الرئيس الفرنسي الجديد ينجح في اختبار الانضمام إلى «نادي الكبار» في العالم

هولاند حصد نجاحا في موضوعي أفغانستان ومعاودة إطلاق النمو الاقتصادي في أوروبا

هولاند (يسار) يتحدث إلى ميركل خلال قمة الناتو في شيكاغو الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)
TT

نجح الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند في «اختبار» الدخول إلى نادي القادة الكبار في العالم عبر مشاركته في قمتي دول مجموعة الثماني في كامب ديفيد ثم في القمة الأطلسية في شيكاغو. واليوم، يشارك ليلا في قمة أوروبية غير رسمية ستضم في بروكسل القادة الأوروبيين الـ27. وقبل وصوله إلى بروكسل، استقبل رئيس الوزراء الإسباني راخوي الذي كان الضيف الرسمي الأول على خليفة نيكولا ساركوزي في قصر الإليزيه.

وخلال الأيام الأربعة التي قضاها هولاند في الولايات المتحدة سنحت له الفرصة ليس فقط لاجتماع مطول ومغلق مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض بل للقاء الكثير من قادة الدول الكبرى ومنهم من رفض استقباله عندما كان مرشحا للرئاسة مفضلا عليه دعم ساركوزي. ومن هؤلاء رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي وأوباما نفسه الذي أعرب عن دعمه لساركوزي في اتصال عبر الفيديو حرص فريق ساركوزي وقتها على الترويج به لدى الفرنسيين. وبرز ذكاء هولاند، في أكثر من مناسبة، على القول إنه لا يتصرف «بوحي الذاكرة» بل إنه «ينظر إلى المستقبل» لبناء علاقات قوبة مع نظرائه عبر العالم. وذهب إلى الإعلان، في آخر مؤتمر صحافي له، إلى القول إنه «لم يشعر بأنه يجتاز امتحانا» معربا عن «ارتياحه» لما حصل في القمتين ولطريقة التعاطي معه.

وتكمن أهمية الأجواء التي سادت مشاركته الأولى في قمم دولية في أن الرئيس السابق ومعه اليمين الفرنسي حاولوا «بيع» الفرنسيين فكرة مفادها أن هولاند يفتقر للتجربة والخبرة في الشؤون الدولية وبالتالي سيكون عاجزا عن الدفاع عن مصالح فرنسا وحماية الفرنسيين «في عالم خطر». كذلك توقع ساركوزي سلفا فشل مشروعين من مشاريع الرئيس الجديد: الأول، إكمال الاتفاق الأوروبي بالسيطرة على العجوزات في الميزانية ولجم الديون واتباع سياسة تقشف بشق يركز على اتخاذ تدابير تساعد على معاودة إطلاق النمو الاقتصادي على المستوى الأوروبي والثاني إخراج القوات الفرنسية العاملة في أفغانستان في إطار الحلف الأطلسي بنهاية عام 2012 والتخلي عن خطة الحكومة الفرنسية السابقة الداعية إلى الخروج نهاية عام 2013.

والحال أن هولاند استطاع أن يعود من الولايات المتحدة الأميركية وفي جعبته «بعض الصيد». فقد وجد لدى الرئيس أوباما أذنا صاغية في موضوع إطلاق النمو الاقتصادي مجددا كما وجد في رئيسي الوزراء الإيطالي والإسباني «حليفين» في وجه المستشارة الألمانية. وقال هولاند إنه يعتبر أن «الوعد» الذي أطلقه بخصوص الاقتصاد قد «أنجز» مما حمل أمين عام حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية جان فرنسوا كوبيه على القول إن كل ذلك «كلام بكلام» وإنه «لا تدابير ملموسة» خرجت بها قمة الثماني. وسيكون الموضوع نفسه على طاولة البحث الليلة في اجتماع القادة الأوروبيين إلى جانب الوضع الاقتصادي العام ومصير اليونان وإسبانيا خصوصا العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) الذي خسر الكثير من قيمته بوجه الدولار والعملات الدولية الأخرى.

وفي الموضوع الأفغاني، «تقبل» الرئيس أوباما أولا والشركاء الأطلسيون في المرتبة الثانية عزم باريس على تسريع خروجها من أفغانستان. واستبق هولاند المحادثات في شيكاغو بإعلان أن هذا الموضوع «غير قابل للنقاش» وأنه عازم على الإيفاء بأحد أبرز وعوده الانتخابية في ميدان السياسة الخارجية. لكن هولاند أدخل بعض التعديلات على اقتراحه بحيث أن القوات «المقاتلة» ستخرج وحدها من أفغانستان مع نهاية العام الجاري (نحو 2000 رجل من أصل 3450 رجلا) فيما سيبقى العسكريون الذين يعملون على تأهيل قوات الدرك والضباط وصفوف الضباط وفق الالتزامات الفرنسية السابقة. كذلك التزم الرئيس الفرنسي بـ«عدم التخلي عن أفغانستان» بعد خروج القوات الدولية منها في عام 2014. ويريد الجانب الأميركي من التحالف الدولي الاستمرار في دعم القوات الأفغانية المسلحة بعد ذلك التاريخ والمشاركة في تحمل الأعباء المالية المترتبة على التحالف والتي يقدرها الأميركيون بأربعة مليارات دولار سنويا ستدفع واشنطن نصفها فيما يوزع القسم الباقي على الدول المقتدرة. ولم يلتزم هولاند بمبلغ معين علما أن مصادر أميركية سربت نبأ يفيد أن المطلوب من باريس 400 مليون دولار في العام. كذلك رفض هولاند الإبقاء على عدد من الوحدات الفرنسية الخاصة في إطار الاستمرار في محاربة «القاعدة» وطالبان بعد الانسحاب. وحتى الآن، وحدها بريطانيا أعربت عن استعدادها للمشاركة إلى جانب الوحدات الأميركية.

وفي الملف النووي الإيراني، حرص هولاند على الإعراب عن «تقاربه» مع الموقف الأميركي وعن أمله في أن تفضي المفاوضات التي ستحصل اليوم في بغداد بين مجموعة الست (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) إلى «تقدم» في هذا الملف المعقد. وجدير بالذكر أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي جعل باريس تلتزم بالمواقف الأكثر تشددا إزاء إيران والسعي لإجهاض أي «انفتاح» أميركي على طهران بالتشديد على أمرين: التزام طهران بوقف تخصيب اليورانيوم تماما والبدء بوقف التخصيب بنسبة 20 في المائة وإغلاق موقع فاردو النووي (القريب من قم) الذي يتمتع بتحصين غير طبيعي يجعل من الصعب تدميره بواسطة القصف الجوي. وتنشط الطاردات المركزية في هذا الموقع في إنتاج اليورانيوم متوسط التخصيب (20 في المائة) الذي تقول باريس إن إيران ليست بحاجة إليه. وأهمية محادثات بغداد اليوم تكمن، وفق المصادر الفرنسية الرسمية، في معرفة ما سيطرحه الإيرانيون من مقترحات ومدى استعدادهم للاستجابة لمطالب الستة والأسرة الدولية من ورائهم من جهة ورد هؤلاء عليها ومدى تحليها بـ«الليونة» من جهة أخرى. ويتوقع المراقبون أن يطرح الجانب الروسي اقتراحا جديدا يقوم على أن يلتزم الإيرانيون بعدم تخطي سقف العشرين في المائة في عمليات التخصيب مقابل تجميد العقوبات الدولية، الأميركية والأوروبية المفروضة على طهران.