ماماتا بانيرجي رئيسة حكومة ولاية البنغال.. القوة الصاعدة في السياسة الهندية

اسمها على قائمة الشخصيات الـ100 الأكثر نفوذا في العالم والـ25 بين أقوى 50 مديرا تنفيذيا

بانيرجي تعد تجسيدا للتغيير الجذري (وشنطن بوست)
TT

رغم أنها قضت حياتها في محاربة الشيوعيين، فإنها تعتبر العقبة الرئيسية في طريق التحرر الاقتصادي في الهند في الوقت الحالي، ورغم أنها زعيمة حزب إقليمي صغير فإنها تعد أكثر نفوذا من رئيس الوزراء.

إنها ماماتا بانيرجي، رئيسة حكومة ولاية غرب البنغال، التي تعتبر القوة الصاعدة في الساحة السياسية الهندية، والتي أجرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون زيارة خاصة لكلكتا في الشهر الجاري للاجتماع بها.

تبلغ بانيرجي من العمر 57 عاما وتتميز بالتصميم والعمل الدؤوب والإصرار على العمل الشعبوي، ولكنها تتصف في الوقت عينه بغرابة الأطوار وعدم التسامح مع المعارضة. تمتلك بانيرجي ميزان القوة في الحكومة الاتحادية الهندية، حيث قامت باستخدام هذه القوة السياسية بصورة فعالة للغاية. وبمرور الوقت، تعثرت مساعي رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ الرامية إلى تقديم إصلاحات اقتصادية بسبب معارضة بانيرجي، التي قامت مجلة «التايم» بإدراج اسمها على قائمة الشخصيات الـ100 الأكثر نفوذا في العالم، بينما احتلت المركز 25 بين قائمة أقوى 50 مديرا تنفيذيا، في استطلاع أجرته إحدى الصحف الهندية الرائدة في الأسبوع الماضي، حيث وصفتها الجريدة بأنها تعد أكبر حجر عثرة في طريق تحقيق النمو الاقتصادي.

تعد بانيرجي تجسيدا للتغيير الجذري الذي حدث في السياسات الهندية، والمتمثل في تراجع حصة الحزبين السياسيين الرئيسيين في البلاد من أصوات الناخبين وتزايد نفوذ الأحزاب الإقليمية.

تثير بانيرجي مخاوف البعض من احتمال قيامها بتفتيت السياسة الهندية لدرجة تصبح معها الهند غير قابلة للحكم تقريبا، حيث ستؤدي محاولات الساسة «الشعبويين» لتلبية بعض المصالح المحلية إلى منع اتخاذ بعض القرارات السياسية الهامة.

وفي أول مقابلة هامة لها مع إحدى الصحف الأجنبية، تقول بانيرجي: «نحن لسنا ماركسيين أو رأسماليين، نحن نعمل مع الناس الفقراء. سياستنا شديدة الوضوح: وهي أي سياسة تناسب الناس وأي سياسة تناسب الظروف وأي سياسة تناسب ولايتي».

انتزعت بانيرجي، التي يطلق عليها «ديدي» أو الشقيقة الكبرى، السلطة في شهر مايو (أيار) الماضي من الحكومة الشيوعية التي حكمت ولاية غرب البنغال لفترة 34 عاما. لم تكن بانيرجي أفضل ممن سبقوها في مجالات الأعمال والاستثمار، وهو ما كان بمثابة خيبة الأمل لهؤلاء الأشخاص الذين تمنوا أن تؤدي هزيمة الشيوعيين في أهم معاقلهم في إعادة إحياء منطقة شرق الهند. وعلى المستوى الوطني، ورغم فوز حزب بانيرجي بـ19 مقعدا فقط من مقاعد البرلمان البالغ عددها 543 مقعدا، فإنها تتمتع بنفوذ هائل في البلاد.

