تسيبراس.. نجم سياسي صاعد قلب فجأة حسابات أوروبا

الزعيم اليساري اليوناني: أصحاب ربطات العنق إرهابيون أسوأ من الفوضويين

أليكسيس تسيبراس
TT

في سن السابعة والثلاثين، وبينما يوحي مظهره بأنه دون تلك السن، يبدو أليكسيس تسيبراس مستمتعا بتلك اللحظة الفارقة في حياته. فقد حقق شهرة قبل أقل من أسبوعين، عندما احتل حزبه المنتمي لتيار اليسار، الذي كان مغمورا في الماضي، المركز الثاني في الانتخابات العامة من خلال وعده بإلغاء الاتفاق الخاص بالدين اليوناني الذي وقعه قادة اليونان السابقون في فبراير (شباط) الماضي.

ومنذ ذلك الحين، دخل في لعبة رهان عالية المخاطر مع قادة أوروبا. فبينما تدافعوا لوضع خطط طوارئ في حالة خروج اليونان من منطقة اليورو، أعلن تسيبراس عن موقفه وجعل بقية دول أوروبا ترتجف خوفا من التداعيات المدمرة المحتملة في حال اتخاذه تلك الخطوة. وقال تسيبراس، أول من أمس، وعلى وجهه ابتسامة، أثناء مقابلة أجريت في مكتبه الصغير في البرلمان اليوناني: «إنني أحب بالفعل لعب البوكر». وأضاف: «هدفنا ليس ابتزازهم أو ترويعهم وإنما زعزعة كيانهم»، في إشارة إلى الدائنين الأجانب الذين أبرموا مع قادة اليونان اتفاقا ينص على تبني إجراءات تقشف مقابل قيام مساعدة اليونان على تجنب العجز عن سداد الديون، وهو الاتفاق الذي يرغب في إلغائه. وقال: «نود إقناعهم. إنهم بحاجة لتغيير السياسات في اليونان والسياسات في أوروبا، وإلا ستكون أوروبا معرضة لخطر فادح».

ويعتقد تسيبراس، الذي يتوافق تماما مع تيار الاحتجاجات المناهضة للتقشف المتصاعدة عبر أنحاء أوروبا، بأن مشكلة اليونان مشكلة أوروبية تحتاج لحل أوروبي. وهو يؤكد أنه يرغب في بقاء اليونان في منطقة اليورو، على أن لا يكون ذلك بموجب شروط حزمة الإنقاذ الحالية. وقال تسيبراس: «منطقة اليورو هي سلسلة مؤلفة من 17 حلقة. وفي حال انكسرت واحدة من تلك الحلقات، ينفرط العقد بأكمله».

وبعيدا عن الإشارات ذات الصلة بلعبة البوكر، شدد تسيبراس على أن الأسواق المالية هي السبب الحقيقي في الجزء الأكبر من الأزمة، وليس هو أو اليونان. ويقول تسيبراس: «لا تحدوهم أي شكوك، وإذا قاموا بإخراج اليونان من منطقة اليورو، سينتقلون فقط للدولة التالية». وأضاف أن الدولتين المقبلتين على خط النار هما إيطاليا وإسبانيا، وهما دولتان كبيرتان بالدرجة التي لا يمكن معها أن يُسمح بسقوطهما.

وبينما تطالب أحزاب سياسية أخرى الآن في اليونان بالتفاوض على اتفاق الدين اليوناني، وضع تسيبراس، اليساري غير الخبير الذي قد يصبح رئيس وزراء اليونان بعد الانتخابات المقررة في 17 يونيو (تموز)، في مواجهة مع مقرضي اليونان. وفي المقابلة، قال إنه لن ينكث وعوده برفض شروط حزمة إنقاذ اليونان التي ألقت بصعاب جسيمة على كاهل عامة الشعب اليوناني، وهو موقف ربما يقود مقرضي اليونان إلى عدم تقديم مزيد من المساعدات والدفع باليونان إلى حالة من العجز عن سداد الديون.

