أمانو يتوقع اتفاقا مع إيران عشية المفاوضات النووية في بغداد

تشكيك أميركي وإسرائيلي في جدية طهران

كبير المفاوضين النوويين سعيد جليلي الإيراني يصافح امانو بعد اجتماعهما حول الملف النووي الإيراني في طهران (أ.ب)
TT

عبر يوكيا أمانو، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن توقعاته بأن تتوصل الوكالة وإيران قريبا جدا لتوقيع اتفاق يعزز التعاون بينهما، مؤكدا أن كلا من الطرفين أصبح يفهم موقف الآخر بصورة أفضل، وذلك عشية المفاوضات بين دول مجموعة «5+1» وإيران في بغداد اليوم.

جاء ذلك ضمن تصريحات أدلى بها للصحافيين بمطار فيينا صباح أمس، عقب عودته بعد زيارة عمل ليوم واحد قام بها إلى طهران، التقى خلالها عددا من كبار المسؤولين عن الملف النووي الإيراني، في مقدمتهم علي أكبر صالحي وزير الخارجية، وسعيد جليلي كبير المفاوضين، وفريدون عباسي مدير هيئة الطاقة الذرية.

وبينما وصف أمانو زيارته بكونها تطورا مهما، وأجواء المباحثات التي أجراها بالإيجابية، فإنه أقر بوجود خلافات لا تزال قائمة بين موقف الوكالة والموقف الإيراني، رافضا التطرق للتفاصيل ولما حال دون عودته باتفاق موقع، مفضلا تكرار القول إن التفاهم بينهما أصبح أفضل، وإنه حصل على وعد بأن التوقيع سيتم في القريب العاجل.

من جانبه، سارع المندوب الأميركي بالإنابة لدى الوكالة روبرت وود، بتوزيع بيان صحافي مقتضب تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أبدى فيه تقدير بلاده لما وصفه بجهود الوكالة للوصول لاتفاق مع إيران، إلا أنهم، كما استرسل، لا يزالون يشعرون بالقلق وبضرورة أن تسارع إيران باتخاذ خطوات ملموسة لتعاون كامل مع الوكالة.

ومن جانبها، عبرت إسرائيل أمس عن شكوكها بشأن اتفاق مرتقب بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران بخصوص التحقيق في أنشطة طهران النووية، ودللت على ذلك بما قالت إنه سجل إيران في المراوغة وتقييد عمليات التفتيش الدولية. وقال وزير الدفاع المدني ماتان فيلنائي، لراديو إسرائيل «أثبتت إيران على مر السنين افتقارها إلى المصداقية وكذبها.. لذلك علينا أن نشك فيها طوال الوقت، ونفحص الاتفاق الذي يجري إعداده». وكرر هذه التصريحات أيضا وزير المالية يوفال شتاينتز، الذي قال «في المرحلة الحالية وفي ضوء التجارب السابقة نحن متشككون».

وردا على سؤال بشأن ما إذا كان العمل العسكري ضد إيران والذي طالما لمحت إليه إسرائيل لا يزال احتمالا قائما في ظل التقدم الذي يبدو أن المسار الدبلوماسي يحققه، قال فيلنائي «كل شيء مطروح على الطاولة».

وكانت مصادر قد وصفت زيارة أمانو بالفجائية وبالنادرة لكونها الأولى من نوعها منذ توليه منصبه في عام 2009، كما أنها جاءت فجأة قبل أن تكتمل مفاوضات كانت قد بدأت بين الوكالة وإيران بحثا عن إطار يتفقان بموجبه على كيفية حلحلة القضايا التي لا تزال عالقة بينهما، وأهمها اتهام النشاط الإيراني بأبعاد عسكرية.

وكان أمانو يتطلع من زيارته للعودة باتفاق يمكن المفتشين الدوليين من مواصلة عملهم داخل إيران للتحقيق والتحري بحرية أوسع عن نوعية الأنشطة الجارية داخل مواقع نووية في مقدمتها مجمع بارشين العسكري الذي تشير معلومات استخباراتية حصلت عليها الوكالة إلى أنه شهد تجارب وانفجارات لها علاقة بمحاولات لتصنيع رؤوس نووية لصواريخ «شهاب 3» التي أنتجتها إيران، فيما تواصل إيران نكران تلك الاتهامات، وإن ما زالت تمانع في منح الوكالة التصريح بالزيارة.

