ما يمكن أن يفعله رئيس مصر القادم مع قضايا الداخل والخارج

وسط ترقب وجدل حول صلاحياته وتوجهاته السياسية

عائلة مصرية تمر بجوار ملصق دعائي للمرشح الرئاسي أحمد شفيق بوسط القاهرة أمس (أ.ب)
TT

في صالون حلاقة «الجنتل» في شارع العروبة المتفرع من كورنيش المعادي بالقاهرة، كان آخر شيء يمكن أن يتحدث عنه الشبان السبعة الساهرون هنا، عشية انتخابات الرئاسة، هو موضوع العداء بين مصر والمجتمع الدولي. ووسط ترقب إقليمي ودولي، وجدل في الداخل حول صلاحياته وتوجهاته السياسية، يحتاج سؤال بشأن ما يمكن أن يفعله رئيس مصر القادم مع القضايا العالقة لإجابات واضحة.

ولا يمكن أن تجد ردودا قاطعة على ضفاف النيل التي زاحمته لافتات المرشحين، إلا في ما يتعلق بشكل علاقة القاهرة مع تل أبيب وواشنطن، على عكس القلق الذي تتحدث عنه تقارير إسرائيلية وأميركية. ببساطة. ومن أول صالون «الجنتل»، حتى مبنى البرلمان وتجمعات السياسيين الأخرى توجد طمأنينة بأن علاقة مصر بالخارج ستكون كما هي غالبا، دون تغيير لـ«السلام» مع تل أبيب ولا «العلاقة الاستراتيجية» مع أميركا، خلال السنوات الأربع المقبلة، على الأقل.

ويعتقد عباس مخيمر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشعب أن الرئيس القادم، يجب أن يكون اهتمامه بالعلاقات الخارجية «اهتماما واسعا وجيدا جدا مع كافة الأطراف»، وأن يكون حكما في الداخل بين السلطات بحيدة كاملة، وأن يكون على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية.

وعن مخاوف البعض من أن يأتي رئيس يتسبب في صدام مصري مع دول بالمنقطة مثل إسرائيل، أو مع الولايات المتحدة الأميركية، قال: «لا أعتقد أن أي رئيس سيفكر في أن يصطدم أو أن يوجِد مشكلات، لأننا في مرحلة بناء ومرحلة تنمية ونمر بعنق زجاجة معين».

وكان الرئيس السابق حسني مبارك، وهو رابع رئيس ذي خلفية عسكرية منذ نصف القرن الماضي، محافظا على اتفاقية كامب ديفيد مع تل أبيب، وعلى العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن. وخاضت مصر، وهي في ظل حكم ملكي، حربا وحيدة مع بداية نشأة إسرائيل، عام 1948. ومنذ تولى الجيش السلطة عام 1952، تسببت مواقف مثل إغلاق قناة السويس، والدعوة لإلقاء إسرائيل وراء البحر، في عدوان من إسرائيل وحلفائها الغربيين على مصر.

ويقول المراقبون إن أول انتخابات رئاسية حرة في تاريخ البلاد، سوف تفرز قائدا جديدا للدولة التي تجاور إسرائيل، ويمر من أراضيها أهم مجرى ملاحي دولي، لكن غياب دستور دائم للبلاد، يجعل صلاحيات الرئيس في اتخاذ القرارات الجوهرية داخليا وخارجيا، غير واضحة.

وخرجت تقارير في وسائل إعلام إسرائيلية وغربية تتخوف من أن يؤدي فوز أحد الشخصيات بعينها برئاسة مصر، في التسبب في قلاقل بالمنطقة. وتطرقت اجتماعات للجان أمنية مصرية متخصصة في الأسبوعين الماضيين إلى أن المشكلات مع إسرائيل يمكن أن تأتي إذا تقرر قطع علاقات السلام معها الموقعة منذ عام 1979، أو من خلال انفتاح الحكام المنتخبين على دول في عداء مع العرب والمجتمع الدولي مثل إيران الداعمة لحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية.

لكن مخيمر قال: «لا أعتقد أنه سيكون هناك صدامات مع أحد، ولكن سيكون الأمر منصبا على المطالبة بضرورة احترام حقوق الإنسان (في الأراضي المحتلة)، وهذا أمر يطالب به الجميع»، مشيرا إلى أنه «من المؤكد أن العلاقات المصرية الأميركية ستستمر هي نفس العلاقة الاستراتيجية، ولا يوجد ما يدعو لخلق مشكلات مع أحد، ويجب أن تكون علاقتنا الدولية كلها متوازنة، ويراعى فيها مصالح مصر العليا».

وعن رؤيته لكيفية إدارة رئيس شؤون دولة دون أن تكون له صلاحيات واضحة ومحددة في دستور دائم، قال إن هذه مسألة وقت بسيط، وإن الأمور ستفضي إلى إنجاز الملفات العلاقة بما فيها وضع دستور دائم للبلاد. لكن حتى هذا الأمر لا يبدو أنه سهل المنال، بسبب مخاوف من أن يظل المجلس العسكري الحاكم واقفا وراء كرسي الرئيس، والشباب دون عمل ولا أمل في المستقبل، كما كان الحال في السنوات الأخيرة من حكم مبارك.

ويتوقف أحد الشبان في صالون «الجنتل»، ليقول: «لا نريد التورط في حرب جديدة، الآن نريد من الرئيس أيا كان، فرص عمل.. كرامة وأمنا، وتنظيف الشوارع من القمامة.. نريد مصر متقدمة مثل أوروبا».

ومن وسط القاهرة، حيث ينتشر عدم اليقين في المستقبل، خاصة بالنسبة للملف الداخلي، تعلق بثينة كامل، وهي إعلامية معروفة وناشطة كانت تسعى للمنافسة في انتخابات الرئاسة، بقولها إن مصر الآن «في وضع شديد التناقض.. كيف نتحدث عن انتخابات حرة تحت حكم المجلس العسكري.. كان ينبغي أن تكون الانتخابات في ظل مجلس رئاسي مدني»، معربة عن مخاوفها من فشل تحقيق ما خرجت من أجله «ثورة 25 يناير 2011»، وتضيف: «نحن لسنا في وضع طبيعي.. كله صفقات ومؤامرات.. لسنا في جو ديمقراطي»، مشيرة إلى أن «كل الموجود دوائر رمال متحركة، ورئيس قادم بلا صلاحيات».

ومن بين النشطاء الحقوقيين، يقول محمود علي، وهو مستشار إعلامي للجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي، إن الرئيس الجديد سيأتي في وضع صعب «خاصة أننا نجاور ليبيا والسودان وإسرائيل وغزة؛ حماس.. وأيا كانت انتماءات الرئيس ينبغي أن يسعى لعلاقات متوازنة ولا أعتقد أن أي رئيس سيغامر بوضع هذه المصالح في مهب الريح».

ومثل كثير من المصريين، يشير محمود علي إلى أن الاحتمال الذي يمكن الحديث حوله هو تعديل اتفاقية كامب ديفيد، و«لم يتحدث أي من المرشحين عن إلغاء الاتفاقية بالكامل أو شن حرب على إسرائيل أو تقديم دعم لحركة حماس». وبنفس الطريقة التي يتحدث بها شبان صالون «الجنتل»، يقول علي: «أي رئيس سيكون مقيدا، في هذه المرحلة، بالوضع المحلي أمنيا واقتصاديا واجتماعيا».