توقيف 3 ضباط و19 عنصرا من الجيش اللبناني في عكار على ذمة التحقيق بمقتل الشيخين

أحمد الحريري لـ«الشرق الأوسط»: اجتماع نصر الله وجبريل أطلق شرارة تخريب الأمن في شمال لبنان

TT

تفاعلت حادثة مقتل الشيخين أحمد عبد الواحد ومحمد حسين مرعي على حاجز للجيش اللبناني في منطقة عكار (شمال لبنان)، أول من أمس، سياسيا وقضائيا وأمنيا في ظلّ الأجواء المشحونة التي خلّفتها هذه الحادثة، وعجزت القيادات السياسية عن الحد من ردات الفعل الشعبية الغاضبة، التي عمت معظم المناطق اللبنانية، وتسببت بقطع للطرقات، وتسببت بإشكال أمني في بيروت ذهب ضحيته ثلاثة قتلى وعشرة جرحى، غير أن النتائج الأولية للتحقيقات أسفرت عن توقيف عدد من الضباط والعسكريين على ذمة التحقيق.

فقد أمر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي صقر صقر، بتوقيف ثلاثة ضباط (نقيبان وملازم أول) و19 عنصرا من الجيش اللبناني، ممن كانوا على الحاجز أثناء إطلاق النار على سيارة الشيخ عبد الواحد وقتله مع رفيقه الشيخ مرعب. وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن «هؤلاء الضباط والعسكريين احتجزوا على ذمة التحقيق»، مشيرا إلى أن «التحقيق بات يملك تصورا شبه كامل عن كيفية حصول الجريمة».

وأوضح المصدر القضائي أن «لجنة التحقيق التي كلفتها قيادة الجيش بدأت تحقيقاتها بإشراف القاضي صقر شخصيا، وأن التحقيقات الأولية قد تستغرق نحو يومين، وفي ضوئها تحدد هوية المسؤولين عن مقتل الشيخين المذكورين وكشف ملابسات الحادث، وإحالتهم بالتالي إلى القضاء العسكري».

وكشف المصدر عن «الاستجوابات التي أجراها القاضي صقر هو شخصيا بدءا من ظهر الأحد الماضي، حتى فجر أمس (الاثنين)، شملت عددا كبيرا من العسكريين وبعض المدنيين».

وعقد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى ومجلس المفتين في لبنان جلسة استثنائية مشتركة برئاسة مفتي الجمهورية، الشيخ محمد رشيد قباني، في دار الفتوى، وبحضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

وأصدر المجتمعون بيانا اعتبروا فيه أن الذي حصل «أكبر من حادث، بل هو جريمة اغتيال موصوفة، بل هو الفتنة بعينها.. وعلى المسؤولين أن يتحملوا تبعات ما حصل وما قد يحصل مستقبلا».

وأكد البيان أن «السلطة السياسية في لبنان مدعوة لمواصلة تحمل مسؤولياتها كاملة تجاه ما جرى ويجري في البلاد، سواء في مدينة طرابلس في الأسبوع الماضي أو في عكار. فالأجهزة الأمنية يجب أن تعمل تحت إشراف السلطة السياسية المسؤولة دستوريا عن الأمن في البلاد، والتي يجب أن تحاسب وتضبط الخلل الذي يبدو أنه استفحل وأدى إلى ما حدث في طرابلس وعكار».

وشدد البيان على «ضرورة إحالة قضية اغتيال الشيخين إلى المجلس العدلي نظرا لخطورة الجريمة وخلفيتها وأثرها على السلم الأهلي وأمن الدولة».

واستغرب «الرسالة السورية الموجهة إلى أمين عام الأمم المتحدة على لسان السفير السوري بشار الجعفري، من أن طرابلس وعكار بؤرة للإرهاب و(القاعدة)»، وأعلنوا رفضهم واستنكارهم لما جاء فيها، ولذلك ينبغي أن يدفع السلطات اللبنانية لأخذه في الحساب عند التصدي للإخلال بالأمن والفتنة.

سياسيا، اعتبر الأمين العام لتيار المستقبل، أحمد الحريري، أن «تلكؤ الحكومة في الردّ على إدعاءات (السفير السوري لدى الأمم المتحدة) بشار الجعفري، أدت إلى ما أدت إليه».