في غضون ذلك، كانت مصادر دبلوماسية قد أكدت لـ«الشرق الأوسط» تطلعها أن يعود أمانو بنتائج حاسمة وملموسة، أقلها توقيع اتفاق تنفذه إيران وليس مجرد «وعود» تستخدمها كدعاية وتستغلها كإعلان خادع حتى تبدو وكأن مواقفها قد لانت وأنها تبني لتعاون مستقبلي شفاف وكامل مع الوكالة فيما هي مؤمنة بغير ذلك. وتمضي المصادر مضيفة أن تخطيطا مثل هذا ليس بمستبعد عن طهران حتى تدخل جلسات التفاوض مع المجموعة الدولية «5+1» من موقف قوة.

في سياق مواز، أجمعت مصادر غربية على استبعاد أن تخرج قمة بغداد بقرار يرفع ولو حزمة واحدة من حزم العقوبات الدولية المفروضة ضد إيران حتى في حالة كان أمانو قد عاد من طهران باتفاق موقع يقضي بمزيد من الزيارات وعمليات التفتيش والمقابلات لمسؤولين ممن تطلبهم الوكالة، مرجعين ذلك لكون رفع العقوبات ليس على طاولة التفاوض، وأنه يتطلب تنفيذا إيرانيا وليس مجرد توقيع ودعاوى أنها ستفعل.

إلى ذلك، وصفت تلك المصادر اجتماع بغداد بأنه سيكون اجتماعا شاقا وصعبا. وتستضيف العاصمة العراقية بغداد اليوم جولة محادثات هي الرابعة بحثا عن حل «دبلوماسي» لقضية الملف النووي الإيراني، حيث يرأس سعيد جليلي الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وفد بلاده، فيما تقود البريطانية كاثرين أشتون مفوضة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي الوفد الدولي الذي يتكون من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن (الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا) زائد ألمانيا، ويرمز لها بمجموعة «5+1».

وكانت جنيف السويسرية استضافت المجموعة ذاتها بتاريخ 6 و7 ديسمبر (كانون الأول) 2010، ومن ثم انتقل الركب إلى إسطنبول بتاريخ 21 و22 يناير (كانون الثاني) 2011، ثم 14 أبريل (نيسان) 2012. وكل هذه اللقاءات وتلك الجلسات والمفاوضات سواء هنا أو هناك لم تفض إلى شيء ملموس، بينما تواصل إيران أنشطتها النووية تحت رقابة الوكالة الدولية، وسريا بعيدا عن رقابتها كما تقر الوكالة نفسها في تقارير مديرها العام، وظلت ترفع دوريا منذ 12 سبتمبر (أيلول) 2003 بعد أن كشفت المعارضة الإيرانية 2002 عن برنامج نووي إيراني بقي سريا لمدة 18 عاما.

وخرجت جولات التفاوض السابقة لبغداد في أحسن أحوالها بإعلان عن اتفاق للقاء قادم. ومن ثم وسريعا ما تعقب ذلك الإعلان تصريحات نارية من طهران تؤكد وتشدد على أن إيران لن تتنازل عن حقوقها المشروعة في استخدام سلمي للذرة (كغيرها من الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموقعة لاتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي)، وأن إيران لن تقبل إملاء شروط، وأنها لن توقف تخصيب اليورانيوم ولو لدقيقة واحدة.

من جانبها، تسارع المجموعة الغربية من أعضاء الفريق الدولي، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية ومرارا فرنسا، إلى تصريحات مستاءة تستنكر وتدين الموقف الإيراني رافضة أي شروط إيرانية، واصفة قبول إيران للتفاوض بكونه مجرد تكتيك لكسب الوقت حتى تواصل أنشطتها النووية المحظورة، مؤكدة دعمها للوصول لحل دبلوماسي من دون أن تستبعد خيارات أخرى بما في ذلك الخيار العسكري.

من جانبهما، تكتفي روسيا وفي معيتها الصين «بصوت خافت» بإبداء رفضهما لأي تهديدات باستخدام القوة ضد البرنامج النووي الإيراني رغم تأييدهما بالتصويت لقرارات فرض عقوبات دولية ضد إيران بسبب عدم التزامها بالقرارات التي تحظر نشاطها النووي والتي تلزمها بتعاون كامل وشفاف مع الوكالة الدولية.