رحل المقرحي.. لكن التحقيق في قضية لوكيربي ما زال مفتوحا

استمرار الشكوك في مسؤولية آخرين من رجال القذافي

صورة للمقرحي التقطت له في مستشفى بطرابلس في 9 سبتمبر 2009 (أ.ف.ب)
TT

حمل عبد الباسط المقرحي أسرار حادث تفجير طائرة لوكيربي ورحل. ومنذ الإفراج الصحي عنه من السجن مدى الحياة في اسكوتلندا وعودته إلى ليبيا، ظل الرجل ينكر أي علاقة له بالحادث.

وبدأت القضية تكبر وتتضخم إلى أن أدخلت ليبيا في حصار دولي، ففي 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 1991 وجهت الولايات المتحدة وبريطانيا للمقرحي، الذي أنهى دراساته في الولايات المتحدة، وإلى زميله الأمين خليفة فحيمة، الاتهام بالمسؤولية عن تفجير الطائرة الأميركية فوق لوكيربي.

وكان المقرحي يعمل في مطار لوقا بمالطا رئيسا لأمن الطيران بشركة الخطوط الجوية الليبية، وجاءت القضية في وقت كانت فيه سياسات القذافي متوترة مع العالم أجمع تقريبا. وحين طلب الغرب من العقيد الليبي تسليم المقرحي وفحيمة رفض، كما رفض أن يخضعا للمحاكمة، ما أدى إلى قيام الدول الغربية بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على نظام القذافي وفقا لقرار مجلس الأمن الصادر عام 1992. وأثرت العقوبات على صادرات ليبيا من النفط وعلى وارداتها الضرورية من الخارج، وتسببت في تحجيم تنقلات كبار المسؤولين الليبيين.

وأمام هذه المعضلة السياسية والاقتصادية اضطر القذافي، وفقا لمصادر مقربة من أسرة المقرحي وفحيمة، إلى الرضوخ للمطالب الغربية، لكن بعد أن أقنع قبيلتي الرجلين بأنه «مسؤول عن تسليمهما ومسؤول عن استعادتهما». لكن القذافي بعد أن سلمهما، بناء على مفاوضات عن مقر المحكمة، وكانت في هولندا، لم يتمكن من الوفاء بعهده لقبيلتي الرجلين على الفور.

وأضافت المصادر أن القذافي أخبر قبيلتي المقرحي وفحيمة أن تسليمهما للمحكمة هو الطريق الوحيد لخروج ليبيا من سلسلة العقوبات المفروضة عليها، وأن غيابهما شهرين أو ثلاثة في الخارج أمر مهم للأمن القومي الليبي وللشعب الليبي الذي كان في حاجة إلى معدات طبية وصناعية وأموال وانفتاح على العالم الخارجي.

ومثل المتهمان بالفعل أمام المحكمة في 3 مايو (أيار) 2000. وفي 31 يناير (كانون الثاني) 2001 برأت المحكمة فحيمة، وأدانت المقرحي وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة في سجون اسكوتلندا. ورغم عودة فحيمة إلى ليبيا فإن غياب المقرحي في غياهب السجن وضع العقيد المزهو بنفسه في حرج.

واعتمدت المحكمة في إدانة المقرحي على شهادة صاحب متجر مالطي يدعى طوني غوتشي، بعد أن قال إن المقرحي اشترى ملابس من متجره، ووجدت بقايا تلك الملابس وسط حطام الطائرة في حقيبة وضعت فيها المتفجرات.

وبمرور السنين كبرت قضية غياب المقرحي وسط قبيلته التي كان عدد كبير من رجالها قيادات في الأجهزة الأمنية والعسكرية، أشهرهم عبد الله السنوسي، رجل القذافي القوي ورئيس جهاز مخابراته. وتزامن ذلك مع عمليات تجميل سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد الليبي، الذي كان بدأ اسمه يظهر على المسرح السياسي منذ عام 2005، وسط تكهنات بأنه قد يكون خليفة لأبيه، ومصلحا لمسيرة «ثورة» 1969.

ويقول مسؤول في الأمن الليبي، وكان في السابق مسؤولا في اللجان الثورية التابعة للقذافي قبل أن ينشق عنه وينضم إلى الثورة، إن سيف الإسلام كان يريد أن يظهر بمظهر الرجل القادر على إدارة ملفات سياسية داخلية وخارجية.

واضطر القذافي إلى سداد أموال طائلة تعويضا لعائلات قتلى الطائرة أملا في إغلاق الملف نهائيا، وفي عام 2003 اعترفت ليبيا رسميا بمسؤوليتها في الهجوم ودفعت 2.7 مليار دولار كتعويضات لعائلات الضحايا، حيث بدأت تحركات سيف الإسلام، وفقا للمصدر نفسه، بناء على ما تمكن من نسجه من اتفاقات مع مسؤولين في بريطانيا ودول أوروبية أخرى، تكللت بالنجاح في اصطحاب المقرحي والعودة به على متن طائرة إلى العاصمة الليبية في عام 2009.

وزارت «الشرق الأوسط» المقرحي عقب وصوله طرابلس مباشرة، في المنزل الذي خصصته له السلطات الليبية في طرابلس في ذلك الوقت، بدلا من بيته القديم الذي كان يقع في منطقة غير مؤمنة، لكن هذا المنزل القائم خلف أسوار مرتفعة وأبواب حديدية لم يسلم من هجوم مجهولين عليه بعد سقوط نظام القذافي، حيث عاش المقرحي معزولا، ولا يلقى عناية من الحكام الجدد في وقت كانت فيه البلاد تعيش في فوضى عارمة.

وفسرت السلطات القضائية الاسكوتلندية الإفراج عن المقرحي بالقول إنه «إفراج صحي» ولأسباب إنسانية، بعد أن تبين إصابته بسرطان البروستاتا. وبعد عودته إلى ليبيا لم يتوقف القضاء الاسكوتلندي عن البحث والنقيب في قضية لوكيربي مجددا عن طريق مكتب المدعي العام هناك. واستمر هذا البحث حتى بعد سقوط نظام القذافي، حيث طلب المدعي الاسكوتلندي من المجلس الوطني الانتقالي مساعدته في التحقيق في تفجير الطائرة الأميركية.

ويقول المراقبون إن وفاة المقرحي لا يبدو أنها ستوقف طلبات المدعي الاسكوتلندي مواصلة التحقيق في ملابسات لوكيربي، بسبب وجود اعتقاد بضلوع شخصيات ليبية أخرى متورطة في التخطيط للتفجير وتنفيذه كانت مقربة من القذافي.

وكان مكتب المدعي الاسكوتلندي أكد أن «التحقيق سيبقى مفتوحا حول ضلوع أشخاص آخرين» غير عبد الباسط المقرحي.