الأمير نايف بن عبد العزيز.. حضور مبكر ولافت في معترك الحياة السياسية منذ 6 عقود

من أمير الرياض إلى ولاية العهد

رجل الأمن الأول قاد نجاحا لافتا للقضاء على الإرهاب الذي اكتوت بلاده بناره
TT

* سجّل الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، حضورا لافتا في الحياة الإدارية والسياسية في بلاده، ودخل معتركهما في سن مبكرة خلال عهد والده الملك المؤسس، حيث يعد الأمير نايف النجل الثالث والعشرين من أبناء الملك عبد العزيز.

وحفلت سيرة الأمير نايف بمناصب رسمية كثيرة منذ توليه قبل أكثر من 60 عاما أميرا لمنطقة الرياض وحتى تعيينه قبل ثمانية أشهر وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة لاحتفاظه بمنصب وزير الداخلية، وذلك بعد رحيل الأمير سلطان بن عبد العزيز.

ولد الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، عام 1352ه (1933م) في الطائف، وهو النجل الثالث والعشرون من أبناء المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. وتولى الأمير نايف مناصب رسمية عدة، حيث صدر في 17 جمادى الثانية 1371ه أمر ملكي بتعيينه وكيلا لإمارة منطقة الرياض، وفي 3 ربيع الثاني 1372ه صدر أمر ملكي بتعيينه أميرا لمنطقة الرياض، وفي 29 ربيع الأول 1390ه صدر أمر ملكي بتعيينه نائبا لوزير الداخلية، وفي 17 رمضان 1394ه صدر أمر ملكي بتعيينه نائبا لوزير الداخلية بمرتبة وزير، وفي 17 ربيع الأول 1395ه صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرا للدولة للشؤون الداخلية، وفي 18 شوال 1395ه صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرا للداخلية-ولا يزال-وفي 30 ربيع الأول 1430ه صدر أمر ملكي بتعيينه نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء.

ومن المهام التي يتولاها الأمير نايف: المشرف العام على اللجان والحملات الإغاثية والإنسانية بالمملكة العربية السعودية، والرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب، والرئيس الفخري لجمعية العلوم والاتصال في جامعة الملك سعود بالرياض، ورئيس المجلس الأعلى للإعلام، ورئيس الهيئة العليا للأمن الصناعي، ورئيس لجنة الحج العليا، ورئيس المجلس الأعلى للدفاع المدني، ورئيس مجلس إدارة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ورئيس مجلس القوى العاملة، ورئيس مجلس إدارة صندوق التنمية البشرية، ورئيس الهيئة العليا لجائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، ورئيس اللجنة التي وضعت النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة، ونائب رئيس الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، وعضو في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وعضو في هيئة البيعة.

وأعاد النجاح الذي سجلته وزارة الداخلية السعودية خلال العقدين الماضيين في مواجهة أكبر تحد مر على البلاد منذ تأسيسها، والمتمثل في الأعمال الإرهابية التي اكتوت البلاد بنارها مثل كثير من بلدان العالم، ومنها الدول الكبرى، وأصبحت هاجسا لها، أعاد هذا النجاح الذي كان محل إشادة الدول والمنظمات العالمية وقبل ذلك إشادة القيادة السعودية والمواطنين والمقيمين البدايات التي رأت فيها القطاعات الأمنية والعسكرية النور خلال مراحل التوحيد لتحقيق الاستقرار الداخلي في عهد الملك المؤسس. ويتضح ذلك في أن القطاعات العسكرية حظيت باهتمام كبير من الملك عبد العزيز. وخير دليل على ذلك أن قطاع الأمن أو القوة العسكرية استحوذ على نسبة 45 في المائة من موازنة الدولة قبل 55 عاما. ومر تشكيل وزارة الداخلية في السعودية، بمراحل ثلاث، أشرفت خلالها الوزارة في مرحلتين منها على الشؤون الداخلية للمناطق التابعة للنائب العام إداريا بالحجاز. ثم في مرحلة ثالثة أشرفت الوزارة فيها على الشؤون الداخلية لكافة المناطق، مع ملاحظة أن صلاحيات الوزارة خلال مراحلها كلها لم تكن أمنية صرفة، إنما كانت تشرف على معظم الشؤون الداخلية أمنية كانت أم خدمية تنموية. واستطاع الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، يرحمه الله، خلال مراحل توحيد البلاد، أن يحقق الاستقرار الداخلي في المناطق التي سيطر عليها، وشكل في كثير من المناطق لجانا أهلية للإدارة المحلية وقبلها تولى مهمة الأمن واستقرار الأوضاع رجال لم يكونوا مخصصين لذلك أو موقوفين عليها.

