لادوسو: نرفض عسكرة الأزمة.. ونهدف لبناء ثقة بين الحكومة والمعارضة لبدء حوار سياسي

معارضون سوريون ينتقدون لـ «الشرق الأوسط» الحديث الأممي عن طرف ثالث في سوريا

صورة مأخوذة من موقع «شام» تظهر ترحيب الاهالي في مدينة ادلب بمراقبي الامم المتحدة (ا.ف.ب)
TT

حذر رئيس عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة هيرفيه لادوسو، من مخاطر وجود جماعات إرهابية في سوريا تحاول الاستفادة من الاضطرابات الحالية لتحقيق مكاسب معينة. وقال لادوسو، خلال مؤتمر صحافي أمس «إننا نعرف أن هناك طرفا ثالثا وجماعات إرهابية تسعى لتحقيق مكاسب لنفسها، لكن علينا أن ننظر إلى هذه القضية على أنها قضية داخلية بين السوريين»، وهي التصريحات التي انتقدتها المعارضة السورية، واصفة إياها بـ«الأحجية».

وحول مطالبات بعض القوى الدولية بتزويد المعارضة بالسلاح، قال لادوسو «أعلنت الأمم المتحدة منذ البداية أنها ضد أي عسكرة للأزمة، ونحن نعلم أنه كانت هناك هجمات إرهابية وتفجيرات، وهذا شيء يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وأي محاولات لعسكرة الأزمة ليست مقبولة، فهي أزمة بين السوريين، وليس هناك أي مبرر لتأجيج النيران، والسوريون أنفسهم هم المسؤولون عن حل هذه الأزمة».

واتهم لادوسو تلك الجماعات بأنها تعمل لتحقيق أجندة خاصة بها، ولا تعمل لصالح تحقيق مصالح الشعب السوري، وقال «لذلك علينا البقاء وأعيننا يقظة مع ما نتعامل معه، وماذا يجب أن نفعله في هذا الأمر بين السوريين أنفسهم». وقال لادوسو في لقائه بأعضاء فريق المراقبين الدوليين «إن التركيز الآن لا بد أن ينصب على المرحلة الثانية من عمل البعثة، فلدينا مهمة هامة جدا للمساعدة في بناء مساحة للبدء في عملية سياسية على أساس خطة المبعوث الخاص للأمم المتحدة كوفي أنان، المكونة من ست نقاط، وتحقيقا لذلك فإن الهدف الأول هو تخفيض مستوى العنف، وهذا ما تم بوضوح هنا في حمص». وأضاف «الآن هناك حاجة لإقامة جسور للمساعدة على تنفيذ المهام العملية للحياة اليومية، وإنشاء درجة من الثقة تدريجيا بين الحكومة والمعارضة».

وأبدى لادوسو ارتياحه وسعادته للسرعة التي تم بها نشر بعثة حفظ السلام، مشيرا إلى أن وجودهم قد أدى إلى تراجع العنف وأعمال القتل بشكل واضح. وأوضح لادوسو أن هناك 270 من المراقبين العسكريين التابعين للأمم المتحدة منتشرين في ست مدن، ستتزايد إلى أكثر من عشر مدن مع اكتمال وصول بقية المراقبين، مطالبا بتوفير الخدمات للمناطق المدمرة والمناطق التي تسيطر عليها جماعات المعارضة.

وقال لادوسو «هذه عملية ليست سهلة، عندما يكون هناك الكثير من علميات القتل والتدمير وتتطلب اتخاذ خطوات لبناء الثقة والسماح للمظاهرات السلمية، وإطلاق سراح المعتقلين بما يؤدي إلى تعزيز الثقة - والذي لا يزال حتى الآن مفتقدا - بحيث يمكن البدء في عملية سياسية تكتسب قوة دفع».

وحول مفاوضاته مع مسؤولي الحكومة السورية حول إطلاق سراح المعتقلين والسماح بالمساعدات الإنسانية، أوضح لادوسو أن هناك بعض النقاط التي لا تزال محل تفاوض مع الحكومة السورية، ومنها إمكانية زيارة المراقبين لمراكز الاعتقال، موضحا أن الحكومة السورية سمحت للجنة الصليب الأحمر بالوصول إلى السجناء في حلب ودمشق.

