الصراع على النفوذ يحكم قبضته على اليمن الجديد

تمثل أرحب أهمية قصوى لقربها من المطار والمقاتلون فيها قريبون من تجمع «الإصلاح الإسلامي»

TT

في هذا الوادي الشمالي الوعر الذي تحيط به الجبال، يستنزف النزاع بين الفصائل اليمنية الموارد من حرب أكثر أهمية ضد الميليشيات المرتبطة بـ«القاعدة» في جنوب البلاد المضطرب.

كانت حكمت عبد الله وأبناؤها العشرة من بين ضحاياها الكثيرين. تركت حكمت منزلها لتأوي إلى كهف مظلم في التلال الصخرية المشرفة على قريتهم. تنام هي وأولادها على بطاطين رثة على الأرض، ويشاركهم هذا الفضاء الهزيل عائلتان أخريان. أما المنازل في القرية، فمزقتها دانات المدافع وقذائف الهاون، لتكون شاهدة على المعارك العنيفة التي اندلعت في المنطقة.

تقول حكمت، التي تضرر منزلها بشدة: «الأطفال لا ينامون من شدة الخوف، فقد يبدأ القصف في أية لحظة».

ومنذ أن وسعت إدارة أوباما من جهودها لإضعاف فرع «القاعدة» في اليمن، يواجه رئيس هذه الدولة الشرق الأوسطية المدعوم من الولايات المتحدة صراعا من أجل مستقبله الشخصي. فالسباق على النفوذ تدور رحاه بين الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح وخصومه القدامى الذين يتمركزون بشكل كبير في العاصمة صنعاء وأرحب، الواقعة على مشارف العاصمة.

يأتي ذلك بمثابة اختبار لسلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي شغل منصب نائب الرئيس في عهد صالح، وقدرته على العبور باليمن إلى حقبة جديدة بعد 33 عاما من الحكم الاستبدادي. وحتى الآن، يتمثل التحدي الأبرز الذي يواجه هادي في إعادة إصلاح القوات المسلحة اليمنية الممزقة، لكنه في الوقت الذي أحرز فيه بعض النجاحات، لا تزال القوات اليمنية منقسمة وتدين بالولاء إلى القادة الموالين والمناوئين لهادي الذي تولى منصبه في فبراير (شباط) من العام الحالي.

ما يجري هنا في أرحب، الواقعة على بعد 15 ميلا شمال العاصمة، هو امتداد للمواجهات العسكرية، تغذيها انقسامات القوات المسلحة، التي قسمت صنعاء وأصابت الحكومة بالشلل.

ويرى مسؤولون وقادة قبليون ومحللون يمنيون، أن هذا الصراع على السلطة، ظهر تأثيره جليا في القتال ضد «القاعدة»، حيث نشر الجزء الأكبر من القوات المسلحة المدربة بما في ذلك الكثير من وحدات مكافحة الإرهاب التي تلقت تدريبها في الولايات المتحدة، في العاصمة وفي أرحب لحفظ النفوذ السياسي لقادتهم بدلا من القتال في الجنوب ضد «القاعدة في اليمن» الذي دأب على استهداف الولايات المتحدة. وفي المحاولة الأخيرة، أحبط عملاء سعوديون محاولة لتفجير طائرة أميركية. وخلال الأسابيع الأخيرة، صعدت إدارة أوباما من حملة الطائرات من دون طيار وأرسلت مجموعات صغيرة من المدربين العسكريين والمستشارين لمساعدة الجيش اليمني، بما في ذلك بعض الأشخاص الذين وصلوا هذا الشهر. لكن الحرب البرية، على الرغم من تصاعدها في الأيام الأخيرة لم تتمكن من كسر شوكة الإرهابيين، الذين تمكنوا من السيطرة على مزيد من الأراضي وبسط نفوذهم العام الماضي.

ويقول عبد الغني الإرياني، المحلل السياسي البارز: «سحبت التوترات حول صنعاء الموارد من الحرب ضد الإرهابيين في الجنوب».

يمثل أحد طرفي النزاع في أرحب، رجال قبائل مرتبطين بحزب «الإصلاح الإسلامي» الأقوى نفوذا في البلاد، وعلي محسن الأحمر، اللواء المنشق. وعلى الجانب الآخر، يوجد الحرس الجمهوري الذي يقوده أكبر أبناء علي عبد الله صالح، أحمد علي صالح.

ويقول الإرياني: «إنهم بيادق في المنافسة بين فصيلي النظام».

تتمتع أرحب بأهمية استراتيجية لأنها قريبة من المطار الدولي في العاصمة وتضم أهم قواعد الحرس الجمهوري في المنطقة. وهي أيضا مسقط رأس رجل الدين البارز عبد المجيد الزنداني، التي تنعته الولايات المتحدة بالإرهاب على خلفية الشكوك بصلاته بالإرهاب.

بدأ الصراع في أرحب خلال الصيف، بعد انضمام محسن واللواء المدرع الأول إلى الثورة المؤيدة للديمقراطية، وبعد قتل الحكومة لعشرات من المتظاهرين في صنعاء وتعز. وقد انحاز الزنداني، الذي يشكل أحد قيادات حزب الإصلاح مثل محسن، إلى جانب المتظاهرين.