وشهدت وزارة الداخلية التي تولى الأمير نايف بن عبد العزيز حقيبتها الوزارية قبل 38 عاما تغييرات في تشكيلاتها ومسميات قطاعاتها، واعتبرت الفترة التي تولى فيها الأمير نايف بن عبد العزيز، رجل الأمن الأول، منصب وزارة الداخلية العصر الذهبي للوزارة، حيث أقرت أنظمة تختص بالادعاء والتحقيق وحقوق الإنسان والأمن الفكري. ودخلت الوزارة في تحد كبير تمثل في مواجهة أكبر الاختبارات الأمنية من خلال ملاحقة الإرهابيين والقضاء على توجهاتهم وأفكارهم. وقبل ذلك إحباط الكثير من العمليات الإرهابية التي كانت هذه الفئة تخطط لتنفيذها. وكما نجحت الوزارة في مواجهتها، نجحت في القضاء عليها. ورغم أن المعلومات المتوفرة عن الدوائر العسكرية يصعب الحصول عليها إما لقلتها أو عدم الرغبة في تداولها والإفصاح عنها أو أن الكثير منها لم يسجل أو فقد أو تم نسيانه، فإن محاولات دراسة تنظيم الدوائر العسكرية نجحت في جمع معلومات من مصادر متعددة عن تنظيم قوى الأمن الداخلي المتمثل في وزارة الداخلية. وفي دراسته التاريخية عن تنظيمات الدولة في عهد الملك عبد العزيز، قدم الباحث الدكتور إبراهيم بن عويض العتيبي، رصدا لتنظيم قوى الأمن الداخلي والمراحل التي مر بها هذا القطاع ممثلا في وزارة الداخلية، موضحا أن قوى الأمن الداخلي يقصد بها «القوات المسلحة المسؤولة عن المحافظة على النظام وصيانة الأمن العام وتوفير الراحة العامة بمنع الجرائم قبل وقوعها وضبطها بعد ارتكابها». وترعى هذه القوات وزارة الداخلية، وذلك وفقا للمادة الثانية من نظام مديرية الأمن العام الصادر قبل 60 عاما. وتشرف على قوى الأمن الداخلي وزارة الداخلية التي مر تشكيلها بثلاث مراحل، أشرفت خلالها الوزارة في مرحلتين منها على الشؤون الداخلية للمناطق التابعة للنائب العام إداريا بالحجاز. ثم في مرحلة ثالثة أشرفت الوزارة على الشؤون الداخلية لكافة المناطق. وهذه المرحلة خارج فترة البحث. أما المرحلتان الأولى والثانية فتمثلان إشراف الوزارة على الحجاز وحده مع اختلاف صلاحيات الوزارة في كل من المرحلتين. فبدايات المرحلة الأولى كانت مع استسلام جدة عام 1925، ثم تشكيل الوزارة عام 1931، وامتدت الفترة إلى عام 1934، عندما ألغيت الوزارة، ثم أعيد تشكيلها عام 1950، ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية.

