مرشح الإخوان المسلمين في مصر يفتقد «الكاريزما»

محللون ومواطنون عاديون: رصيد الجماعة السياسي في تراجع مستمر

TT

لو كانت رياح الأوضاع السياسية في مصر عقب الثورة قد استمرت على حالها، لكان محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين للرئاسة، في طريقه الآن نحو الفوز في الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها الشهر الحالي.

ولكن على العكس، فقد دخلت حملته الانتخابية في نفق مظلم، حيث صار يتعين على الآلة السياسية الجبارة التي يمتلكها الإخوان، والتي حولتهم من جماعة معارضة كانت محاصرة في يوم من الأيام إلى قوة مهيمنة على البرلمان أوائل العام الحالي، أن تتعامل مع عدم تمتع مرشحها بالكاريزما، إضافة إلى التحول الذي حدث في الرأي العام، في ظل شعور كثير من المصريين بالغضب تجاه الحركة الإسلامية الكبيرة.

ويرى المحللون وكذلك المواطنون المصريون العاديون أن رصيد الإخوان السياسي في تراجع مستمر، نتيجة لرجوع حزبهم السياسي في وعوده وعدم تحقيقه لأي شيء منذ أن سيطرت الكتلة الإسلامية على البرلمان في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وفي حي العباسية، أحد الأحياء الشعبية في القاهرة، حيث نظم حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان حملة ناجحة في الأسابيع التي سبقت الانتخابات البرلمانية، أغلق عباس حلمي (58 عاما)، صاحب متجر، المصحف الذي كان يقرأ فيه بصوت خفيض ووضعه جانبا ليتحدث عن الأوضاع السياسية. ويقول إن أفراد حملة حزب الحرية والعدالة قاموا عشية الانتخابات البرلمانية بإنشاء أكشاك تبيع للأهالي اللحوم والخضراوات بأسعار مدعومة، مما أدى إلى احتشاد أعداد كبيرة من المواطنين حولهم.

ويتذكر حلمي ذلك المشهد فيقول: «ذهب الناس واشتروا اللحوم. لكنهم اختفوا بعد الانتخابات، وشعر الناس بأنهم خدعوا».

وتشير خلفية كلٍّ من المرشحين الأوفر حظا في سباق الرئاسة - وهما وزير خارجية سابق في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك ومفكر إسلامي معتدل انفصل عن الجماعة - إلى أن المصريين ربما يريدون رجل دولة أكثر تعبيرا عن الشعب بأكمله، وأقل تقيدا بمذهب معين فيما يتعلق بدور الإسلام في الحكم من السياسيين المخلصين للجماعة الذين يسيطرون على البرلمان الآن.

غير أن الخبراء يحذرون من أنه ربما يكون من الخطأ استبعاد فرص مرسي تماما. صحيح أن منافسيه ربما يثيرون حماسا أكبر ويحققون نتائج أفضل في استطلاعات الرأي، إلا أن أحدا منهم لا يمتلك ما لدى الجماعة من جهاز جبار أو شبكة حلفاء من الدعاة بالمساجد والناشطين المحليين.

ويقول شادي حميد، خبير مصري يعمل بـ«مركز بروكنغز الدوحة» وقد تخصص منذ سنوات في شؤون الإخوان المسلمين: «إنهم يدخلون في حالة تعبئة شاملة يوم الانتخابات. لكنهم يمارسون سياسة عتيقة تفتقر إلى الأدوات، وقد دخلوا الانتخابات من أجل الفوز بها».

وبالإضافة إلى الحملة القوية التي أطلقتها الجماعة لحشد أصوات أنصارها، فإن تحملها لعقود القهر والاضطهاد في عهد مبارك ربما يكون قد ساعدها على اكتساب التعاطف أثناء الانتخابات البرلمانية، إلا أن الفترة القصيرة للجماعة في السلطة جاءت مخيبة للآمال إلى حد بعيد.

حيث لم يصدر البرلمان المصري، الذي يسيطر عليه الإخوان، أي قوانين ذات أهمية منذ أن بدأ عمله في يناير (كانون الثاني) الماضي، واستفاق كثير من المصريين من وهمهم حينما رفضت الجماعة أن تضع ضمن أولوياتها إلغاء قانون الطوارئ المقيت، الذي استخدم على مدار عقود لقمع المخالفين في الرأي داخل البلاد.

كذلك، فقد أثار تعامل الإخوان مع قضية أخرى مثيرة للجدل، وهي محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، غضب الناشطين الحقوقيين، حيث أصدر البرلمان مؤخرا قرارا يقضي بمنع الرئيس من إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري، لكنه امتنع عن إصدار قرار يمنع القوات المسلحة هي الأخرى من ذلك.

ورغم التصريحات العلنية التي أطلقوها بين الحين والآخر وانتقدوا فيها حكم المجلس العسكري، فقد فاجأ الإخوان الجميع بإقامة علاقة تعاون مع الجنرالات الذين كانوا في يوم من الأيام أداة لإبقاء الجماعة تحت القمع وحرمانها من المشاركة في الحياة السياسية. وقد ظلت الجماعة معظم الوقت تنهى أتباعها عن الانضمام إلى الاحتجاجات ضد العسكر، مما أغضب الطوائف السياسية الأخرى التي أصبحت تنظر إلى الجماعة باعتبارها جماعة انتهازية.

