السوريون يتحدون النظام لمساعدة المحتاجين

أحد المشاركين: نشأنا طوال حياتنا على الخوف.. لكنك تصل إلى مرحلة تدرك فيها أنك قوي

صورة ماخوذة في فبراير الماضي لعناصر من الجيش السوري الحر ينقلون أسلحة وأدوية عبر أحد ألأنهار («نيويورك تايمز»)
TT

ظل شخصان في دمشق يحاولان جاهدين لمدة 48 ساعة الوصول إلى مدينة حمص المحاصرة بالسيارة لتوصيل صناديق تحتوي على أكياس دم لمساعدة الجراحين في علاج المصابين، لكن سُدت كافة الطرق بسبب إطلاق النار. وأخيرا حملا السلع المهربة على ظهريهما وسارا لمسافة 65 ميلا بمساعدة راعي غنم كان يرشدهما عبر الطرق الجانبية والمتربة.

ومع انتقال أعمال العنف الذي تشهده سوريا إلى مرحلة جديدة خطيرة، وتزايد عدد النازحين والمصابين، زادت الجهود الفردية، وشكلت شبكة منظمة سرية من المتطوعين المستعدين لمواجهة خطر الإصابة أو الاعتقال في سبيل توصيل المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة إلى المحاصرين أو الجرحى أو النازحين نتيجة الصراع. وتنظر الحكومة إلى هذه الشبكة باعتبارها انتهاكا، وتعتقل أي شخص يوزع المساعدات خاصة إذا كانت مساعدات طبية.

ويقول ناشطون إن الحكومة تعتبر أي نوع من المساعدات بما فيها المساعدات الإنسانية معاونة للأعداء وفرصة لنهوض مجتمع مدني لطالما عانى القمع. ولم ينتج عن التهديد بالاعتقال إلا سرية الشبكة؛ في ظل تزايد عدد الذين يجتهدون من أجل توصيل الأغذية والملابس والأدوية والمأوى والخدمات والأموال إلى الأشخاص الذين وقعوا ضحايا للنظام السوري وفشل المجتمع الدولي في مساعدتهم حتى الآن. وصرح الهلال الأحمر الأسبوع الماضي بحاجة 1,5 مليون شخص للغذاء والماء والمأوى. وقال طالب جامعي مشارك في جهود الإغاثة: «لقد نشأنا طوال حياتنا على الخوف، لكنك تصل إلى مرحلة تدرك فيها أنك قوي لأنك تستطيع التعبير عن نفسك والقيام بأفعال». ويقول المشاركون في الشبكة إنها تقوض محاولات النظام تطبيق سياسة فرق تسد سواء على أساس طائفي أو عرقي أو طبقي أو جغرافي.

أخذ النظام على مدى العام الماضي ينشر المخاوف من اندلاع صراع عرقي أو صعود تيار إسلامي مسلح إلى سدة الحكم، للحصول بالقوة على دعم من كافة الطوائف والأعراق السورية. كذلك استغل النظام الانقسامات الجغرافية مع تزايد الاستياء بين سكان المدن المحاصرة تجاه سكان المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب التي لم تنتفض بأعداد كبيرة مثلها على حد قول محللين.

وتثبت قدوم المساعدات من تلك المدن، خاصة من العاصمة التي لم تتأثر نسبيا بما يحدث، عدم صحة هذا الزعم كما يوضح المؤيدون. ويستطيع أهل دمشق التصدي لتصوير العاصمة بأن أوضاعها طبيعية نسبيا من خلال الاضطلاع بدور إيجابي، لكنهم بذلك يعرضون أنفسهم لخطر الاعتقال، فقد تم إلقاء القبض على سيدتين في مقهى في وضح النهار الشهر الماضي، وكذلك على ابن طبيب خلال الشهر الحالي لمساعدتهم في توصيل مساعدات وأدوية على حد قول نشطاء. وتم إلقاء القبض على رجل آخر بعد جمعه لشوكولاته عيد الفصح من أجل الأطفال المسيحيين في حمص، وظل محتجزا لعدة أسابيع. واعتقلت السلطات طبيبا نفسيا يدرب المتطوعين على مساعدة الأطفال، الذين تعرضوا لصدمات نفسية بسبب الثورة التي دخلت عامها الثاني.

وقال عالم اجتماع مشارك في الشبكة - ورفض مثل كثيرين الإفصاح عن اسمه: «إنهم يريدون إلغاء فكرة مساعدة الناس بعضهم البعض من الوجود، فهم لا يريدون أن يتضامن السوريون مع بعضهم البعض». ويقول بعض المتطوعين إن ما دفعهم إلى المشاركة هو إدراكهم عدم رغبة النظام في اتخاذ أي إجراء تجاه الأزمة الإنسانية الناجمة عن محاصرة المدن السورية والتي دفعت مئات الآلاف من السوريين إلى النزوح. وأقام ميسورو الحال في فنادق دمشق، التي خفضت سعر الإقامة في الغرف بشكل كبير للسوريين الهاربين من العنف، أما من لا يملك المال، فقد فتحت لهم أبواب السوريين رقيقي الحال على أطراف دمشق.