صلاحيات أمنية وتنموية

* يلاحظ أن صلاحيات وزارة الداخلية خلال مراحلها كلها لم تكن أمنية صرفة، إنما كانت تشرف على معظم الشؤون الداخلية، أمنية كانت أم خدمية تنموية، وما شاكل ذلك، وليس معنى هذا خلو المناطق قبل عام 1925، ممن يتولون مهمة الأمن واستقرار الأوضاع، بل على العكس فقد استقر الأمن في كافة مناطق الدولة قبل هذا التاريخ على يد الملك عبد العزيز، بواسطة رجال لم يكونوا مخصصين للأمن الداخلي أو موقوفين عليه فقط، إنما كانت لهم مشاركات فعالة في الحروب وفي استقرار الأوضاع الداخلية، لذلك فإن تقسيم مراحل تطور وزارة الداخلية يشمل المراحل التنظيمية التي تخصصت فيها قوات للأمن الداخلي وأخرى للدفاع. وفي المرحلة الأولى من مراحل تشكيل وزارة الداخلية، شكل السلطان عبد العزيز أثناء حصار جدة 1924-1925، لجنة أهلية للإدارة المحلية في مكة المكرمة. وبعد أن استسلمت جدة تسلم الأمير فيصل الإدارة في الحجاز. وعندما صدرت التعليمات الأساسية عام 1926، عرفت الأمور الداخلية بأنها الدوائر المكونة من «الأمن العام والبرق والبريد والصحة العامة والبلديات والنافعة (الأشغال) والتجارة والزراعة والصنائع والمعادن وسائر المؤسسات الخصوصية، وهي بمجموع تشكيلاتها تدار رأسا من النيابة العامة»، فأصبحت الأمور الداخلية تابعة للنائب العام. وبعد أن تشكل مجلس الوكلاء، عام 1931، انقسمت النيابة العامة إلى قسمين: قسم أصبح وزارة للداخلية، وقسم بقي تابعا لرئاسة مجلس الوكلاء، باسم ديوان النائب العام. وتولى الأمير فيصل وزارة الداخلية علاوة على وظائفه الأخرى، لكن تأسيس الوزارة لم يترتب عليه تغيير في مهامها، لأن الدوائر التي ألحقت بها هي نفس الدوائر التي كانت تشكل الأمور الداخلية ما عدا إلحاق المحاكم والحجر الصحي وإدارة الإحصاء التي تشكلت عام 1933، بالوزارة، ثم إن رئيس مجلس الوكلاء هو وزير الداخلية. وكان توزيع الاختصاصات وتسهيل الإجراءات بشكل يضمن حسن الأداء الوظيفي، من الأهداف الأساسية التي دفعت المسؤولين، إلى إحداث وزارة الداخلية، إلا أن التطبيق العملي أثبت سلبيات كثيرة، فقد ظهر هذا الخلل الإداري من خلال تقرير وزارة الداخلية عن أعمالها عام 1932 (وقعه الأمير فيصل وزير الداخلية، ورفعه للأمير فيصل نائب الملك ورئيس مجلس الوكلاء). وملخص التقرير أن الوزارة تعاني من إرباك شديد نتيجة لتعدد مصادر التوجيه واتخاذ القرار، مما أدى إلى تطويل غير مبرر في الإجراءات، وتضارب في الأوامر، لذلك تقرر إلغاء تشكيل وزارة الداخلية ودمج أعمالها ضمن أعمال مجلس الوكلاء عام 1934.

وبذلك انتهت الفترة الأولى من تشكيل وزارة الداخلية. وأصبح مجلس الوكلاء يشرف على الأعمال التي كانت تقوم بها الوزارة. وارتبطت الدوائر التي كانت تابعة لوزارة الداخلية برئاسة مجلس الوكلاء. وخلال الفترة التي أعقبت إلغاء تشكيلات وزارة الداخلية عام 1353ه حصل تبدل كبير في الإدارة المحلية وتوسعت التشكيلات الحكومية. وأنشئت فروع جديدة لكثير من الدوائر المشرفة على الإدارة وأصبح من الصعب على رئاسة مجلس الوكلاء متابعة أعمال هذه الدوائر وتقييمها. وتلافيا لمزيد من السلبيات تأسست وزارة الداخلية بالحجاز للمرة الثانية في 26-8-1370ه-2-6-1951، وعين الأمير عبد الله الفيصل وزيرا للداخلية وربطت بالنائب العام. وأصدر النائب العام أمرا بتشكيل الجهاز الرئيسي لوزارة الداخلية اعتبارا من 6-9-1370ه وبين الأمر الدوائر التي ألحقت بها وتعليمات جاء فيها:

«أولا: جميع الأعمال الخاصة بالمعاملات التي كانت من اختصاص النيابة العامة تصبح الآن من اختصاص وزارة الداخلية تمارسها بنفس الصلاحيات والمزايا التي كانت النيابة العامة تمارسها بها. باستثناء الشؤون السياسية والمالية وما يتبعها من تنظيمات وأعمال وأنظمة وقرارات مجلس الشورى والوظائف الرئيسية في الدولة من فصل وتعيين، فإنها من اختصاص النيابة العامة.