ولكن بالنسبة له، «بدأت بالفعل» المفاوضات المتعلقة باتفاق الدين اليوناني، وهو الأمر الذي يرجع بدرجة كبيرة إلى أن القادة الأوروبيين يظهرون بالفعل إشارات دالة على كونهم أكثر تساهلا بشأن إجراءات التقشف. وقال: «لم تعد تنطبق الخطوط الحمراء التي كانت سارية من قبل».

ولكن فيما قد تم تصوير تسيبراس في بعض الأحيان في وسائل الإعلام الإخبارية الأوروبية بوصفه راديكاليا ثائرا (ويبدو في بعض الأحيان سعيدا بهذا التصوير الساخر)، فإنه يعتبر خبيرا استراتيجيا متحفظا يلعب لعبة «سياسة الحافة» مع بقية زعماء أوروبا، وعلى وجه التحديد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وفي الماضي، قام القادة الألمان والأوروبيون الآخرون بمناورات في اللحظة الأخيرة من أجل إبقاء اليونان في منطقة اليورو، وعلى وجه التحديد بسبب المخاوف من أن يؤدي خروج اليونان من منطقة اليورو إلى تكبدها خسائر فادحة، بدءا من انهيارات المصارف عبر أنحاء أوروبا إلى زعزعة استقرار النظام المالي العالمي. ويبدو أن تسيبراس يراهن على أنهم سيرتعدون خوفا مجددا، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كانت تلك الحالة ستعتريهم بالفعل أم لا.

وقال سيمون تيلفورد، وهو خبير اقتصادي كبير بمركز الإصلاح الأوروبي في لندن: «قد يساور الأوروبيين الذعر، لكن في هذه المرة لن ترتعد فرائصهم بالدرجة الكافية». وأضاف أن القادة الأوروبيين ربما يقترحون «خطة مارشال مصغرة» تهدف إلى دفع النمو في اليونان، لكن المطلوب هو إجراء تغييرات سياسية لإقامة روابط أوثق بين دول منطقة اليورو. وأضاف تيلفورد: «لقد فاض الكيل بالناس. إنهم يفضلون أن تبقى اليونان داخل منطقة اليورو، غير أنهم لن يتخذوا خطوات سياسية في سبيل جعل عضوية اليونان دائمة».

وفي بعض النواحي، لا تختلف آراء تسيبراس كثيرا عن آراء بعض القادة المجتمعين في قمة مجموعة الثماني بكامب ديفيد. ومع تباطؤ النمو، اجتاح رد فعل معارض لإجراءات التقشف أنحاء أوروبا، مما حمل ميركل على تخفيف حدة موقفها. وكان من المتوقع أن يضغط القادة، وعلى وجه الخصوص الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، على ميركل في الاجتماع لمنح أوروبا متنفسا أكبر للنمو. وقال تسيبراس: «الرسالة التي نوجهها إلى قمة مجموعة الثماني هي أن علينا الضغط على ميركل كي تحذو حذو أميركا، التي لم يتم فيها مواجهة أزمة الدين من خلال إجراءات التقشف، وإنما بأسلوب يقوم على سياسة التوسع».

وأضاف أن أوروبا بحاجة إلى نظام فيدرالي مثل الولايات المتحدة. وقارن اليونان بكاليفورنيا المثقلة بالديون، حيث إن الولايات المتحدة لن تسمح مطلقا بانهيار كاليفورنيا ولديها الهياكل الفيدرالية اللازمة للحفاظ على وحدة الدولة.

