الملك عبد الله حقق حلم السعوديات بإنجازه أكبر جامعة للبنات في العالم

أكد خلال تدشينه لها العام الماضي أن المرأة السعودية هي المواطنة البانية وخير سفيرة لوطنها في الخارج

المرأة السعودية حظيت بتكريم وتقدير من الملك عبد الله («الشرق الأوسط»)
TT

* حقق الملك عبد الله بن عبد العزيز حلما راود بنات الوطن منذ أربعة عقود عندما خصص لهن جامعة تعد الأكبر في العالم، حيث دشن العام الماضي جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في الرياض التي تم إنجازها في فترة وجيزة، مؤكدا بذلك أن المرأة شكلت - ولا تزال تشكل - أولوية في مشاريع الملك عبد الله بن عبد العزيز للإصلاح والتطوير، واعتبر الملك أن حضور المرأة السعودية في مختلف مجالات التنمية أمر مهم انطلاقا من أنها حققت نجاحات لافتة في الأعمال التي أوكلت إليها، وحصلت فيها على أعلى درجات التفوق، بل إن الكثير من النساء السعوديات سجلن حضورا عالميا بأنشطة متعددة، ووردت أسماؤهن في المحافل الدولية بعد سلسلة من الإنجازات والتفرد وتحقيقهن نجاحا في الأبحاث العلمية والطبية التي تهم الإنسانية جمعاء، ووجدت المرأة من لدن الملك أعلى درجات التكريم والتقدير، ومنح البعض منهن أوسمة عالية وشد من أزرهن باعتبارها الأم والأخت والزوجة، بل إن الملك وأثناء حديثه عن العارض الصحي الذي ألم به وقبل مغادرته بلاده في رحلته العلاجية قبل عامين لم ينس الإشارة إلى المرأة وتقديره لها، بقوله: «إخواني، أشكركم وأرجو لكم التوفيق، وأشكر كل فرد من الشعب السعودي سأل عني، ولله الحمد أنا بخير وصحة ما دمتم بخير». وأضاف الملك عبد الله الذي كان متكئا على عصا، يحيط به عدد من الأمراء السعوديين، أنه لا يدري من أين أتته هذه الوعكة، حيث هناك «ناس يقولون لها انزلاق وناس يقولون.. عرق النسا. النساء ما شفنا منهن إلا كل خير.. والعرق هذا من أين جاءنا، هذا عرق فاسد.. أتمنى لكم التوفيق، وأشكر كل من سأل عني، القاصي والداني، وعلى رأسهم الشعب السعودي الكريم، وأتمنى لكم التوفيق».

وبلغ الاهتمام بالمرأة السعودية وتقدير إنجازاتها من قبل الملك عبد الله، أن وجه بإنشاء أكبر جامعة في العالم مخصصة للبنات، وحرص على إطلاق اسم الأميرة نورة بنت عبد الرحمن أخت الملك المؤسس وملهمته، وما يعد قمة التقدير للمرأة بشكل عام، حيث اعتذر الملك عن قبول تسمية الجامعة باسمه واختار اسم عمته لتحمل مسمى الجامعة التي كانت حلم السعوديات منذ أربعين عاما، بعد أن أعلن الملك قبل خمس سنوات عن قيام جامعة للبنات في الرياض، ثم وضع حجر الأساس لها قبل أكثر من ثلاث سنوات.

ودشن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يوم الأحد 15 مايو (أيار) من العام الماضي، المدينة الجامعية لجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، التي تعتبر الأولى من نوعها والأكبر عالميا، والتي تم إنشاؤها على أرض تبلغ مساحتها 8 ملايين متر مربع بتكلفة إجمالية تزيد على 20 مليار ريال، وذلك في حفل خاص أقيم بهذه المناسبة بمقر الجامعة الجديد على طريق المطار.

وأكد خادم الحرمين الدور الكبير الذي تنهض به المرأة السعودية في المجتمع، مبينا أنها الأم الحانية والمواطنة البانية والموظفة المجدة، وقال الملك عبد الله، في كلمة تضمنها كتيب، تم توزيعه خلال الاحتفال بتدشين المدينة الجامعية لجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالرياض: «إن المرأة تحمل مسؤولية أكثر من واجب، أن تحافظ على استقرار المجتمع وأن تساهم في بناء اقتصاد الوطن، وأن تمثل هذا المجتمع والوطن خير تمثيل، خارجه وداخله، فتكون الأم الحانية والمواطنة البانية والموظفة المجدة، وتكون في الخارج سفيرة وطنها ومجتمعها، ولها في دينها وعقيدتها وقيم مجتمعها أسوة حسنة».