ثانيا: ترتبط بوزارة الداخلية إمارات الملحقات (بالحجاز) وقام جدة. والدوائر الرسمية التالية: المعارف العامة والبرق والبريد والأمن العام وإحصاء النفوس (الجوازات والأحوال المدنية) ورئاسة القضاة وما يتبعها من أجهزة قضائية والبلديات ورؤساء الطوائف وهيئة تمييز قضايا المطوفين وقائمقام العاصمة وهيئة عين زبيدة وإدارة الأوقاف العامة وخفر السواحل والمحكمة التجارية والغرفة التجارية. وعلى هذه الدوائر تنفيذ ما يصدر لها من وزارة الداخلية من تعليمات». وبعد ثلاثة أعوام من تأسيس الوزارة، أعيد تشكيل الديوان العام للوزارة مع تحديد وظائف إدارتها الرئيسة. وتولت وزارة الداخلية معظم الأعمال ذات العلاقة بالشؤون الداخلية، والتي كانت تقوم بها النيابة العامة. فقد ربط بها ثلاث مقاطعات رئيسية و14 إمارة واثنتين من القائمقامية. وارتبط بوزارة الداخلية جهازان عسكريان هما الأمن العام وسلاح الحدود.

استتباب الأمن هاجس المؤسس

* من الأمور التي أولاها المغفور له الملك عبد العزيز جل اهتمامه موضوع استتباب الأمن. يقول في منشور عام صدر عام 1925: «.. إن البلاد لا يصلحها غير السكون.. إنني أحذر الجميع من نزعات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار المقدسة. فإنني لا أراعي في هذا الباب صغيرا ولا كبيرا». وكان تنظيم الشرطة من أول الأعمال التي أمر السلطان عبد العزيز باتخاذها قبل نهاية الحرب في الحجاز. فانتخب المجلس الأهلي بمكة المكرمة لجنة للنظر في ترتيب أوضاع الشرطة ووظائفها. ووضعت اللجنة تعليمات بعنوان «الشرطة ووظائفها». وألحق بها لائحة بعنوان «ترتيب عقاب جنود الشرطة» صدرت في 2-8-1925، وحازت التصديق السلطاني في حينه. وتعتبر هذه التعليمات أقدم تنظيم رسمي لأعمال الشرطة في عهد الملك عبد العزيز. وعرفت هذه التعليمات الشرطة بأنها «هيئة مكلفة بحفظ الراحة العمومية، وملزمة بدوام المحافظة على الأمن العام والسكينة». ونصت على أن يكون مركز الشرطة العام في دائرة الحكومة في الحميدية بمكة المكرمة.

