حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش اللبناني. وقال: «نحن نعرف أن قوى 14 آذار ليست سعيدة بحكومة ميقاتي، وما تقوم به بهذا الخصوص هو أمر يعود إليها، أما علاقتنا بحاكم مصرف لبنان وقائد الجيش فهي علاقة مؤسساتية مع المؤسستين، لا مع الأشخاص رغم إشادتنا بأداء القائمين عليها. ففيما يتعلق بالمصرف المركزي هناك أمور تهمنا، منها مواضيع تبييض الأموال وكيفية مكافحتها، وموضوع التزام لبنان بالعقوبات الدولية، ولدينا علاقة شراكة مع الجيش اللبناني تقوم على المساعدة في التسليح والتدريب».

أما فيما يتعلق بحكومة ميقاتي، فيقول المصدر: «نريد من لبنان البقاء بعيدا عن النظام السوري.. طبعا نحن نرغب في شدة في أن يبتعد لبنان مسافة أكبر بكثير مما هو حاصل، لكن الواقعية تجعلنا نفهم سياسة النأي بالنفس التي يتبعها لبنان».

ورأى المصدر أن الوضع السوري يبدو متجها إلى مزيد من التأزيم ومزيد من الوقت، وكلما طال الوقت، كثرت النتائج السلبية على دول المنطقة ويصبح خطر تسرب العناصر الراديكالية أكبر إلى الداخل السوري ومنه إلى الدول المحيطة كلبنان. وإذ أشار المصدر إلى أن النظام السوري لم يلتزم بخطة أنان لا من جهة وقف إطلاق النار، ولا من جهة السماح بالمظاهرات السلمية وصولا إلى فتح الحوار مع المعارضة، قال: إن «الولايات المتحدة خائبة الأمل مما يجري، ومن المعادلات القائمة في مجلس الأمن التي تمنع التصويت على قرارات حاسمة تساعد السوريين». وأضاف: «عندما صدرت خطة أنان كنا واضحين لجهة المطالبة بسرعة تطبيقها، ولا أتوقع أن يطول الوقت قبل أن يتم اتخاذ قرار بنجاحها أو فشلها».

وحول خطة ما بعد الفشل، يقول المصدر: «سنذهب إلى جولة جديدة من المباحثات في مجلس الأمن»، مشيرا إلى أن واشنطن مهتمة جدا بما يجري في سوريا، لكن المشكلة في سوريا أن وضعها معقد ويؤثر إلى حد كبير في المنطقة ككل. وأضاف: «أعتقد أنه على المجتمع الدولي أن يتخذ قرارا بشأن خطة أنان وتحديد نتيجة لها. إنها عملية ضرورية لسوريا والمجتمع الدولي للعمل من خلالها عبر الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. وعندما يتم اتخاذ قرار بشأن خطة أنان، آمل أن يكون أعضاء المجتمع الدولي المترددون قد غيروا رأيهم حينها. بعض أعضاء المجتمع الدولي متفقون على سبل المضي قدما في سوريا، ولكن ليس الجميع هناك. إنه أمر محبط للجميع، وللمعارضة والشعب السوري واللبناني».

وإذ لاحظ المصدر أن ثمة من يقول بأن بقاء الأسد أفضل من ذهاب سوريا نحو حرب أهلية وطائفية أو نحو الفوضى، قال: إن هذا المنطق «سخيف.. فلا يمكن للحكومات الاستبدادية أن تحمل التغيير وتقدم الحلول طالما أنها لا تمثل شعبها بالفعل». وأضاف: «لا يمكن وضع الناس أمام خيارين مماثلين. الأسد لا يقوم بتسهيل عملية الانتقال إلى الديمقراطية، والسوريون الثائرون يطالبون بحقوقهم الأساسية. الأمر لا يمكن أن يكون مقايضة بين بقاء الديكتاتور أو الفوضى».

ويستغرب المصدر بشدة الكلام عن أن الولايات المتحدة لا تتحرك في سوريا لأن إسرائيل لم تتخذ قرارا بعد بشأن رحيل النظام السوري، فيؤكد أن الأمور ليست هكذا. ويختم المصدر بالتأكيد على أنه «منذ شهر يوليو (تموز) دعت الولايات المتحدة الأسد إلى التنحي»، وأن «سياستنا الثابتة في هذا الشأن تبين أن هذا ليس هو الحال». وأشار إلى أنه «يعود للشعب السوري اتخاذ القرار ورسم ما هي الخطوة التالية، ونحن لا نعتقد أن ما يطلبه الشعب السوري غير معقول».