وتحتوي المدينة الجامعية على المنطقة السكنية وتتكون من 1440 فيللا ووحدة سكنية لأعضاء هيئة التدريس، وسكن للطالبات يستوعب أكثر من 12200 طالبة، روعيت فيه متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة من الإناث، وكذلك المنطقة الترفيهية والرياضية التي تنقسم إلى قسمين منفصلين، الأول: خاص بهيئة التدريس، وينقسم بدوره إلى جزأين، أحدهما خاص بالرجال، والآخر بالعوائل، ويحتوي على جميع سبل الترفيه الرياضية والاجتماعية، ويستوعب أكثر من 3000 شخص، أما الثاني فهو خاص بالطالبات، ويحتوي على استاد يتسع لـ7 آلاف متفرجة وجميع سبل الترفيه الرياضية والاجتماعية.

كما تشتمل المدينة الجامعية على الخدمات المساندة والبنية التحتية، وتشتمل على نفق للخدمات بطول 4.5 كيلومتر لإيصال جميع الخدمات إلى جميع المباني داخل المدينة الجامعية، وتشمل الأعمال الكهروميكانيكية والمياه والشبكات الهاتفية وتقنية المعلومات، إضافة إلى محطة لمعالجة النفايات الصلبة تعمل بأحدث التقنيات، وكذلك محطة معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها لأغراض الري، كما تضم مطبعة مركزية ومخازن وورشا للصيانة، إضافة إلى الخدمات الاجتماعية والتعليمية والاستهلاكية في جميع المناطق داخل المدينة الجامعية من مدارس تستوعب 800 طالب وطالبة ومحلات تجارية وخدمات عامة.

وأعادت بادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز بتسمية أضخم مؤسسة للتعليم العالي للبنات في العالم باسم عمته الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، حكاية نساء أنشأن لوحات من القصص الحركية والحضور اللافت في المجتمع، هي أقرب إلى التراجيديا والأسطورة لتتحول إلى رموز كبرى في الحياة، وتصبح هذه القصص دروسا يحتذى بها، ورغم عفوية بعض هذه القصص فإنها تدل على أن الأميرة الراحلة لم تكن بحق امرأة عادية، بل تجاوزت نساء وقتها بما تملكه من أعلى درجات الحكمة ورجاحة العقل وحسن التدبير، وما حملته من قلب كبير اتسع للمحتاجين والأيتام وقدرتها على حل مشكلات المحيطين بها من داخل الأسرة المالكة وخارجها، كما حملت الأميرة الراحلة آراء وأفكارا سياسية ذات شأن، وهو ما دفع شقيقها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن إلى أن يردد دائما في مواقف بالغة الصعوبة تحتاج إلى جسارة وحكمة وسرعة اتخاذ القرار «أنا أخو نورة».

وعُدت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن التي تشترك مع شقيقها الملك المؤسس عبد العزيز في صفات كثيرة - امرأة ذات شخصية قوية، كما تميزت بالكرم والجاذبية، وقيل عنها: إنها تتمتع بحملها عقول أربعين رجلا نظرا لكفاءتها ورجاحة عقلها، كما تتمتع بحس سياسي، الأمر الذي جعل الملك المؤسس يولي اهتماما كبيرا لأفكارها وآرائها السياسية، بل كان الملك يجلس معها ساعات طويلة ليستمد منها الرأي والمشورة.

وضرب الملك عبد الله بن عبد العزيز أعلى درجات إنكار الذات، كما أعطى أسمى معاني الوفاء والتقدير للمرأة بشكل عام وللأميرة نورة بشكل خاص، عندما تنازل عن إطلاق اسمه على جامعة البنات بالرياض، حيث فضل الملك أن يطلق اسم الأميرة نورة بنت عبد الرحمن على الجامعة بعد لحظات من الإعلان عن إطلاق اسم الملك عبد الله بن عبد العزيز عليها.

وعكس توجيه الملك بخصوص تسمية الجامعة التي تعد الأكبر من نوعها في العالم ولديها القدرة على استيعاب 40 ألف طالبة في مختلف التخصصات عند افتتاحها، عكس هذا التوجيه تقدير الملك عبد الله لكبرى بنات الإمام عبد الرحمن الفيصل والد الملك المؤسس، بل تقديره لكل نساء البلاد، وخصوصا من كان لهن حضور في المجتمع على مختلف الأصعدة ووفق ظروف وطبيعة المجتمع في العقود الماضية والحالية.