ثم أصدرت الهيئة التأسيسية لتشكيل الدوائر الرسمية في العام نفسه قرارا بتشكيل إدارة الشرطة العامة والسجن في مكة المكرمة. تتكون هذه الإدارة من: مدير الشرطة العام ومعاونين، أول وثان، وستة موظفين. وعشرة ضباط صف ومائة وعشرين جنديا. أما إدارة السجن فتكونت من موظف ومعاون وجنديين. وأمر الملك بإنفاذ هذا التشكيل اعتبارا من 24-7-1344ه-1925م، وفي 10-10-1344ه صدر مرسوم ملكي يقضي بتعيين حسن وفقي بك مديرا للأمن العام ترتبط به جميع مراكز الشرطة في الحجاز ومنحه الصلاحيات اللازمة. وخول إليه إعادة تنظيم الشرطة. وحتى يتمكن مدير الأمن العام من أداء واجبه بمنأى عن المداخلات الإدارية. نص المرسوم على منع الغير من «.. أن يتداخل بوظيفة مدير الأمن العام ووظائف الشرطة ومأموريها». وربط مدير الأمن العام بالنائب العام. وكانت الأوضاع المالية للدولة لا تسمح بتجنيد أفراد للعمل في الشرطة. فضم إليها سبعون «خويا» من قوات الإخوان التي كانت موجودة في مكة المكرمة بعد نهاية الحرب. وتشكلت منهم إدارة باسم «وحدات الدرك» برئاسة ضابط من الشرطة؛ مهمتها حفظ النظام في مكة المكرمة. وعندما صدرت التعليمات الأساسية عام 1926، ربطت الشرطة كجزء من الأمور الداخلية بالنيابة العامة. وعين المقدم عبد العزيز بغدادي مديرا عاما للشرطة عام 1346هـ. وكلف بإعادة تنظيمها على ضوء أمرين ملكيين عام 1927؛ حدد الأول الشروط الواجب توفرها في رجال الشرطة، مثل النزاهة والاستقامة، وبين الثاني المؤهلات المطلوب توفرها فيمن يعين مديرا للشرطة. ومنها أن «.. يكون الذي يرأس الشرطة رجلا عاقلا ومأمونا عن الفساد.. ليس له تداخل مع الناس». وتوسعت تشكيلات الشرطة عام 1927، فعين العقيد مراد الاختيار مديرا عاما للشرطة. وأصبحت للشرطة فروع في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف. وتشكل قسم لشرطة الحرم مستقلا عن شرطة مكة المكرمة. ويبدو أن التغيير المتلاحق في مديري الأمن العام أوجد نوعا من الإرباك الإداري، ولا سيما عند اختيار المأمورين ومديري الفروع، ولذا أصدر أمر ملكي برقم 639 في 25–3-1346هـ يقضي بتشكيل «هيئة مراقبة الشرطة» برئاسة إبراهيم الصنيع، وكان من ضمن وظائفها النظر في ترقيات رجال الشرطة والترشيح للمناصب الإدارية فيها. ومع تعدد فروع الشرطة في الحجاز، وعلى الرغم من ربطها برئاسة واحدة، ظلت تفتقر إلى توحيد الإجراءات وتشكو من عدم تنسيق العمل الإداري، وتماشيا مع سياسة الدولة الآخذة في الاتجاه نحو تجميع أو جعل أو توحيد الدوائر ذات الاختصاصات المتشابهة معا في إدارة واحدة، صدر أمر ملكي عام 1930 يقضي بتوحيد جميع الدوائر العسكرية؛ ومنها الشرطة، فجعلت جميع إدارات الشرطة في المملكة تحت رئاسة رئيس واحد سمي مدير الأمن العام، مقامه في مكة المكرمة، وعين مهدي بك المصلح مديرا للأمن العام، علاوة على توليه منصب مدير شرطة مكة المكرمة. مرحلة النضوج الإداري

* ويعتبر نظام مديرية الأمن العام عام 1949 أفضل نظام صدر للأمن العام حتى الآن على الرغم من صدور نظام قوات الأمن الداخلي عام 1964. فنظام عام 1949 هو الأفضل من حيث الشمول والتفصيلات وتحديد الواجبات لكل من يباشر أعمال الضبط العام. ولم يترك النظام الأمور الجنائية تباشر من دون ضوابط، أو أن تدار اجتهادا، ولهذا تجده فصل كل شيء له علاقة بالقضايا من وقت تلقي البلاغ إلى أن تنتهي الإجراءات، وذلك منعا للتجاوزات التي قد يقع فيها رجال الأمن العام نتيجة للاجتهاد أو عدم التحرز من الوقوع في الخطأ، وسدا للذرائع التي قد تتخذ حجة لتبرير الخطأ. وهذا التفصيل في الواجبات من الأسباب التي جعلت رجال الأمن العام في المملكة قليلي الوقوع في الأخطاء المسلكية والإدارية، لأن الوضوح في التعليمات يؤدي إلى التطبيق السليم لمعطيات التعليمات. وهذه النظرة الواعية تمثل مرحلة النضوج الإداري للأجهزة الأمنية التي وضعت النظام، ثم طبقته بكفاءة عالية بعد إجازته من الهيئة التشريعية. وقسم النظام واجبات رجال الأمن العام إلى أقسام؛ عامة وقضائية وإدارية. فالواجبات العامة لرؤساء الوحدات في الأمن العام تشتمل على صلاحيات واختصاصات مدير الأمن العام ومديري الشرطة ورؤساء المناطق والمخافر وضباط الخفر وأقسام المرور والادعاء العام. والواجبات القضائية تتضمن القواعد النظامية والإجراءات الإدارية التي يجب على رجال الأمن العام التقيد بها عند مباشرة التحقيق في الحوادث والقبض على مرتكبيها وتقديمهم للقضاء بعد جمع الأدلة ضدهم، وعن كيفية استقبال البلاغات، ومحاضر التحقيق، وتفتيش المنازل، وتوقيف المتهمين، وكل ما له علاقة بحقوق المجني عليه والجاني.

