مصادر دبلوماسية أوروبية: «الثماني» و«الأطلسي» يتوصلان إلى «إجماع الحد الأدنى» في الأزمة السورية

قالت إن روسيا أصبحت «الرقم الصعب».. ولم تستبعد قبولها تغيير النظام «عندما تتوفر الشروط»

وفد المراقبين الدوليين أثناء جولتهم في درعا أمس (أ.ب)
TT

قالت مصادر دبلوماسية أوروبية إن ما صدر عن الاجتماعات الدولية الأخيرة بخصوص سوريا «لم يتخط الحد المتوقع له»، وهو يمثل «إجماع الحد الأدنى». واعتبرت هذه المصادر أن الدول الغربية، ممثلة بالثلاثي الأميركي - الفرنسي - البريطاني، «اضطرت لتقديم تنازلات» للطرف الروسي في قمة مجموعة الثماني لتوافق موسكو على البيان بالصيغة التي صدر فيها. كذلك فإن تجديد تأكيد أندرس فوغ راسموسن، أمين عام الحلف الأطلسي، في قمة شيكاغو، قرار الحلف عدم التدخل في سوريا، يجعل أي عمل عسكري في هذا البلد «بعيد المنال».

وأفادت المصادر بأن القمتين «لم تحملا جديدا»، وأن التركيز على دعم خطة المبعوث الدولي العربي كوفي أنان يعني أنه «لا بديل عنها في الوقت الحاضر، على الرغم من معرفة الجميع أنها صعبة التطبيق»، حتى مع وصول نحو 260 مراقبا دوليا إلى سوريا واكتمال وصول المراقبين الآخرين في الأيام القلية الماضية.

وتعزو هذه المصادر «اعتدال» الموقف الغربي من سوريا إلى مجموعة من العوامل المتشابكة الداخلية والخارجية، التي تتضافر كلها لتعكس «العجز» عن التأثير المباشر في مسار الأزمة السورية في الظروف الراهنة. وترى المصادر الأوروبية أن العنصر الرئيسي في المعادلة الحالية يتمثل في أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، قبل خمسة أشهر ونصف من الانتخابات الرئاسية، غير مستعد لمغامرة عسكرية جديدة لا في سوريا ولا في إيران، خصوصا أنه يركز دعايته الانتخابية على أنه «أنهى» التدخل العسكري الأميركي في العراق، وهو بصدد وضع حد له في أفغانستان، ولذلك فإن الموقف الأميركي من سوريا يتميز بـ«تحفظه»، باستثناء التصريحات التي تطلق من هنا وهناك وليس لها تأثير حقيقي.

وبرأي المصادر الأوروبية فإنه إذا كانت واشنطن «لا تريد التدخل عسكريا» فمن «الطبيعي» أن يردد الحلف الأطلسي أنه لا خطط عسكرية له في سوريا، حتى لو كان ذلك من باب إقامة ممرات إنسانية أو مناطق آمنة أو إيصال المساعدات، لأن كلها تفترض وجود قوات عسكرية بشكل أو بآخر.

وعبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، أندرس فوغ راسموسن، في مؤتمر صحافي خلال قمة الحلف في شيكاغو مساء أول من أمس، عن قلقه من العنف في سوريا، لكنه أكد أن الحلف «لا ينوي» القيام بأي عمل عسكري ضد النظام السوري.

وقال راسموسن: «ندين بشدة سلوك قوات الأمن السورية وقمعها السكان، وندعو القيادة السورية إلى تلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري.. لكن الحلف الأطلسي ليس لديه نية للتدخل في سوريا». ودعا النظام السوري إلى تطبيق خطة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، وقال إن «السبيل المثلى للتوصل إلى حل في سوريا هو من خلال خطة أنان».

وتشير المصادر الأوروبية إلى أن هناك عوامل أخرى تقف خلف قرار الحلف، منها حاجته لمراعاة موقف موسكو في 3 ملفات أساسية، هي: انسحاب القوات العاملة في أفغانستان، وتفادي إثارة المزيد من المشكلات مع الجانب الروسي في موضوع نشر الدرع الصاروخية الأطلسية في أوروبا، التي كانت أحد مواضيع النقاش في قمة شيكاغو، وأخيرا الملف النووي الإيراني.

ويحتاج الأطلسي لروسيا لإخراج قواته (130 ألف رجل) وأسلحته ومعداته من أفغانستان التي يفترض أن ينتهي وجوده العسكري فيها مع نهاية عام 2014. وبالنظر للعلاقات المتقلبة مع باكستان، فإن الأطلسي بحاجة للمرور في الأراضي الروسية. كذلك، فإن الأطلسي يحتاج إلى «تهدئة» روسيا حتى «تهضم» إقامة الدرع الصاروخية، القائمة على نصب شبكة رادارات على الأراضي التركية مع منصات صاروخية في أوروبا.. وتعارض موسكو بقوة الخطط الأطلسية وتهدد بالرد عليها.

وأخيرا، فإن الدول الغربية الأربع (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية) تحتاج لتعاون روسيا (والصين) في الملف النووي الإيراني للمحافظة على موقف دولي موحد في مواجهة طهران. وسيعقد غدا اجتماع مهم في بغداد استكمالا لاجتماع إسطنبول الشهر الماضي، الذي وصفه الغربيون بأنه كان «بناء». ويعول هؤلاء على «تعاون» موسكو لتبقى المناقشات في بغداد ضمن إطار مجموعة الست، بحيث لا يفوض كل طرف من جانبه.

وترى المصادر الغربية أن الفقرة الوحيدة في بيان قادة مجموعة الثماني التي تفوح منها رائحة «التهديد» تتحدث عن أن الثماني «عازمة على اتخاذ تدابير إضافية (بحق سوريا) إذا دعت الحاجة»، من غير تحديد نوعية هذه التدابير.. وهي الفقرة المأخوذة حرفيا من الفقرة النهائية للقرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2042 بتاريخ 21 أبريل (نيسان) الماضي. وسارعت موسكو بلسان مستشار الكرملين ميخائيل مارغيلوف إلى تفسير فهمها لبيان الثماني بالقول إنه «لا مجال لتغيير النظام السوري بالقوة»، وإنه «يعود للسوريين أن يتدبروا شؤونهم بأنفسهم».

وتعتبر المصادر الأوروبية أن الطرف الروسي يبدو اليوم - أكثر من أي زمن مضى - «الرقم الصعب» في إيجاد مخرج للأزمة السورية المستمرة منذ 14 شهرا. وبعد أن عزت هذه المصادر تشدد موسكو خلال الأشهر الماضية للحملة الرئاسية التي أعادت فلاديمير بوتين إلى الكرملين، ترى اليوم أن ثمة «إمكانية ما» لتقبل موسكو «حلا سياسيا» يمر عبر انتقال «منظم» للسلطة ولا يفتح الباب أمام الفوضى.

وتكمن المشكلة، وفق المصادر المشار إليها، في معرفة ما إذا كانت روسيا ترى أن الوقت قد حان للسير في حل كهذا وفي «تظهير» صورته وتحديد شروطه، وأولها المحافظة على المصالح الروسية في سوريا والمنطقة على السواء، والحصول على تطمينات وافية بشأنها من الطرف الأميركي.