ولدت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في مدينة الرياض عام 1875م وتزوجت عام 1905م الأمير سعود بن عبد العزيز بن سعود بن فيصل الملقب بـ«سعود الكبير» المولود في الرياض عام 1882م وتوفي في عام 1989م، وأنجبت منه الأمير محمد بن سعود الكبير الملقب بـ«شقران»، كما أنجبت الأميرة حصة والأميرة الجوهرة التي تزوج بها الملك فيصل.

ورصدت الدكتورة دلال الحربي في كتابها «نساء شهيرات من نجد»، جوانب مهمة في حياة الأميرة نورة التي تكبر الملك عبد العزيز بسنة واحدة، وارتبطت بأخيها عبد العزيز برباط وثيق منذ طفولتها المبكرة، إذ كانت تشاركه اللعب، كما كانت رفيقته عند خروج الإمام عبد الرحمن الفيصل بأسرته من الرياض في أعقاب موقعة المليداء عام 1891م، كما كانت نورة، وبعد سنوات من استقرار الأسرة في الكويت، عاملا مهما في شحذ همة أخيها عبد العزيز في السعي نحو استعادة ملك آبائه، فوفقا للمعلومات المتاحة قد كانت هي التي حثته على تكرار المحاولة لاستعادة الرياض بعد أن أخفق في المرة الأولى، فأخذت تقوي من عزيمته وإرادته، وعندما عزم على الخروج من الكويت بصحبه لاستعادة الرياض، بكت والدته بكاء حارا وحاولت أن تثنيه عن قصده، غير أن نورة شجعته، وهو الأمر الذي انتهى إلى نجاح عبد العزيز ذلك النجاح المعروف تاريخيا، وهذا الموقف يدل على أن نورة كان لها دور في تثبيت الملك عبد العزيز على موقفه، وهو جزء من مواقفها المساندة لأخيها خلال إقامة الأسرة في الكويت.

وطرحت الدكتورة الحربي نماذج من دور الأميرة نورة بنت عبد الرحمن المؤثر في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية بعد أن استرد الملك عبد العزيز الرياض واستقر فيها وعادت أسرته إليها، ومن ذلك: أنها كانت عامل ترابط بين آل سعود عندما وافقت على الزواج بسعود بن عبد العزيز بن فيصل بن تركي والملقب بسعود الكبير، فوفقا للمعلومات التاريخية فإن الأخير كان على خلاف مع أخيها الملك عبد العزيز، وفي هذا الصدد كان زواجها هذا أسمى رمز للمصالحة بين عبد العزيز وأبناء عمومته، ومعه أصبح سعود الكبير من أشد المقربين والمخلصين للملك - كما أجمعت على ذلك المصادر والمعلومات التاريخية، كما جنبت الأميرة نورة أخاها مشاكل وشؤون القصر الداخلية طوال وجودها، كما أنها تشرف على تسيير أمور نساء العائلة، إضافة إلى أنها كانت تشفع عند الملك عبد العزيز لكثير من المحتاجين ومن لهم مشاكل تحتاج إلى حل، كما أن من نماذج بروز دورها المؤثر أن الملك عبد العزيز كان يستشيرها في كثير من الأمور وكان يلجأ إليها ليتحدث معها كثيرا ويبحث أمورا كثيرة من شؤونه ويبوح بأسراره لها ويأتمنها على تلك الأسرار، كما أن الملك يعتمد عليها في بعض الجوانب التي تخص شؤون القبائل، خاصة ما يتعلق بالنساء اللاتي لهن صلات بأفراد من شيوخ القبائل وذوي السلطة من المجتمع. واعتبر المؤرخون أن الأميرة مارست بشخصيتها المميزة واجبات السيدة الأولى وكانت تستقبل زائرات الرياض من الأجنبيات وتأذن لهن بزيارة ورؤية معالم معينة فيها، كما أنها كانت تهتم بتنمية قدرات الأطفال وتوسيع مداركهم العلمية وتحفيزهم على التعلم، ويبدو ذلك من اهتمامها بالأطفال الذين يختمون القرآن، إذ كانت تكافئهم على فعلهم.

وحظيت نورة بمكانة خاصة عند الملك عبد العزيز لم تحظ بها أي امرأة أخرى في عصرها، وكعادة الرجل النجدي كان الملك عبد العزيز يعتزي بها، حيث كان يردد: «أنا أخو نوره»، وفي حالة غضبه يكنى بها، حيث يقول: «أنا أخو الأنور المعزي».