وتتلخص الواجبات الإدارية لرجال الأمن العام في حفظ النظام وصيانته، واتخاذ الأسباب التي تؤدي إلى منع الجريمة والتخفيف من آثارها على المجتمع، وحفظ الآداب العامة التي تمثل الوظيفة الاجتماعية للشرطة. وهناك واجبات ملكية تتمثل في الحث على الصدق والأمانة والنزاهة في العمل وحسن الخلق وطيبة التعامل مع الجمهور وتنفيذ الأوامر بإخلاص مع التضحية في سبيل الواجب وعدم المبالغة أو تهويل الأمور. وكانت مديرية الأمن العام تشرف على جميع الخدمات الأمنية. علاوة على واجبات الشرطة الأساسية. فأعمال إدارات كل من الجوازات والجنسية والدفاع المدني (المطافئ سابقا) والمباحث العامة وكلية الشرطة كانت جميعها ضمن مسؤولية الأمن العام قبل أن تصبح هذه الإدارات قطاعات مستقلة تتبع وزارة الداخلية مباشرة بعد فصلها عن الأمن العام نتيجة لتوسع أعمال هذه الإدارات من جهة، ولتعاظم مسؤوليات جهاز الأمن وكثرة واجبات الشرطة من جهة أخرى. السيطرة على الحدود برا وبحرا

* يعتبر أمن الحدود من أقوى دعامات الأمن الداخلي، فالحدود المحمية تضمن سلامة الدولة من تسلل العناصر المخربة وتحول دون دخول الممنوعات والمحرمات إلى أراضيها. وتسهم في قوة اقتصاد الدولة ومواردها، وذلك باستيفاء الرسوم المقررة على البضائع، فإذا جاز مثل هذا القول على أي دولة. فهو بالنسبة للمملكة أوجب لأن حدودها واسعة ومفتوحة لا تحكمها نقاط عبور ثابتة يمكن السيطرة عليها. وعلى الرغم من ضعف إمكانات المملكة في بداية تكوينها فقد استطاع مؤسسها السيطرة على الحدود برا وبحرا بصورة جيدة. ففي البر، أقام الملك عبد العزيز المراكز، وأنشأ المخافر على المنافذ وسير الدوريات على الحدود وكلف مراكز الإمارات والجمارك والشرطة والهاجنة وبعض وحدات الجيش بأمن الحدود. واهتم بحماية ساحلي المملكة الشرقي والغربي نظرا لأهميتهما، وذلك لأن المنطقتين الشرقية والغربية لهما أهمية خاصة في اقتصاد الدولة وأمنها. فالمنطقة الشرقية تشكل أهم مورد للدولة في بداية تكوينها وازدادت أهميتها بعد اكتشاف النفط، أما المنطقة الغربية، فإن تسلل الأجانب إليها باسم الحج والعمرة كان يشكل خطرا على سلامة الحرمين، علاوة على تهريب البضائع. وظهرت الأهمية الأمنية للسواحل عندما قام ابن رفادة عام 1351هـ بحركته في الشمال الغربي، وكانت الإمدادات تصل إليه عن طريق البحر، ولا غرابة بعد هذا كله أن تنشأ مصلحتان لخفر السواحل في فترة مبكرة من تاريخ المملكة في كل من الأحساء وجدة. وعندما استرد الأمير عبد العزيز الأحساء عام 1912 أقام مراكز ودوريات للمراقبة البحرية. 8 وزراء تولوا الوزارة

* تعاقب على منصب وزارة الداخلية السعودية منذ إنشائها وإلى اليوم، ثمانية وزراء؛ اثنان منهم أصبحا من ملوك الدولة لاحقا، حيث تولى الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيصل)، وزارة الداخلية عام 1350هـ (1931). وبعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ، تم دمج الوزارة بديوان رئاسة مجلس الوكلاء الذي كان يرأسه الأمير فيصل، نائب الملك، ووزير الداخلية.