وقال أحد المشاركين: «تقديم مواد الإغاثة ليس أمرا يخالف القانون، لكننا فهمنا من قوات الأمن أنه غير قانوني»، مشيرا إلى أن أخطر المواد المهربة هي الأدوية. وأضاف: «لقد بدأنا نخاف على المتطوعين، لذا توقفنا عن توصيل الأدوية، واكتفينا بالأغذية فقط».

يلف الغموض كل محطة من محطات، مما أصبح شيئا أشبه بخط مترو أنفاق، حيث تُكلف كل خلية منفصلة بمهمة مختلفة عن الأخرى وتشمل المهام طلب المساعدات وتأكيد الطلب وتوصيل المساعدات وجمع الأموال والتبرعات.

لحماية الشبكة يعرف المشاركون هوية الأشخاص الذين يتعاملون معهم بصورة مباشرة فقط. ويُقدر عدد المشاركين في تلك الشبكة من دمشق ومحيطها بالمئات، في حين يُقدر عدد المشاركين، الذين يساهمون بالمال والإعانات في أنحاء سوريا، بالآلاف.

ومع ذلك، يقول الأشخاص الذين يريدون تقديم المساعدة إنه لا يوجد لديهم أي خيار آخر سوى السرية، مستشهدين في هذا الإطار بنتائج الإعلان عن تنظيم قافلة مساعدات إلى حمص في شهر مارس (آذار) الماضي، حيث أنشأ المنظمون صفحة على موقع «فيس بوك» تحمل اسم «نحمل حمص في قلوبنا»، وكان شعار الصفحة هو «يد تحمل غصن الزيتون». وقد كشفت الصفحة عن الهوية الحقيقية للمنظمين وأرقام هواتفهم باعتبارهم الأشخاص الذين سيتلقون التبرعات لنقلها إلى حمص.

وخلال ثلاثة أسابيع، تمكن المنظمون من تجميع 40 طنا من المواد الغذائية وحصلوا على توقيعات 200 شخص لتوصيل تلك المواد إلى المدينة المنكوبة. وفي التاسع عشر من شهر مارس، انطلقوا في قافلة من ثلاث حافلات وشاحنات ويرتدون قبعات بيضاء اللون تحمل شعار الحملة وبطاقات تحديد الهوية حول أعناقهم، في مشهد يذكرنا بحملات الخدمة العامة التي كانت تتم قبل اندلاع الاحتجاجات.

وبعد دقائق من مغادرتهم، تم توقيفهم من قبل شرطة المرور. وبعد يوم من المشاحنات مع رجال الأمن واتصال بقناة «العربية» الفضائية، تم التوصل إلى اتفاق يقوم بمقتضاه الصليب الأحمر بتوصيل تلك المواد الغذائية إلى حمص، وتم منع المتطوعين من الوصول إلى المدينة.

وتتميز سوريا بموروث ثقافي رائع في مجال الأعمال الخيرية، حيث توجد مئات المؤسسات التي يمكن للسوريين من خلالها المساهمة في الأعمال الخيرية، ولكن القيود التي فرضتها الحكومة على تلك المؤسسات قد حدت من قدرتها على القيام بعملها خلال فترة الصراع. وصرح معظم الناس هنا بأن معظم هذه المنظمات تعمل الآن في السر.

وتحاول الحكومة أن تظهر وكأنها متجاوبة مع الأزمة، ففي شهر أبريل (نيسان) الماضي، ظهر الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء الأسد على شاشات التلفزيون وهما في استاد مليء بالمتطوعين الذين يقومون بتعبئة السكر والأرز والتي سيتم توزيعها على المحتاجين في جميع أنحاء سوريا. وينظم تلك الحملة مؤسسة الأمانة السورية للتنمية، وهي منظمة غير حكومية تترأسها أسماء الأسد. ومع ذلك، صرح النشطاء بأن معظم العائلات في حمص قد رفضت تلك المساعدات، لأن الأمانة السورية يتم تمويلها من قبل الحكومة.

تقول امرأة من حمص: «لقد تسببوا في حدوث هذا الأمر. هل يقومون بقذفنا بالقنابل لكي يتمكنوا من مساعدتنا؟ لماذا لا يتوقفون عن مهاجمتنا من الأساس!». يقول الباحث الاجتماعي إن الحكومة حاولت استغلال المساعدات في صالحها، مضيفا: «يريدون أن يبدو الأمر كما لو أن الحكومة وحدها هي من يستطيع توفير المساعدات»، وهو ما يحمل إشارة ضمنية على قدرة الحكومة على وقف المساعدات.

يقول بعض الأشخاص العاملين في شبكة المساعدات إن تأثير المساعدات يتجاوز تلبية الاحتياجات الإنسانية، حيث يقول الشخص الذي قام بتوصيل أكياس الدم إلى حمص إن هذه الشبكة قد ساعدت السوريين وربطت بينهم في الوقت الذي يهدد فيه العنف بتدمير المجتمع.

تتضمن الخلية المباشرة التي يعمل فيها هذا الرجل شخصا مسيحيا وآخر كرديا كممثلين عن جماعات الأقليات التي ظل أعضاؤها، في كثير من الأحيان، على ولائهم للحكومة أو حتى تبنوا مواقف محايدة، خوفا من العواقب التي قد تترتب على سقوط الحكومة.

* خدمة «نيويورك تايمز»