ولفتت شخصيتها وعلاقتها المتميزة مع أخيها، التي أتاحت لها أن تقوم بدور مؤثر في كثير من جوانب الحياة، أنظار كثير من المؤرخين والباحثين، خاصة أولئك الذين أتيح لهم مقابلتها أو السماع عنها من قرب، ففيوليت ديكسون التي قابلتها عام 1937 مع بعض نساء الملك عبد العزيز، أعجبت بها بصورة خاصة ووصفتها بأنها: «من أكثر النساء اللاتي قابلتهن جاذبية ومرحا» وأنها من: «أهم الشخصيات في الجزيرة العربية»، كما تعد: «من أجمل وأعظم وأشهر البنات في كل عصر».

وأما جون فيلبي، فقال عنها: «كانت السيدة الأولى في بلدها».

في حين سجل ديفيد هاوارث انطباعه عنها بالقول: «أبدى ابن سعود اهتماما ورعاية لأخته نورة طوال حياته».

ومن الصفات التي تميزت بها شخصيتها، أنها كانت تتمتع بالحصافة والحكمة ورجاحة العقل والدين والورع والفضل، وهي تشبه بشخصيتها وأخلاقها وكرمها شقيقها الملك عبد العزيز، كما أنها كانت متفتحة الذهن تتماشى في سلوكها مع تطورات العصر، فعلى سبيل المثال كانت تعد الهاتف أداة ضرورية مفيدة، ففي نص ترويه فيوليت ديكسون تذكر أنها خلال زيارتها لها رن الهاتف، فقامت إحدى الخادمات بالرد على المتحدث، وبعد انتهاء المحادثة الهاتفية، قالت فيوليت معلقة إنها تنزعج من الهاتف، فردت نوره: «لا.. إنها رائعة، لست أدري إذا كنا نستطيع البقاء من دونها».

إضافة لذلك، كانت تتمتع بروح تنم عن معرفة جيدة بسلوكيات التعامل مع الآخرين، حيث أبدت في حوارها مع فيوليت إعجابها بالقرط الذي ترتديه وكذلك ثوبها، وهو سلوك ينم عن تواضعها ومحاولتها أن تشعرها بالقرب منها.

وأورد الباحث راشد بن عساكر قصتين تنمان عن إنسانية الأميرة: الأولى على لسان والده محمد بن عساكر، حيث قال: «حدثت لنا حادثة تدل على رأفة الأميرة، ففي آخر يوم من شعبان من عام 1356هـ، قدمنا مع والدي ونحن صغار برفقة والدتنا الجوهرة بنت صالح بن مرشد، قادمين من حائل بصفة والدي مدير مالية بيت حائل في عهد الملك عبد العزيز، فتعطلت بنا السيارة ونحن على مشارف الرياض وبقربنا قصر الشمسية التي كانت تسكنه الأميرة نورة، فتوجه والدي إليها، ونزلنا من السيارة وسلم عليها، وأخبرها بتعطل السيارة بسبب نفاد الوقود فأرسلت الأميرة غالونين من البنزين وأتبعته بباديتين ووعاءين من الطعام»، وذلك في يوم شديد البرودة وهو موقف لن ننساه، أما الموقف الثاني فهو موقف إنساني لم يستجب له الملك عبد العزيز، حيث دخلت على الأميرة والدة الشيخ عبد الرحمن بن صالح المرشد، وهي لطيفة بنت عتيق، تطلب منها الشفاعة لدى الملك عبد العزيز بعدم إرسال ابنها الوحيد عبد الرحمن إلى حرب اليمن، ونقلت الأميرة تلك الرغبة إلى الملك، فقال لها: «إذا شفعتِ في ابن مرشد، من أرسل؟». لمعرفة الملك أهمية الرجل وقدرته على القيام بالمهمة الموكلة إليه.

ويشير المحقق راشد بن جعيثن إلى أن الأميرة نورة تتمتع بحس شعري، حيث كتبت قصائد شعبية، كان أجملها تلك التي قالتها في غربة زوجها الأمير سعود الكبير.

توفيت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في عام 1950م، بعد أن عاشت 77 عاما كانت حافلة بالحضور اللافت على مختلف الأصعدة والمجالات، وفي ظل ظروف بالغة الصعوبة وفي فترات ذات شأن، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

وكانت وفاتها لبضعة أيام سابقة من تاريخ اليوبيل الخاص بمرور نصف قرن على فتح الرياض.