وبعد أن توسعت التشكيلات الحكومية وإنشاء فروع لكثير من الدوائر المشرفة على الإدارة المحلية وأصبح من الصعوبة على رئاسة مجلس الوكلاء متابعة أعمال هذه الدوائر وتقييمها وتلافيا لمزيد من السلبيات، تأسست وزارة الداخلية في الحجاز للمرة الثانية في 26-8-1370هـ الموافق 2-6-1951، وعين الأمير عبد الله الفيصل، وزيرا للداخلية، وربطت بالنائب العام بموجب مرسوم ملكي صدر بهذا الخصوص في ذات التاريخ.

وعاد الأمير فيصل بن عبد العزيز ليتولى وزارة الداخلية، وبالتحديد في 20-9-1378ه (1958)، أعقبه الأمير مساعد بن عبد الرحمن في 8-1-1380ه (1960). وجاء الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز ليكون رابع من تولى وزارة الداخلية منذ إنشائها، وذلك بتاريخ 3-7-1380ه (1960). وبعد نحو تسعة أشهر من هذا التاريخ، أسندت وزارة الداخلية إلى الأمير فيصل بن تركي بن عبد العزيز، وفي 3-6-1382ه (1962) تولى الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك فهد) منصب وزارة الداخلية، وفي 8-10-1395هـ، تولى الأمير نايف بن عبد العزيز وزارة الداخلية، وحتى اليوم. وعدت فترته العصر الذهبي لوزارة الداخلية، حيث شهدت الوزارة تطورات فيما يتعلق بأعمالها وأجهزتها المختلفة، وسنت قوانين تتعلق بالقبض والتحقيق والادعاء، إضافة إلى إقرار أنظمة تختص بحقوق الإنسان والأمن الفكري ومعالجة ظواهر اجتماعية وفكرية غير مألوفة لدى المجتمع. ونجحت الوزارة في هذه الفترة في التصدي لأكبر تحد واجهته الدولة والمتمثل في الإرهاب الذي اكتوت بناره بلدان العالم؛ ومنها الدول الكبرى، حيث تمكنت الوزارة من إحباط خطط الفئة الضالة ومواجهتهم بالحزم، بعد أن ذهب أبرياء ضحية لممارستهم الخاطئة التي لا يقرها دين أو عرف، واعتبرت السعودية نموذجا عالميا في مجال مكافحة الإرهاب، واستضافت عاصمتها الرياض مؤتمرا عالميا لبحث سبل مواجهة هذه الظاهرة العالمية. كما أقرت دول العالم تأسيس مركز عالمي لمكافحة الإرهاب أعلن من الرياض.

ويملك الأمير نايف بن عبد العزيز تجربة طويلة في العمل الأمني، فقبل توليه منصب وزارة الداخلية منذ 38 عاما، كان يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الداخلية، وقبله كان نائبا لوزير الداخلية، ولمدة تقرب من 5 سنوات، وبذلك يعد الأمير نايف رجل الأمن الأول، كما يعد الأمير أحمد بن عبد العزيز المسؤول الثاني في تاريخ الوزارة الذي تقلد منصب نائب وزير الداخلية، حيث تقلد هذا المنصب قبله الأمير نايف في فترة الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك فهد)، عندما كان وزيرا للداخلية، وتم تعيين الأمير أحمد بن عبد العزيز كنائب لوزير الداخلية في 13-2-1395هـ. وقبل 14 عاما، تم تعيين الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، مساعدا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، وتم ربط القطاعات الأمنية به، وقاد الأمير محمد جهودا لافتة للقضاء على الإرهاب الذي اكتوت بلاده بنارها، ونجح في القضاء على بؤرة الإرهاب وبسببه تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة قامت بها العناصر الإرهابية.