انحاز رجال القبائل في أرحب إلى المتظاهرين، وهبوا لمنع قوات الحرس الوطني من دخول العاصمة وسحق الثورة. وقد شن رجال القبائل هجمات على القواعد الجبلية لقوات النخبة وأطلقوا صواريخ وقذائف مورتر على «القاعدة». ورد الحرس الجمهوري بدك الوادي بدانات المدافع والضربات الصاروخية. وقد ترك الآلاف من المصريين، وسعى الكثير من السكان إلى البحث عن ملاذات في الكهوف، دون ماء أو كهرباء وطعام قليل.

اندلع القتال حتى بعد اتفاق نقل السلطة - الذي تم التوصل إليه بوساطة من دول الخليج والولايات المتحدة - والذي مهد الطريق لتنحي صالح عن الحكم في نوفمبر (تشرين الثاني).

وقد فاجأ هادي، خليفة صالح الذي تم انتقاؤه بعناية، منتقديه عندما أطاح بأخي صالح غير الشقيق وابن أخيه من منصب رفيع في القوات المسلحة. بيد أنه لم يحاول إقالة أحمد علي صالح أو أبناء عمومته الآخرين الذين يسيطرون على وحدات قوية في الجيش.

يرى رجال القبائل في أرحب، الحرس الجمهوري رمزا للنظام القديم. ويشير السكان في الوادي إلى القوات على أنها «حرس الأسرة».

وقال منصور علي الحانق، الزعيم القبلي الذي يقود القتال في أرحب: «لن تكون البلاد آمنة ومستقرة حتى يتنحى باقي أفراد الأسرة الآخرين من مناصبهم. فهم لا يتبعون أوامر وزارة الدفاع أو الرئيس لأنهم يتبعون أوامر علي عبد الله صالح».

تحدث الحانق، عضو البرلمان عن حزب الإصلاح، من قصره في صنعاء الذي يخضع لحماية جنود محسن. وأشار إلى أنهم يسعون إلى طرد قوات الحرس الجمهوري من قواعدهم والحصول على تعويضات للعائلات التي فقدت أبناءها وممتلكاتها.

قال قادة الحرس الجمهوري في القاعدة العسكرية الرئيسية في أرحب، التي تعرضت لقصف المدفعية الثقيلة وقذائف الهاون، إنهم يحمون الدولة من الحزب الإسلامي الذي اتهموه بدعم «القاعدة»، بينما أوضح رجال القبائل المرتبطون بحزب الإصلاح أنهم يرغبون في الحصول على الأرض والنفوذ.

يقول العقيد أحمد حمود جبار، الذي يرأس القاعدة: «إنهم يرغبون في الاستيلاء على المطار وتدمير العاصمة».

لا يزال علم علي عبد الله صالح يرفرف في بعض نقاط التفتيش التابعة للحرس الجمهوري، ولا تزال دبابات الحرس الجمهوري تتمركز خارج القرى المعادية.

ويقول شهاب أبو غانم، (32 عاما)، تاجر: «لن يتغير شيء ما لم يتوحد الجيش ويخضع لعملية إصلاح وتخضع للقيادة السياسية».

سوف يتطلب ذلك على الأرجح تنحي محسن وأحمد علي وأبناء عمومته. فقد قسمت هذه القوات إلى جانب رجال القبائل التابعين للعائلات ذات النفوذ الأقوى في اليمن، عائلة الأحمر (لا علاقة لها بمحسن) العاصمة والأطراف المحيطة بها. ويشير المحللون إلى أن نقض هذا التوازن الهش للقوة سريعا قد يولد مزيدا من العنف والتوترات السياسية ومزيدا من تقوض سلطات هادي.

وفي الوقت الذي يسهمون فيه في الحفاظ على الهدوء النسبي، تنتشر الكثير من قوات النخبة اليمنية لمواجهة المقاتلين. وللتأكيد على أهمية العاصمة وأرحب لوجودهم السياسي، أرسل كل من محسن - الذي يشارك حزبه، «الإصلاح»، في الحكومة الائتلافية لهادي - وأحمد علي وحدة عسكرية واحدة إلى الجنوب، بحسب مسؤول يمني بارز مقرب من الرئيس هادي، طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية القضية. وتتمتع قوات محسن، على وجه الخصوص، بخبرة وفيرة في الحرب ضد الإرهاب، فقد خاضوا ستة حروب مدنية ضد المتمردين الحوثيين في الجنوب.

وقال البركاني، مسؤول بارز في الحزب الحاكم: «ستزداد (القاعدة) قوة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه في العاصمة».

وحتى إذا وحدت القوات المسلحة، فإن الأثر النفسي ربما يظل باقيا في أرحب. فقد عانت عشرات النساء الحوامل حالات الإجهاض نتيجة القصف المدفعي، بحسب السكان. فدمرت مضخات المياه، والمستشفى الطبي الوحيد في المنطقة.

وقبل 20 يوما، عاد علي أحمد المراني مع عائلته إلى مسقط رأسه في قرية شعب بأرحب، التي كان يعيش بها في السابق 83 من أقاربه، لكن الآخرين يخافون من العودة. فالمنزل كان مليئا بالحطام والقذائف ولم يتبق منه سوى ثلاث غرف فقط.

وقال المراني، محدقا إلى قاعدة الحرس الجمهوري التي تعلو سفح جبل فوق منزله: «ما هي جريرتنا؟ هل كل ذلك بسبب وقوفنا إلى جانب الثورة؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»