حزب موغابي يفعل قانونا يدغدغ العواطف مع قرب الانتخابات

المعارضة تتحفظ على توقيت إرغام الشركات الأجنبية على منح نصف حصصها للسود

زيمبابويون يرقصون فرحا بعد تلقيهم شيكات من المشرف على قانون «التوطين الاقتصادي» (نيويورك تايمز)
TT

بعد أكثر من عقد على بدء حكومة زيمبابوي الاستحواذ على المزارع التجارية المترامية الأطراف المملوكة للبيض، اندلعت معركة جديدة حول من سيستفيد من الوفرة الهائلة للبلاتين والكروم والنيكل والماس في البلاد. وفي خطوة ذات جذور سياسية، بدأ حزب الرئيس روبرت موغابي، يمارس ضغوطا على الشركات العاملة في البلاد من أجل الإذعان لقانون يقول إن الزيمبابويين السود يجب أن يمتلكوا أكثر من نصف الحصص.

وتولى موغابي حكم البلاد منذ استقلالها عام 1980، لكنه شهد تراجع شعبيته بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وحصل على أصوات أقل من المعارضة في انتخابات عام 2008 وأجبر على تشكيل حكومة تقاسم سلطة مضطربة في ظل أحداث العنف اللاحقة. ومع حث موغابي على إجراء انتخابات جديدة هذا العام، ينظر أنصاره إلى الاتجاه لمنح مزيد من الثروة للزيمبابويين السود على أنها وسيلة شائعة على المستوى السياسي لتحقيق النصر. ويقول مسؤولون بارزون بحزب موغابي، «زانو بي إف»، إن الأجانب العاملين في البلاد يجب أن لا يسمح لهم بتحقيق مكاسب على حساب الزيمبابويين الأصليين أو السود.

وتقول «حركة التغيير الديمقراطي» المعارضة، ومعها العديد من خبراء الاقتصاد والمحللين المستقلين، إن قانون التوطين والتمكين الاقتصادي، الذي تم تمريره عام 2010، ولكن لم يتم تفعيله على نطاق واسع إلا العام الماضي، يمثل كارثة بالنسبة لاقتصاد البلاد، مع بدئه في النمو بعد أعوام من تراجعه. وقال مورغان تسفانغيراي، رئيس الوزراء وزعيم حركة «التغيير الديمقراطي»: «تتمثل رؤيتنا بالفعل في التمكين، لكننا مهتمون بدرجة أكبر بوضع العمالة. كيف يمكننا توفير مزيد من الوظائف بدلا من القضاء على العدد المحدود من الوظائف المتاح لدينا؟».

بدأ اقتصاد زيمبابوي يحقق انتعاشا بطيئا بعد أكثر من عقد من الأزمة السياسية والاقتصادية التي نتجت عن الاستحواذ على مزارع تجارية. وقد أدى إدخال الدولار الأميركي إلى القضاء على التضخم المفرط الذي جعل الحياة هنا مستحيلة، ويعود المستثمرون بشكل بطيء إلى دولة حباها الله ثروات طبيعية هائلة. والجانب الأكبر من هذه الثروة يوجد في تكوين جيولوجي يعرف باسم «الحاجز العظيم»، وهو عبارة عن حاجز صخري يمتد لمسافة 340 ميلا تشكل قبل 2.5 مليار سنة من أحجار منصهرة دفعت إلى أعلى من باطن الكرة الأرضية عبر جزء من قشرة قارية تعود إلى عصور أقدم. وعلى مدار آلاف الأعوام، طويت الأحجار والتوت على نفسها، وداخل طبقاتها، توجد رواسب ثرية بعناصر قيمة مثل البلاتين والنيكل والكوبل والكروم.

وبحسب قانون التوطين والتمكين الاقتصادي، يجب أن يملك الزيمبابويون السود نسبة 51% من حصص الشركات الأجنبية العاملة هنا. ومن المفترض أن تذهب نسبة 20% من الحصص إلى صناديق الائتمان المجتمعية، والتي ستمول نظريا مشروعات التطوير المحلية، وأيضا إلى موظفي الشركات. ويجب أن تذهب النسبة المتبقية إلى الزيمبابويين السود.

غير أنه ليس من الواضح كيف يمكن تحقيق تلك الأهداف. فعدد كبير من تلك الشركات مملوكة لعامة الشعب، ومن ثم، فإن حصصها ليست مملوكة للشركات بحيث يتسنى لها منحها أو بيعها. وعلى رأس ذلك، يملك عدد محدود من الزيمبابويين السود الوسائل لشراء عدد ضخم من الحصص بقيمة السوق.

لكن عددا محدودا من الشركات قد وافق بالفعل على الامتثال للقانون، تحت ضغط من سافيور كاسوكويري، الوزير العضو في حزب «زانو بي إف» والمشرف على عملية التوطين والتمكين الاقتصادي.