أعلنت حكومة سينغ في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عن بعض الإصلاحات التي طال انتظارها، والتي تتمثل في السماح لسلاسل المحلات العالمية، مثل «وول مارت»، بالعمل في الهند، ولكن بعد مضي 12 يوما فقط، وانطلاقا من قلقها على مستقبل أصحاب المحلات الصغيرة في ولايتها، أجبرت بانيرجي الحكومة على التراجع عن هذه الإصلاحات. وانطلاقا من حرصها على حماية الفقراء، قامت بانيرجي بالتصدي لبعض مساعي رفع أسعار الغاز، رغم مبالغ الدعم الضخمة التي تتحملها موارد الحكومة، ثم رفضت بعدها أيضا تبني زيادة طفيفة في تعريفة السكك الحديدية. تعارض بانيرجي التشريعات الرامية إلى فتح قطاعات المصارف والتأمين والمعاشات في الهند أمام المزيد من الاستثمارات الأجنبية. وقامت كلينتون بمعانقة بانيرجي بحرارة، في خطوة ربما تنم عن ذكاء دبلوماسي حاد، أو تشير إلى وجود علاقات شخصية حقيقية بين بانيرجي ووزيرة الخارجية الأميركية التي وصفت محادثاتهما التي استمرت لساعات بالتجربة «المميزة»، التي تتميز بـ«الدفء والحيوية والنشاط».

تحدثت كلينتون عن «الرابط المشترك» الذي يجمعها مع كافة النساء اللاتي قمن بكسر حواجز التمييز وتحدين ببسالة نار السياسات الانتخابية. وبالفعل، تزعم بانيرجي أنها المرأة الوحيدة التي سطع نجمها في الحياة السياسية في جنوب آسيا من دون أن تكون أرملة أو ابنة أو صديقة سابقة لزعيم كبير.

بانيرجي هي ابنة معلمة فقيرة ولم تتزوج قط ولا تزال تعيش في غرفة واحدة تبلغ مساحتها 8 أقدام في 8 أقدام في أحد أحياء كلكتا إلى جوار خزان مفتوح كريه الرائحة. فازت بانيرجي بعضوية البرلمان عن «حزب المؤتمر الهندي» عندما كانت في التاسعة والعشرين من عمرها. استقالت بانيرجي من الحزب في عام 1997 بسبب ما وصفته بالرفض غير العادل للاعتراف بالدور القيادي الذي تلعبه ولاية البنغال الغربية، ثم قامت بتأسيس حزبها الخاص «حزب مؤتمر ترينامول» لمعارضة الشيوعيين.

كان الشيوعيون يسيطرون على كافة مناحي الحياة في ولاية البنغال الغربية خلال فترة حكمهم الطويلة للولاية، حيث قاموا بتسييس الشرطة ونظام التعليم عن طريق تعيين أعضاء الحزب في المناصب الرئيسية، بالإضافة إلى منع تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية في الولاية لمدة 25 عاما. زاد تأثير نقابات العمال النشطة بصورة كبيرة، لدرجة أنها أصبحت تقوم فعليا بإدارة مصانع هذه الولاية التي يبلغ عدد سكانها 91 مليون نسمة.

تشير بانيرجي إلى الندوب الموجودة في مرفقيها والأضرار التي لحقت بمعصميها، وتتذكر قيامها بحماية رأسها من الضربات المتكررة بالعصي والقضبان الحديدية خلال المظاهرات، التي كانت تدخل على أثرها المستشفى في كثير من الأحيان. كادت بانيرجي أن تلقى حتفها إثر قيامها بالإضراب عن الطعام لمدة 26 يوما.

