انتخاب نيكوليتش رئيسا لصربيا اختبار للائتلاف الحكومي المؤيد لأوروبا

وعد الرأي العام بـ«البحث عن أصدقاء» في منطقة اليورو رغم التشكك في نواياه

رئيس صربيا الجديد توميلاسف نيكوليتش القومي الشعبوي (رويترز)
TT

حذر محللون من أن فوز القومي الشعبوي توميلاسف نيكوليتش في الانتخابات الرئاسية في صربيا قد يشتت غالبية حكومية مؤيدة لأوروبا تم تحقيقها قبل الاقتراع بين منافسه بوريس تاديتش وحلفائه الاشتراكيين. وبعد الانتخابات العامة في السادس من مايو (أيار) اتفق تاديتش والاشتراكيون، ثاني وثالث قوة برلمانية على التوالي على استمرار تحالفهم الحكومي الذي كان في السلطة خلال السنوات الأربع الأخيرة. ومع انتخاب نيكوليتش رئيسا لصربيا يتوقع المحللون أن يكلف حزب التقدم القومي الصربي الذي يتزعمه تشكيل حكومة. ولهذا الحزب أكبر عدد من النواب يبلغ 73 من أصل 250. ووفقا للدستور، سينتمي رئيس الوزراء إلى الحزب الذي سيكون قادرا على تشكيل غالبية برلمانيةم ما يضع الحزب الاشتراكي في موقع قوة بفضل نوابه الـ45. وقال المحلل السياسي فلاديمير تودوريتش إن «كل شيء رهن بقرار الاشتراكيين إذا ما احترموا الاتفاق المبرم» مع الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه تاديتش.

وفي تسعينات القرن الماضي أثناء النزاعات الدامية في يوغوسلافيا السابقة وعزلة صربيا سياسيا واقتصاديا، تحالف نيكوليتش وحزبه مع اشتراكيي الرجل القوي السابق في بلغراد سلوبودان ميلوشيفيتش.

واليوم رغم الفوز غير المتوقع لنيكوليتش أمام تاديتش، سيكون مفتاح استقرار البلاد بأيدي الحكومة الجديدة. وبحسب الدستور يتمتع الرئيس بدور شرفي في حين تدير الحكومة شؤون البلاد.

ويقول المحلل السياسي سلافيسا أورلوفيتش «على الحكومة وضع النهج السياسي للبلاد وتطبيقه».

ويعتبر المحلل ديان فوك ستانكوفيتش أن الرئيس الجديد لن يتردد في استخدام نفوذه لجذب الاشتراكيين لتشكيل غالبية مع حزبه. وقبل إعلان النتائج أكد الزعيم الاشتراكي ايفيتشا داتشيتش نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في الحكومة المنتهية ولايتها أن التحالف مع تاديتش متين «مهما كانت نتائج الانتخابات الرئاسية».

من جهته قال دوسان باياتوفيتش الرجل الثاني في الحزب الاشتراكي «ليس هناك أي سبب للتخلي عن اتفاقنا. لن يكون التعايش سيئا للعملية الديمقراطية في صربيا».

أما عالم الاجتماع فلاديمير فوليتيتش فهو أكثر تشاؤما ويرى أن «أزمة سياسية جدية تلوح في الأفق». وحذر من أنه «من المهم أن نرى ما إذا ستكون الحياة السياسية ساحة توترات وخلافات بين الرئيس والحكومة». وبعد إعلان نتائج الاقتراع أراد نيكوليتش طمأنة الرأي العام، وقال إن «صربيا ستبقى على خطها الأوروبي.. إن هذه الانتخابات لم تجر لمعرفة من سيقود صربيا إلى الاتحاد الأوروبي، بل لمعرفة من سيسوي المشكلات الاقتصادية».

وفي حين كانت استطلاعات الرأي تتوقع فوز الرئيس المنتهية ولايته بوريس تاديتش، ساهمت نسبة المشاركة الضعيفة في الاقتراع بهزيمته، لأن الناخبين القوميين أكثر انضباطا أثناء الانتخابات.

وقال المحلل السياسي سلوبودان انتونيتش «إنه زلزال انتخابي ونتائج غير متوقعة على الإطلاق». وعلاوة على التقارب الأوروبي، على الرئيس والحكومة الجديدين تطبيق إصلاحات موجعة على وجه السرعة لإخراج بلد سكانه 7.5 مليون نسمة من أزمة اقتصادية في ظل نسبة البطالة التي بلغت 24 في المائة! وهي من أعلى النسب المسجلة في أوروبا.

وسارع نيكوليتش الذي يشكك كثيرون في عدم صدق توجهه نحو أوروبا إلى طمأنة الراي العام. وقال إن «صربيا ستبقي على خطها الأوروبي.. إن هذه الانتخابات لم تجر لمعرفة من سيقود صربيا إلى الاتحاد الأوروبي، بل لمعرفة من سيسوي المشكلات الاقتصادية التي تسبب بها الحزب الديمقراطي» الذي يتزعمه تاديتش. وأضاف أن «على صربيا تطوير اقتصادها والقضاء على الفقر. علينا أن نباشر العمل للتخلص من الفساد». وبعد أن كان نيكوليتش طيلة سنوات الذراع الأيمن للقومي المتشدد فويسلاف سيسيلي في الحزب الراديكالي الصربي، أسس حزب التقدم الصربي في عام 2008. وغالبا ما يبدو نيكوليتش الطويل القامة والقاسي الملامح، عابس الوجه وابتسامته مصطنعة في الملصقات الانتخابية.

كما يعرف نيكوليتش بتصريحاته المتسرعة. فقد أعلن أمام البرلمان في السابق أنه من الأفضل لصربيا أن تكون «محافظة روسية» على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. إلا أنه غير لهجته وبات يشدد على أهمية الاتحاد الأوروبي من أجل إعادة إطلاق الاقتصاد الصربي. وصرح نيكوليتش مؤخرا «يجب أن ننضم إلى الاتحاد الأوروبي فلديه مشاريع واستثمارات من اجلنا».

ويعتبر نيكوليتش استقلال كوسوفو في عام 2008 خطا أحمر وذلك بعد رفض صربيا الاعتراف به.

وكان صرح مؤخرا «إذا قالوا إن بإمكاننا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لكن كوسوفو ليست تابعا لنا فسنقول لهم شكرا وإلى اللقاء فنحن سنختار طريقنا». إلا أنه خفف من حدة لهجته حول كوسوفو وأقر بأنه من المنطقي التفاوض مع السلطات في كوسوفو حول وضع الإقليم. وعول نيكوليتش بحسب منتقديه على استياء الصرب من تدهور الوضع الاقتصادي الذي يحمل مسؤوليته إلى الرئيس المنتهية ولايته. ومع عدم تحديد موقف نيكوليتش جيدا فيما يتعلق بالمباحثات مع كوسوفو، أصدر الاتحاد الأوروبي اليوم تحذيرا من أن المزيد من التطبيع مع كوسوفو إلى جانب الإصلاحات الأخرى يظل شرطا للعلاقات الوثيقة.

وقال رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي ورئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو بشكل مشترك «سوف تحتاج صربيا إلى استمرار إظهار التزامها بروح التعاون والمصالحة في المنطقة» من أجل بدء مباحثات الانضمام مع الاتحاد الأوروبي. وأكد رومبوي وباروسو «سيكون من الضروري» رؤية المزيد من الإصلاحات السياسية «والمزيد من التقدم في الحوار بين بلغراد وبريشتينا من أجل تنمية منظورة ومستدامة للعلاقات».