في مارس (آذار) الماضي، صرحت شركة التعدين الجنوب أفريقية «إمبلاتس»، التي تقوم الشركة التابعة لها «زيمبلاتس» بتعدين البلاتين في زيمبابوي، بأنها ستمنح لمؤسسات المجتمع قروضا من دون فوائد، على أن تسددها من حصص أرباح أسهمها، وأنها ستقوم بالإجراء نفسه مع موظفيها. غير أنها أوضحت أنها تتوقع قيمة سوق كاملة لنسبة الـ31% الأخرى من الحصص المطلوبة بموجب القانون، وهي نسبة يمكن لعدد محدود من المستثمرين الخاصين جمعها. ولم يرد مسؤولون بشركة «إمبلاتس» وشركات أخرى تضررت من القانون الجديد على طلبات بالتعليق على الموضوع. ويقول مسؤولون حكوميون إنهم لن يدفعوا سنتا واحدا لتلك الحصص.

وتتردد شائعات بأن موغابي، 88 عاما، في حالة صحية سيئة. وفي أبريل (نيسان) الماضي، انتشرت شائعات مفادها أنه على فراش الموت في سنغافورة، لكنه ما لبث أن ظهر في احتفالات عيد الاستقلال في زيمبابوي بعد بضعة أيام، حيث سار حول استاد لكرة القدم تحت الشمس الحارقة لمدة 30 دقيقة من دون مساعدة لمشاهدة عرض عسكري.

لكن بعد ثلاثة عقود سيطر فيها رجل واحد على مقاليد السلطة، يمزق حزب موغابي الخلاف حول من سيخلفه، كما أن قادة الحزب متلهفون على إجراء انتخابات قريبا، فيما لا يزال موغابي قادرا على إطلاق حملة للترشح للانتخابات. وترى المعارضة أن من الخطأ الإسراع في إتمام هذه العملية، في الوقت الذي لم يتم فيه بعد القيام بعدد من الإصلاحات المهمة.

وتتملك كثيرين هنا مخاوف من استئثار المؤيدين الأثرياء بالحزب الحاكم بكل مكاسب هذا القانون. ومن شأن هذا أن يمثل عودة لعمليات الاستيلاء على الأراضي، التي أدت إلى منح مزارع ضخمة لأشخاص يفتقرون إلى الخبرة المطلوبة في الزراعة التجارية، مما يتسبب في بوارها، مما يؤدي لإضعاف الاقتصاد.

وعلاوة على ذلك، فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت صناديق الائتمان المجتمعية، التي يتم الترويج لها بوصفها الوسيلة الوحيدة التي يستطيع من خلالها عامة الشعب تحقيق مكاسب، تعتبر صناديق جديدة أم إنها بديل لبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركات المعمول بها حاليا. ويقول ديريك ماتيسزاك، المحلل بوحدة الأبحاث والدعم، وهي مؤسسة بحثية مقرها في هراري: «حتى الآن، لم يتنازل أحد فعليا عن قطعة نقدية صغيرة من النحاس». غير أنه بالنسبة لحزب «زانو بي إف»، الذي يحتفظ، بموجب اتفاقية تقاسم السلطة، بسيطرته على أقوى كيانات الحكومة (الجيش والشرطة والمخابرات) قد يكون التوطين والتمكين الاقتصادي آلية سياسية مؤثرة.

في صبيحة أحد أيام السبت القريبة، جسد كاسوكويري، كيف يمكن أن تفيد هذه السياسة في حشد الدعم، على متن طائرة هليكوبتر تابعة للشرطة في رحلة مدتها ساعة ونصف إلى بينغا، وهي مدينة بعيدة فقيرة على الطرف الغربي القاحل لزيمبابوي. وقد وصل حاملا معه مجموعة شيكات بمبالغ ضخمة لمنظمات مجتمعية محلية مأخوذة من صندوق أنشأته «أولد ميوتوال»، شركة التأمين التي قد بدأت الالتزام بالقانون. ومن خلال مكبر، نادى المسؤول عن مراسم الحدث أسماء الشركات التي ستحصل على قروض لتبدأ مشروعات في مجال الصيد.

«25.000 دولار لجمعية «توتامبول كابينتا فيشين كواوبيريتيف» التعاونية!»، هكذا صاح. تدافع أعضاء الجمعية التعاونية في مواجهة الجمهور، يصيحون ويقفزون، أخذوا يرقصون في حلقة حول كاسوكويري، رافعين شيكاتهم عاليا.

وقف كاسوكويري، بعيدا عن الفلاحين الذين قد تجمهروا لمشاهدة عرضه. ومرتديا سترة زرقاء ذات أزرار نحاسية وساعة ماركة «مونت بلانك» على معصمه، ترأس مراسم الحدث كأمير شاب يأمل في أن يصبح ملكا. وبعد أغنية حماسية وعرض راقص من قبل مجموعة أطفال محليين، منحهم كاسوكويري مبلغا قيمته 50 دولارا. وعندما تقدم نحوه رجل مسن لعرض بعض الحيوانات للبيع. قدم له شيكا قيمته 100 دولار.

* خدمة «نيويورك تايمز»