المدارس في غزة تعتزم تدريس «لغة العدو»

مدير التعليم العام في حكومة حماس: يمكننا من خلالها فهم هيكل المجتمع الإسرائيلي

TT

هناك القليل من الخيارات المتاحة أمام طلبة المدارس الثانوية في قطاع غزة، فليس أمامهم سوى خيارين؛ وهما: دراسة الصحة والبيئة، أو تعلم اللغة الفرنسية. ولكن مع بداية الخريف المقبل، سيكون باستطاعة هؤلاء الطلبة، في بعض المدارس، دراسة مادة جديدة يطلق عليها اسم، «اعرف عدوك» وهي مادة اللغة العبرية، التي تبدأ بدراسة الأبجدية العبرية عن طريق أغنية مكونة من ست كلمات عربية لمساعدة الطلبة على تذكر الأبجدية العبرية التي تتكون من 22 حرفا.

لقد مضى عقدان من الزمان تقريبا منذ أن كان يتم تدريس اللغة العبرية في مدارس غزة، إلى أن قرر مسؤولو حماس في أبريل (نيسان) الماضي، بعد جدل كبير، إضافة اللغة العبرية إلى المناهج الاختيارية بدلا من اللغتين التركية والألمانية. وقال محمود مطر، مدير عام التعليم العام في وزارة التربية والتعليم في حكومة حماس بغزة: «من خلال اللغة العبرية، يمكننا فهم هيكل المجتمع الإسرائيلي والطريقة التي يفكر بها»، مشيرا إلى أن «تعلم اللغة العربية أمر رئيسي بالنسبة للإسرائيليين، فهم يستخدمونها لتنفيذ كل ما يريدونه. نحن ننظر إلى إسرائيل على أنها عدو، لذا نقوم بتعليم طلابنا لغة هذا العدو».

ونظرا للقيود المفروضة على الحركة ومشكلات الفقر التي يعاني منها القطاع، تتباهى غزة بقطاع التعليم، بعد أن انخفضت نسبة الأمية بين شباب القطاع إلى أقل من 1 في المائة في عام 2010، وفقا لإحصاءات البنك الدولي، وبوجود 5 جامعات تبلغ مساحته 139 ميلا مربعا.

هناك الكثير من التحديات الضخمة التي تواجه المدارس البائسة المتهالكة في غزة، حيث تضطر للعمل على ثلاث فترات يوميا ويحتوي الفصل على 50 طالبا أو أكثر.

تقوم وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة ببناء 8 مدارس جديدة، ولكن المسؤولين المحليين يؤكدون أن سكان القطاع البالغ عددهم 1.6 مليون نسمة والمتوقع أن يتضاعف عددهم خلال جيل واحد، بحاجة لمئات المدارس.

وتقوم المدارس بتدريس اللغة الإنجليزية، رغم النجاح المتفاوت الذي تحققه هذه المدارس. وأثناء تجولهم في أزقة مخيم الشاطئ للاجئين، ينادي الأطفال والمراهقون الفلسطينيون على الأجانب باللغة الإنجليزية قائلين: «كيف حالك؟»، ولكنهم لا يعرفون الرد المناسب إذا قال لهم هذا الأجنبي «بخير، وأنت؟».

الآن فقط، سيبدأ الطلبة تعلم اللغة العبرية، بعد مرور سبعة أعوام على الانسحاب الإسرائيلي وخمسة أعوام على قيام حركة حماس بانتزاع السيطرة على القطاع من أيدي السلطة الفلسطينية.

لم تستقر وزارة التربية التعليم في غزة على المناهج الدراسية بعد، رغم أنه من غير المحتمل الاعتماد على مناهج منسوخة، فضلا عن شراء كتب دراسية من الضفة الغربية. وعلى أي حال، ستكون هناك أربعة مستويات لدراسة اللغة العبرية، بداية من الصف التاسع، وستتاح هذه المادة أمام الفتيان والفتيات. ويقول مطر إن تدريس هذه المادة يبدأ في 10 - 20 مدرسة في سبتمبر (أيلول) المقبل اعتمادا على رغبة المدارس وتوافر مدرسين، وفي حال نجاح التجربة، سيتم تعميم المادة على كل المدارس الثانوية في غزة، البالغ عددها 180.

ستكون مينا ملاحي، 14 عاما، إحدى الطلبة الأوائل الذين سيدرسون اللغة العبرية. فمثل الكثيرين هنا، يتحدث والدا مينا القليل من اللغة العبرية، التي تعلماها أثناء العمل في قطاع الإنشاءات في إسرائيل قبل سنوات مثل الآلاف من أبناء غزة، كما درست والدتها اللغة العبرية في المدرسة أثناء فترة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة. ومنذ أن كانت صغيرة، علمها والداها الأرقام من 1 إلى 10 باللغة العبرية.

