كامب ديفيد.. المكان المعتاد للدبلوماسية الهادئة

شهد جلسات بين تشرشل وروزفلت وتوقيع اتفاق السلام المصري - الإسرائيلي وزاره 50 زعيما

TT

يُعرف الملجأ المنعزل ذو الحراسة المشددة الواقع على قمة جبل باسم كامب ديفيد، لكن شهدت أرضه الدغلية النصر والهزيمة والالتجاء والارتياح. كانت لرئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، به جلسات مفعمة بالود مع الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1943 لمناقشة خطط غزو نورماندي.

وشهد المكان صياغة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر. وفي ذلك المكان حاول الرئيس بيل كلينتون التوسط للتوصل إلى اتفاق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، ورئيس السلطة الفلسطينية آنذاك، ياسر عرفات. يسلط الرئيس باراك أوباما، الذي لا يتردد على المكان كثيرا، الضوء على الملجأ المنعزل الرئاسي خلال قمة مجموعة الثماني، التي تمثل أكبر تجمع للقادة الأجانب نهاية الأسبوع الحالي. وسوف يتجول القادة، الذين وصلوا أمس، وسط الأشجار المصطفة على الممرات، وينامون في 11 مقصورة رئاسية. وسينضم إليهم أربعة من قادة الدول الأفريقية على الغداء يوم السبت. وزار أكثر من 50 زعيم دولة منتجع كامب ديفيد الرئاسي على مدى العقود السبعة الماضية، لكن يمثل اجتماع قمة الثماني خلال الأسبوع الحالي المرة الأولى التي يجتمع فيها أكثر من قائدين للدول بهذا المكان.

ويشغل كامب ديفيد، الذي يرتفع 1800 قدم عن سطح البحر، مساحة 125 فدانا على الأقل، وتحميه قوات المارينز. ورغم أنه في قلب جبال كاتوكين، فإنه يتبع ميزانية البحرية الأميركية. ولا توجد أي لافتات إرشادية على الطريق القصير المؤدي إلى كامب ديفيد من بلدة ثورمونت شمال ولاية ميريلاند، ويحيط بالمكان سياج أمني. ويستطيع الرؤساء وضيوفهم داخل حمى هذا المنتجع الاستمتاع بمباراة غولف قصيرة أو لعب تنس أو بولينغ أو السباحة في حوض سباحة بمياه دافئة، بل والتدريب على التصويب.

لقد اتخذ أوباما باختياره كامب ديفيد لعقد قمة الثماني قرارا واضحا بفصل هذه النقاشات الاقتصادية عن قمة حلف شمال الأطلسي التي ستعقد عقب قمة الثماني في شيكاغو، مما يمثل مسارين متمايزين للقمتين، أحدهما هادئ وناءٍ، والآخر صاخب وعلني. وقال ماثيو غودمان، مساعد مجلس الأمن القومي السابق في البيت الأبيض لشؤون القمم الاقتصادية الدولية «لقد جن جنون شيكاغو بالفعل. إنه يدرك تماما أنه لن يكون المكان الذي يتيح المحادثات الهادئة الودية».

ستكون لكل قائد المقصورة الخاصة به، وإن كان توزيعها سريا. وقال مستشار الأمن القومي، توم دونيلون، إن البيئة البسيطة ستجعل من السهل على القادة الجلوس مع بعضهم بعضا على انفراد وبأريحية على هامش القمة. سوف تعقد اجتماعات القادة في غرفة السفرة في المقصورة الرئيسية لوريل لودج. وكان كامب ديفيد، الذي يقع على مسافة 70 ميلا من البيت الأبيض، مقصدا للرؤساء لقضاء عطلاتهم الأسبوعية منذ عام 1942، عندما رأى فرانكلين روزفلت أنه بحاجة إلى البقاء على مقربة من العاصمة خلال فترة الحرب، كما كان يحاول الهروب من حرارة الصيف الشديدة في واشنطن. وقد أطلق عليه روزفلت اسم «شانغريلا»، وهو اسم واد خيالي في الرواية التي كتبها الأديب جيمس هيلتون عام 1933 بعنوان «الأفق المفقود».

وقام الرئيس دوايت أيزنهاور بتغيير اسم المنتجع ليصبح كامب «ديفيد» على اسم حفيده، على الرغم من أنه لا يزال يحتفظ باسمه الرسمي الركيك بعض الشيء وهو مرفق دعم البحرية الأميركية.

وقد اختلف ارتباط الرؤساء بالمنتجع على مر السنين، حيث كان الرئيس هاري ترومان نادرا ما يذهب إليه، في حين كان أيزنهاور يتردد عليه باستمرار. ونظرا لأنه كان عاشقا للعبة الغولف، كان أيزنهاور لديه مساحة خضراء بها أهداف على أربع مسافات ومواقع مختلفة، وبالتالي أصبح هناك ملعب للغولف يحتوي على أربع حفر يتعين على اللاعب إسقاط الكرة فيها. وقد استضاف أيزنهاور رئيس الوزراء السوفياتي نيكيتا خروشوف في المنتجع عام 1959.

وعلى الرغم من أن الرئيسين كيندي وجونسون لم يذهبا إلى كامب ديفيد كثيرا، فقد رأى كيندي أن هذا المنتجع يعد مكانا رائعا للتشاور مع أيزنهاور في أعقاب المحاولة الفاشلة لغزو خليج الخنازير في كوبا، في حين كان جونسون يرى أن هذا المنتجع هو مكان جيد للاجتماع مع مستشاريه لمناقشة تفاصيل الحرب في فيتنام.

وكان كامب ديفيد هو الملاذ المفضل للرئيس ريتشارد نيكسون، عندما كان في واشنطن، حيث كان يذهب إلى هناك للاجتماع مع الزعماء الأجانب أو للهروب من ضغوط ووترغيت، في حين كان الرئيس رونالد ريغان يتردد باستمرار على المنتجع. وفي عام 1992، تم عقد قران ابنة الرئيس بوش الأب، دوروثي أو «دورو» كما يطلق عليها، في كامب ديفيد، وكان هذا هو أول حفل زفاف يقام هناك. وعلاوة على ذلك، كان نجله، الرئيس بوش الابن، دائم التردد على كامب ديفيد، وقضى مئات الأيام هناك خلال ولايتيه.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»