لا تزال بانيرجي تحظى بشعبية كبيرة بين الفقراء، ولكن قراراتها الشعبوية وتعصبها المتزايد ضد المعارضة أدى إلى نفور الكثير من البنغاليين من أبناء الطبقة المتوسطة، الذين رحبوا بالانتصار الذي حققته في العام الماضي. وأثناء وجودها في صفوف المعارضة، كانت بانيرجي مدافعة شرسة عن حقوق الفلاحين ضد المحاولات الخرقاء من جانب الصناعة والحكومة للاستيلاء على أراضيهم لإفساح المجال أمام المصانع، حيث أجبرت شركة «تاتا موتورز» على التخلي عن خططها الرامية إلى إقامة مصنع للسيارات في عام 2008. ولكن بعد دخولها الحكومة، فشلت بانيرجي في توفير بديل عملي لسياسة الاستحواذ، مما شكل عائقا أمام الاستثمارات التي تعتبر هذه الدولة الفقيرة والمكتظة بالسكان في أشد الاحتياج إليها، وفقا لكبار رجال الأعمال. وتحت الحكم الشيوعي، كان من المقرر أن تقوم شركة الخدمات التكنولوجية «إنفوسيس» بإنشاء مركز لتطوير البرمجيات، والذي كان من المفترض أن يوفر أكثر من 10000 فرصة عمل. ونتيجة لرفض بانيرجي إعطاء الشركة وضع منطقة اقتصادية خاصة، قامت شركة «إنفوسيس» في الشهر الماضي بتجميد المشروع «إلى أجل غير مسمى».

تقول بانيرجي إن الشيوعيين قد تركوا لها الولاية مفلسة، تأن تحت وطأة ديون تصل إلى 40 مليار دولار. لا يزال العدد الكبير من المصانع المهجورة يمثل مشكلة حقيقية في كلكتا، في دلالة إلى عقود من سوء الإدارة الاقتصادية تحت الحكم الشيوعي.

يؤكد المنتقدون أن بانيرجي لا تمتلك استراتيجية لإصلاح هذه الأضرار، بينما تقول بانيرجي إنها لا تستطيع منح إعفاءات ضريبية للصناعة وإنها استطاعت تدبير الأموال اللازمة لتوظيف 90000 معلم وفرد شرطة إضافي وإعطاء رواتب شهرية للأئمة المسلمين وإزالة كافة المظاهر المتبقية من الحكم الشيوعي، بصورة رمزية، من خلال دهان كافة الحواجز والجسور في كلكتا باللون الأزرق.

يقول المنتقدون: إنه رغم الاحترام الواسع الذي تحظى به حكومتها، فإن وزراءها يبقون عاجزين، حيث إنها هي الشخص الوحيد في الحكومة القادر على اتخاذ القرارات الحقيقية.

يقول رجل الأعمال البارز سودهير جالان: «تتمتع بقدر هائل من الذكاء الريفي، ولكن لا يزال أمامها الكثير من الوقت لكي تتفهم بصورة صحيحة حقيقة الموقف الاقتصادي الذي تواجهه». واضاف جالان أن بانيرجي قد بدأت بالفعل في تبني سياسات أكثر مرونة تجاه الصناعة، وهو ما يؤكد إدراكها لوجود مشكلة، رغم عدم قدرتها بعد على التوصل لحل لها.

تقوم بانيرجي ببذل قصارى جهدها لجذب المستثمرين الأميركيين، حيث تقول: «لا يمكننا أن نعرض ما قد تعرضه الولايات الأخرى بسبب وضعنا، إلا أنه بوسعنا التعاون معهم من القلب. بوسعنا الوصول إلى قلبك ولكن ليس بصورة اقتصادية».

لا تزال بانيرجي مصممة على الوفاء بتعهداتها الانتخابية، وهو ما يعني عدم التصريح بعمل المتاجر الأجنبية في الهند، حيث تقول: «أنا على استعداد للموت، ولكني لا أستطيع خداع الناس».

إن شعور بانيرجي بالريبة من أي نقد وإحساسها بأن كل من يجرؤ على معارضتها ما هو إلا جزء من مؤامرة شيوعية كبيرة هو ما أدى إلى استعداء المثقفين ضدها، في مركز من أهم المراكز الثقافية في الهند. عندما تعرضت امرأة للاغتصاب الجماعي، اتهمتها بانيرجي باختلاق القضية لـ«تشويه صورة» حكومتها، ولكن عندما قام أستاذ كيمياء بمشاركة رسم كاريكاتيري عبر البريد الإلكتروني يسخر من رئيسة الحكومة، تعرض للضرب من قبل أعضاء حزبها وتم القبض عليه.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»