وقد اعترف كبار مسؤولي الجماعة، في لقاءات أجريت معهم، بأن مرسي ربما يفتقر إلى الكاريزما، لكنهم اعترضوا على الأقاويل التي تتردد حول تراجع حظوظ حملته الرئاسية في الانتخابات، التي ستجرى يومي 23 و24 مايو (أيار) الحالي.

وقد علق عصام العريان، النائب الإخواني البارز، قائلا: «مصر ليست في حاجة إلى رئيس لديه كاريزما. إنها تحتاج إلى رئيس قادر على التعامل مع الحكومة ومع البرلمان».

وخلال الأسابيع الأخيرة، بدت بعض تجمعات حشد الأنصار تأييدا لمرسي معدة خصيصا لتناسب الناخبين من المسلمين السلفيين؛ الذين تحاول الحملة التودد إليهم. ويبدو أن الحملة تسعى إلى استثارة وتوسيع قاعدتها، عن طريق الاستعانة برجال دين راديكاليين من أجل حشد الناخبين. وقد رفض مرسي (60 عاما) استطلاعات الرأي التي أظهرت تأخره، معتبرا إياها غير سليمة، واستشهد بالإقبال الكبير على المؤتمرات الانتخابية الداعمة لحملته في جميع أنحاء البلاد باعتباره دليلا على أن سعيه إلى كرسي الرئاسة لم يخب بعد.

وهو يصف نفسه بأنه مرشح «النهضة»، والمنافس الوحيد الذي سيقدم أوراق ترشح إسلامية للرئاسة لا يوجد بها عيب واحد. وقد أكد مرسي للناخبين أن الانتخابات بالنسبة له هي وسيلة لضمان استمرارية روح الثورة التي خلعت الرئيس المستبد حسني مبارك في فبراير (شباط) 2011. كما أعلن في أحد مؤتمرات الدعاية الانتخابية التي حضرها مؤخرا: «أريد أن تظل الثورة حية بعد انتخاب الرئيس. لن نسمح لديكتاتور آخر بأن يتحكم في مصر».

ولم يكن مرسي الاختيار الأول للإخوان حينما نكثت الجماعة، في مارس (آذار) الماضي، وعدها بعدم تقديم مرشح للرئاسة. وتقول الجماعة إنها أخلفت وعدها لأنها ترى أن المجلس العسكري الذي حل محل مبارك يسيء إدارة العملية الانتقالية إلى حكم ديمقراطي.

وقام حزب الحرية والعدالة بتسمية خيرت الشاطر، الخبير الاستراتيجي الأول وأكبر رجل أعمال بالجماعة، مرشحا لها في مارس الماضي، وتحسبا لاحتمال عدم صلاحية الشاطر للترشح، تم طرح اسم مرسي كبديل احتياطي. وقد جاء اسم الشاطر ضمن 10 متنافسين أعلنت اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي عدم أهليتهم للترشح، في إجراء غير متوقع اضطر الجماعة إلى الدفع بمرسي، الذي يحظى بشعبية ضعيفة، إلى بؤرة الضوء. وقد جاء استبعاد اللجنة للشاطر بسبب الفترة التي قضاها كسجين سياسي في عهد مبارك، مما يتعارض مع شروط الترشح.

وقد كان مرسي، وهو مهندس حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا، يتمتع بشهرة ضعيفة نسبيا إلى أن أصبح رئيسا لحزب الحرية والعدالة، حينما سُمح لجماعة الإخوان المسلمين، التي ظلت لفترة طويلة جماعة محظورة، بإنشاء حزب سياسي بعد خلع مبارك.

وذكر قيادي بارز في جماعة الإخوان المسلمين وافق على إعطاء تقييم لحملة مرسي بمنتهى الأمانة، واشترط عدم ذكر اسمه، أنه يوجد خوف شديد على السباق الرئاسي داخل الحرس القديم بالجماعة. وأوضح القيادي الإخواني القديم: «أعتقد أنهم ارتكبوا خطأ بتقديم وعود أكثر من اللازم ثم عدم الالتزام بكلمتهم. كان يتعين عليهم كإسلاميين أن يلتزموا بكلمتهم. لقد أصبح الناس يصمون الإخوان المسلمين بالكذب».

وعلاوة على نكث وعدها بعدم تقديم مرشح للرئاسة، فقد أثار قياديو الجماعة دهشة الجميع بتقاربهم مع واشنطن وإعلانهم أنهم سيحترمون اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية؛ التي تلقى رفضا شعبيا كبيرا في مصر.

والمنافسان الرئيسيان أمام مرسي هما وزير الخارجية السابق عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية الذي يعتمد في الأساس على مكانته المرموقة وموقفه الصلب ضد إسرائيل، وعبد المنعم أبو الفتوح، القيادي الإخواني السابق الذي يصنف باعتباره إسلاميا معتدلا. وقد سعى أنصار أبو الفتوح إلى الحط من شأن الجماعة، حيث تصف اللافتات الجديدة التي انتشرت في جميع أنحاء القاهرة تأييدا لأبو الفتوح جماعته القديمة بـ«الإخوان الميكيافليين».

* شارك في إعداد التقرير: المراسلة الخاصة إنجي حسيب

* خدمة «واشنطن بوست» الإخبارية بالتعاون مع «أخبار بلومبرغ» خاص بـ «الشرق الأوسط»