من جانبه، كشف مكتب كوفي أنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية، أن هيرفيه لادوسو رئيس عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة اجتمع خلال يومي الاثنين والثلاثاء مع مسؤولي الحكومة السورية وممثلي المعارضة في مدينة حمص، في زيارة قام بها لتقييم التقدم الذي تحرزه بعثة حفظ السلام من المراقبين العسكريين التابعين للأمم المتحدة، على أرض الواقع في سوريا. وأشار مكتب أنان إلى زيارات لادوسو للجنرال روبرت مود رئيس بعثة مراقبة الأمم المتحدة وفريقه، إضافة إلى زيارات قام بها للأحزاب السورية، ومقابلات مع مسؤولي الحكومة السورية. وقال في بيان إن لادوسو نقل إلى المسؤولين في الحكومة وجماعات المعارضة الحاجة إلى تهيئة المناخ للبدء في عملية سياسية وضمان سلامة المراقبين وتوفير كل الفرص للمراقبين التي تمكنهم من التنقل، وأداء عملهم وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2043.

وأوضح البيان أن كلا من مسؤولي الحكومة وجماعات المعارضة أكدوا على تناقص أعمال العنف منذ وصول المراقبين إلى سوريا. وفي لقاء لادوسو بالمعارضة السورية، أكدت قوات المعارضة على دعمها لوجود المراقبين الدوليين، ودعت الأمم المتحدة للمساعدة في وضع حد لدوامة العنف في سوريا.

وفي لقائه بمحافظ حمص غسان عبد العال، أبدى لادوسو حزنه على الدمار الواسع الذي لحق بالمدينة، وشدد على ضرورة العودة إلى الحياة الطبيعية وإعادة إعمار المدينة. وحث لادوسو محافظ حمص على توفير الخدمات للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بينما أوضح المحافظ أن الدخول إلى تلك المناطق سيؤدي إلى وقوع اشتباكات.

من جانبه، قال الجنرال روبرت مود «من المشجع أن نري المراقبين المدنيين والعسكريين يقولون لنا إن الاستعداد لإقامة حوار يتزايد على نحو كبير، والمناقشات الآن هي كيف يمكننا العمل على أرض الواقع لبناء الثقة وبناء الجسور والمضي في اتجاه إيجابي».

من جهة أخرى، أبدى معارضون سوريون استغرابهم أمس للمواقف التي جاءت على لسان لادوسو، خلال وجوده في سوريا أول من أمس، لناحية حديثه عن «وجود عنصر ثالث لا يلتزم بمسار الشعب السوري، لأنه ملزم بأجنداته الخاصة»، وإشارته إلى «اننا نعلم أن هناك هجمات إرهابية وتفجيرات، وهذا يجب أن يؤخذ على محمل الجد».

وانتقد المعارض السوري وليد البني، لـ«الشرق الأوسط»، حديث المسؤول الأممي عن «وجود طرف ثالث، مما يعني أننا أمام أحجية، إذ إنه لم يسم تنظيم القاعدة»، مستنتجا أنه «باتهامه طرفا ثالثا من دون أن يفصح عن هويته، يعني إما أن التحقيق لم ينته بعد، وإما أن هناك ما منعه من قول الحقيقة كاملة، وإما سنكون أمام مفاجآت غير متوقعة عند تسمية هذا الطرف الثالث».

وقال عضو المجلس الوطني السوري أديب الشيشكلي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «استنتاجات مسؤولي الأمم المتحدة المتسرعة هي موضع انتقاد وتساؤل»، متسائلا «ألم يكن أجدى أن ترسل الأمم المتحدة لجنة تحقيق دولية للتحقيق في الموضوع، عوضا عن اختلاق جهة ثالثة أو رابعة أو عاشرة»، مشددا على أنه «ليس من مصلحة أي طرف زيادة تعقيد الوضع السوري».

وانتقد الشيشكلي «الأمم المتحدة، العاجزة عن اتخاذ قرار حاسم بشأن سوريا، على الرغم من وجود بعثتها منذ شهر ونصف تقريبا في سوريا في ظل استمرار القتل والعنف والقصف على مرأى من بعثة المراقبين الدوليين»، معتبرا أن «مبادرة المبعوث الأممي كوفي أنان ماتت سريريا، ولم يعد يبقى إلا قطع الأكسجين عنها والإعلان رسميا عن وفاتها».

ورأى البني في هذا السياق أن «ثمة تخبطا واضحا اليوم في عمل بعثة الأمم المتحدة في سوريا»، وقال «تدرك الأمم المتحدة جيدا أن النظام السوري أفشل تطبيق خطة أنان، وتعلم جيدا أن عائلة الأسد لن تسمح بتنفيذ بنودها، لكنها لا تقوم بخطوات إضافية، لأنه ليس لدى المجتمع الدولي بديل عن خطة أنان». وأعرب عن اعتقاده أن «المجتمع الدولي لا يزال متريثا ويحاول ممارسة مزيد من الضغوط على النظام السوري وإقناع روسيا والصين بالضغط أكثر عليه»، لافتا إلى «اننا لم نعد نشعر بأن النجاح حليف المبادرة العربية، ولكن للأسف لا تزال المحاولات مستمرة لإنجاحها».