وتضع استطلاعات الرأي حزب تسيبراس في المرتبة الأولى، والبعض الآخر يضعه في المرتبة الثانية، في الحملة الداعية لجولة ثانية من الانتخابات، التي تمت المطالبة بها بعد أن عجز هو وقادة سياسيون آخرون عن تشكيل حكومة بعد انتخابات 6 مايو (أيار). ويقول تسيبراس، الذي درس الهندسة، إنه درس الاقتصاد أيضا، وإنه تعلم داخل الخنادق مع «رفاقه» في اللجنة الاقتصادية التابعة لحزب «الائتلاف»، وهو تيار شيوعي بدائي داخل حزب «سيريزا» الذي ترعرع فيه.

ويؤكد تسيبراس، وهو رجل نحيل دمث الخلق، وإن كان غامضا بعض الشيء، أنه لا يحب ارتداء ربطات العنق، لأنها تذكره بأيامه في البحرية، التي أدى فيها خدمته العسكرية الإلزامية. وفي خطاباته الأخيرة، قال إن «الإرهابيين» الذين يرتدون سترات وربطات عنق ويقررون مصير اليونان أسوأ من الفوضويين الذين يرتدون العباءات وأغطية الرأس. والبعض يشبهونه بأندرياس باباندريو، مؤسس الحزب الاشتراكي والرمز الكبير للتيار الشعبي.

وربما يكون تسيبراس قد ركب موجة محاربة سياسة التقشف، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان يمتلك المؤهلات التي تمكنه من قيادة السفينة. وحينما ألح البعض عليه لتقديم بديل لاتفاقية القرض الحالية (أو مشروعه من أجل إعادة اليونان إلى النمو مع استمرارها داخل منطقة اليورو) لم يقدم سوى أقل القليل من النقاط المحددة.

ويسعى حزبه إلى تعليق سداد أقساط القرض لمدة ثلاث سنوات حتى يتمكن الاقتصاد اليوناني من التعافي، وتغيير شروط اتفاقية القرض التي تقضي بخفض الأجور، وتقليص عدد العاملين في الجهاز الحكومي، وإعادة صياغة الاتفاقيات العمالية الجماعية. كما دعا الحزب إلى تأميم المصارف، من أجل التحكم في سياسات الإقراض التي تنتهجها، ضمن عملية إعادة رسملة يتم التخطيط لها حاليا في إطار صفقة الديون.

ويقول المنتقدون إن حزب «سيريزا»، تحت قناع التغيير، قد لا يقدم ما هو أفضل كثيرا من الوضع الراهن، أو قد يزيد من سيطرة الدولة في بلد يعاني جهاز الدولة به من اختلال وظيفي، كما يشعر أصحاب الشركات بقلق بالغ من أن تؤدي خطط الحزب لزيادة سيطرة الدولة إلى إعاقة عملية النمو بصورة أكبر، مما يحول اليونان إلى ما يشبه بلغاريا جديدة.

ويؤكد تسيبراس: «الشركات التي تتمتع بصحة جيدة هنا ليس لديها ما تخشاه من حكومة تحاول إيقاف انتشار ذلك السم. الشركات التي تتمتع بصحة جيدة تدرك أن التقشف يعوق الاستهلاك».

وعلى الرغم من تسليمه بأن جهاز الدولة اليوناني به «اختلال وظيفي كبير، ويحتاج إلى تغييرات هيكلية عميقة»، فلم يقدم نقاطا محددة أكثر من انتقاد الاشتراكيين وحزب «الديمقراطية الجديدة»، الذي ينتمي إلى تيار اليمين الوسط، بسبب بناء نظام قائم على «الوظائف مقابل الأصوات»، مما أدى إلى تضخم حجم الدين العام اليوناني.

وبدلا من ذلك، فقد ظل يردد الأسطوانة القديمة التي كان يأمل في أن تساعده على تعزيز قوته خلال فترة تزيد قليلا على الشهر، في صورة تحذير صارم إلى شركاء اليونان الأوروبيين من أن إقصاء اليونان سيكون مثل «قطع الفرع الذي نجلس عليه جميعا».

* خدمة «نيويورك تايمز»