باريس غير مكترثة بدعوة الأسد وتحذيراته للرئيس الفرنسي الجديد

مصادر دبلوماسية فرنسية: لن نغير سياستنا تجاه دمشق

TT

لم تعر باريس أي اهتمام لتصريحات الرئيس السوري بشار الأسد لإحدى القنوات الإخبارية الروسية يوم الأربعاء الماضي، والتي دعا فيها الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند إلى «التفكير في مصالح بلاده»، وبالتالي تغيير سياسة فرنسا إزاء سوريا، محذرا إياه من أن «الفوضى الحالية (في سوريا والمنطقة) والإرهاب ستكون لهما انعكاسات على أوروبا»، القريبة من منطقة الشرق الأوسط.

وقالت الخارجية الفرنسية أمس إن بشار الأسد «لن ينجح بمثل هذه التصريحات في أن ينسي (العالم) أن قواته مستمرة في ارتكاب المجازر بحق الشعب، وأنه لم يبدأ (حتى الآن) تطبيق خطة (المبعوث العربي الدولي كوفي) أنان». وتساءل برنار فاليرو، الناطق باسم الخارجية الفرنسية في المؤتمر الصحافي الإلكتروني، ظهر أمس «هل توقف العنف؟ هل أطلق سراح الموقوفين؟ هل عاد الجيش إلى ثكناته؟ هل انطلق المسار السياسي؟»، ليجيب بالنفي، وليؤكد مجددا أن باريس ما زالت تدعم خطة أنان التي يجب أن تفضي، وفق فهمها لها، إلى تحقيق «الانتقال السياسي» في سوريا؛ أي إلى رحيل الأسد عن السلطة وانتهاء نظامه.

وردت فرنسا على الاتهامات التي ساقها الأسد، والتي حمل فيها أطرافا خارجية مسؤولية أعمال العنف والفوضى والإرهاب في بلاده، بقولها إنه حان الوقت للرئيس السوري «بعد 14 شهرا من عمر الأزمة أن يفهم أن القمع الدموي الذي تمارسه القوى الأمنية (السورية) هو الذي يهدد بإغراق سوريا في حال من الفوضى المضرة بالاستقرار الإقليمي». وخلصت الخارجية الفرنسية إلى القول إن باريس «مستمرة في مساندة الشعب السوري في مطالبته بالحرية، وفي إدانة استمرار القمع الدموي» المستمر.

وأفادت مصادر دبلوماسية أوروبية معنية بالملف السوري بأن السلطات في دمشق «تأمل» في أن رحيل الرئيس نيكولا ساركوزي، ووصول فرنسوا هولاند إلى رئاسة الجمهورية «سيفضي إلى تغييرات في سياسة باريس إزاء دمشق؛ باعتبار أن الضغوط والعقوبات الاقتصادية والفردية الأوروبية وغير الأوروبية لم تؤد إلى نتيجة، وأن النظام ما زال قائما». كذلك تراهن دمشق، وفق المصادر نفسها، على انشغال الإدارة الأميركية في الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فإنها تستبعد أي تحرك جدي من أجل إسقاط النظام في سوريا.

غير أن مصادر دبلوماسية فرنسية «استبعدت» حصول تغير في سياسة فرنسا إزاء دمشق، التي تميزت حتى الآن - من جهة - بالتشدد والدفع باتجاه عزل النظام سياسيا ودبلوماسيا، وفرض عقوبات اقتصادية ومالية متلاحقة ضد سوريا، ومن جهة ثانية بالدفع باتجاه مساعدة المعارضة ممثلة بالمجلس الوطني السوري. وهددت باريس، في اجتماع حضرته 15 دولة من «مجموعة أصدقاء سوريا» عقد في مقر الخارجية الشهر الماضي، بالمضي في «بدائل أخرى» إذا ما تبين أن خطة أنان قد فشلت. كما أن وزير خارجيتها السابق آلان جوبيه، الذي أدار الملف السوري منذ بدء الاحتجاجات والمظاهرات قبل 14 شهرا، اعتبر أن الخطة المذكورة هي «الفرصة الأخيرة»، وأن المهلة المعطاة لتطبيقها «ليست إلى ما لا نهاية».

وآل الملف السوري إلى الوزير الجديد لوران فابيوس الذي تسلم مسؤولياته الخميس. ولم تتوافر الفرصة حتى الآن لفابيوس لأن يعرض النهج الذي سيسير عليه، علما بأن الموضوع السوري سيكون - إلى جانب الملف الإيراني - على طاولة مباحثات زعماء مجموعة الثماني في كامب ديفيد. وبحسب المصادر الدبلوماسية الفرنسية، فإن هناك «إجماعا» فرنسيا على الخطوط الكبرى لسياسة فرنسا الخارجية التي لم تكن - باستثناء ملف الوجود الفرنسي العسكري في أفغانستان - حاضرة في الجدل الانتخابي، مما يعني التوافق حولها.

وما يدفع في هذا الاتجاه أن الرئيس هولاند خلال حملته الانتخابية التزم هو الآخر خطا متشددا إزاء سوريا، وذهب أبعد مما ذهب إليه ساركوزي حين قال إنه سيجعل «القوات الفرنسية تشارك في عملية عسكرية في سوريا إذا كان ذلك بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي». ولذا فثمة توافق في الرأي على أن باريس لن تعدل سياستها في المستقبل المنظور.

ويستبعد مراقبون مستقلون في العاصمة الفرنسية ظهور «تغيرات جذرية» في الموقف الدولي من سوريا «في إطار المعطيات الراهنة»، ويرون أن جل ما يمكن القيام به هو العودة إلى مجلس الأمن الدولي والاستمرار في الضغط على الجانب الروسي حتى «يتحمل مسؤولياته»، لأنه «طرف مشارك» في مهمة أنان التي وافق عليها بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي، وبالتالي «عليه استخلاص النتائج» إذا ما باءت بالفشل.

وفي هذا السياق، ترى باريس أن حدوث تغير جدي في الموقف الروسي «أمر ممكن»، إلا أنها ترى أن الطرف الذي يمكن أن يحصل عليه هو الولايات المتحدة الأميركية، لأنها الجهة القادرة على «دفع الثمن»، أي الاعتراف بالمصالح الروسية في المنطقة وتوفير الضمانات لاحترامها. وتؤكد المصادر الفرنسية أن ما تعمل عليه باريس هو السعي للوصول إلى «إجماع» في مجلس الأمن تكون روسيا من ضمنه، واقتراح حلول تضمن «الانتقال السياسي» بما فيها الحل على الطريقة اليمنية.