وأكد الحريري في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «المعلومات التي قدمها الجعفري (عن دخول نحو 50 عنصرا من تنظيم القاعدة إلى عكار وطرابلس في شمال لبنان) هي عبارة عن كمية من الأكاذيب، وكان يفترض بالمجلس الأعلى للدفاع والحكومة والمؤسسات الدستورية اللبنانية الرد على هذه الأكاذيب، بدلا من ترك الأمور تذهب إلى ما ذهبت إليه»، مشيرا إلى أن «ما حصل في عكار هو تنفيذ لأمر العمليات الذي بدأ باجتماع (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله، مع (الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة) أحمد جبريل، الذي تقاطع مع كلام (الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي) رفعت عيد، وأعطى الإشارة بخربطة (الإخلال) الوضع الأمني في لبنان، وإظهار منطقة الشمال على أنها معقل للإرهابيين والمتطرفين، وهذا كلّه عار من الصحة».

وشدد على أن «الجيش اللبناني كان وسيبقى بالنسبة لتيار المستقبل وجمهوره هو الملاذ الأخير، لحماية البلد والناس، ومن هنا لا بد من العود إلى الثوابت الوطنية، والإقلاع عن معاملة اللبنانيين على قاعدة (ناس بسمنة وناس بزيت)».

وقال الحريري: «إننا نستنكر أشد الاستنكار حادث اغتيال الشيخين الجليلين أحمد عبد الواحد ومحمد مرعب، الذي ليس له مبرر ولا ينفع مع هول هذه الجريمة الاعتذار، لا سيما أن الشيخ عبد الواحد كان من أبرز أعلام دعم الثورة السورية، وهذا ما يطرح السؤال عما إذا كان الحادث مقصودا أم لا»، داعيا إلى «انتظار نتائج التحقيق الذي يسير بشكل جيد حتى الآن»، معتبرا أن «السبب الرئيسي لما يحصل هو الحكومة المشلولة؛ من رئيسها الذي ليس على قدر تحمل المسؤولية إلى آخر وزير فيها، وما شاهدناه إثر اغتيال الشيخين بين لنا أن الناس كانت أكثر وعيا من المسؤولين في السلطة، لجهة عدم انجرارهم إلى ردات الفعل، بهدف تفويت الفرصة على دعاة الفتنة».

وردا على سؤال عن دعوات صدرت من البعض لطرد الجيش اللبناني من منطقة عكار، أجاب الأمين العام لتيار المستقبل أن «هذا الكلام عار من الصحة تماما وغير صحيح»، مذكرا بأن «الرئيس (رئيس الحكومة السابق) سعد الحريري هو من وفّر الغطاء السياسي للجيش للانتشار في مناطق طرابلس، وعكار والضنية التي كانت وما زالت الخزان البشري لجمهور تيار المستقبل منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري وحتى الآن، ونحن نعرف أن الجيش يأتمر بأمر الحكومة التي عليها أن تتحمل مسؤولياتها كاملة»، مشددا على «ضرورة ضبط النفس في هذه المرحلة الصعبة التي يتهاوى فيها النظام السوري، باعتبار أن لبنان المستقر يحمي الثورة السورية ويساعدها على الإطاحة بـ(الرئيس السوري) بشار الأسد».

وشدد الحريري على أن «يكون الجيش جديا في حسم الأمور وأن يطلب من الحكومة أن تزوده بردها على بيان بشار الجعفري»، مؤكدا أنه «لن تقوم للبنان قيامة إلا بزوال كابوس النظام السوري بكل أدواته»، وقال: «لن يحصل اهتزاز أمني في لبنان بإذن الله، فنحن لن نضيع البوصلة على الإطلاق».

وعن أبعاد الإشكال الذي حصل في منطقة الطريق الجديدة في بيروت، بين مناصرين لتيار المستقبل، ورئيس حزب الاتحاد العربي (الموالي للنظام السوري) شاكر البرجاوي، أوضح الحريري، أن «المنطقة معروفة بولائها لتيار المستقبل وهذا مصدر اعتزازنا، والمجتمع المدني بات مشمئزا من تصرفات هذا الرجل (البرجاوي) الذي يتباهى بوقوفه مع سفاح دمشق (بشار الأسد)».

إلى ذلك، دعا رئيس جبهة النضال الوطني، النائب وليد جنبلاط، اللبنانيين إلى «التقدم نحو تفاهم على الحد الأدنى لتمرير هذه المرحلة الحساسة من خلال احتضان الجيش»، وأشاد بـ«إنجازات المؤسسة العسكرية والتحقيقات السريعة التي أجرتها لمحاسبة المسؤولين عن مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه في عكار، وهذا كله يؤكد ضرورة الالتفاف حول الجيش اللبناني أكثر من أي وقت مضى لحماية الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي للحيلولة دون الانزلاق نحو الفتنة أو الاقتتال الداخلي».