قالت مينا، في مقابلة أجريت معها باللغة العربية: «لا تعد اللغة الفرنسية مفيدة بالنسبة لنا، لأننا ندرس اللغة الإنجليزية، وعندما تدرس الإنجليزية فلن تحتاج إلى الفرنسية. أما بالنسبة للغة العبرية، فهي لغة مختلفة لأناس يعيشون إلى جوارنا، فضلا عن أن الإسرائيليين اعتادوا اقتحام غزة، وقد يفعلون هذا الأمر مجددا في المستقبل».

تقول هبة أيوب، 13 عاما وهي طالبة في الصف الثامن، إن مدرسها يشجع الفصل على اختيار اللغة العبرية، وهو ما حدث بالفعل مع الجميع سواها، مضيفة: «لدي صديق يتحدث اللغة الفرنسية. يزداد عشقي لهذه اللغة كلما استمعت إليها».

ولا تقوم السلطة الفلسطينية بتدريس اللغة العبرية في مدارسها، وليس لديها أية خطط للقيام بذلك. أما في إسرائيل، فلطالما كانت اللغة العربية من المقررات الدراسية الرئيسية.. فهي مادة إجبارية في المدارس المتوسطة، التي يلتحق بها 350.000 طالب، فضلا عن أنه قد تم تقريرها مؤخرا مادة اختيارية للصفين الخامس والسادس، اللذين يضمان 15.000 طالب، وفقا لبعض المسؤولين. وتؤكد وزارة التعليم الإسرائيلية أن 10.000 من بين طلاب المدارس الثانوية يدرسون اللغة العربية.

يتكلم العديد من البالغين في غزة بعض الجمل الحوارية العبرية، التي تعلموها منذ عقود من خلال العمل أو أثناء الوجود داخل السجون الإسرائيلية، ولكنهم لا يجيدون القراءة أو الكتابة باللغة العبرية، وفقا للمسؤولين. وفي الوقت الذي يرى فيه البعض تعليم اللغة العبرية على أنه بمثابة إعداد لجواسيس المستقبل، يرى البعض الآخر بعض الأسباب العملية وربما الدنيوية في تعلم العبرية، مثل ملء أوراق الإجراءات الطبية في إسرائيل أو فهم الأخبار والرسوم المتحركة التي يتم بثها عبر الأقمار الصناعية.

واللغتان العربية والعبرية من ضمن اللغات السامية، وتتشاركان نحو 40% من قواعد النحو وجذور الكلمات. ففي اللغتين العربية والعبرية، هناك تشابه واضح في الكلمات الدالة على الأرقام وأعضاء الجسم، مثل الرأس والاتجاهات ويمين ويسار وبعض الكلمات الأخرى مثل كلمة «كل يوم»، فضلا عن أن كلتا اللغتين تكتبان وتقرآن من اليمين إلى اليسار.

وبينما لم يتم تدريس اللغة العبرية في المدارس العامة في غزة منذ عام 1994، كان هناك القليل من فصول تعليم العبرية المتاحة للبالغين، رغم أن معدلات الالتحاق بهذه الفصول انخفضت بشدة من عدة آلاف لبضع المئات في العام، طبقا لجمال الحداد، الذي يدير أحد هذه الفصول، ويدفع موظفو الحكومة 50 شيقلا (نحو 12 دولارا) للالتحاق بهذه الفصول الدراسية التي تستمر لثلاثة أشهر، بمعدل ساعتين في اليوم وثلاث مرات في الأسبوع، بينما يدفع آخرون ضعف هذا المبلغ. وفي أحد هذه الفصول، جلس بعض الطلبة في الأسبوع الماضي يراجعون دروسهم قبل دخول الاختبار النهائي؛ إذ كانوا يراجعون أسماء اللغات العبرية والإنجليزية والفرنسية باللغة العبرية. وحين سأل المدرس أحدهم، باللغة العبرية طبعا: «أين كنت أمس؟»، أجاب: «في المنزل»، ثم ذهبت امرأة ترتدي الحجاب إلى السبورة لكتابة بعض الكلمات العبرية في صيغة التذكير والتأنيث، مثل: رجل وامرأة، جيد وجيدة، وكتب وكتبت.

يعمل ثلاثة من هؤلاء الطلبة بالتدريس، فقد أعربوا عن رغبتهم في الالتحاق بفصول جديدة لتعليم العبرية، بينما كانت النساء الثلاث في الفصل عاطلات عن العمل في الوقت الراهن. يعمل أحد هؤلاء الطلاب محاسبا، ويحتاج إلى ترجمة بعض الوثائق الخاصة بالتعاملات التجارية المتزايدة مع إسرائيل من وإلى اللغة العبرية.

ويقول صبحي بهلول، الذي يشرف على برامج اللغات في وزارة التربية والتعليم في غزة: «اللغة العبرية ليست صعبة بالنسبة للعرب، فقواعد النحو العبرية شديدة البساطة، بينما تعتبر قواعد النحو العربية شديدة الصعوبة. أنا أتقن اللغتين الإنجليزية والعبرية تماما، بينما لا أتقن العربية بمثل هذا المستوى».

ويضيف بهلول أنه قد حصل على درجة الماجستير في اللغة العبرية من جامعة تل أبيب، وأنه يأمل في الحصول على الدكتوراه في هذه اللغة قريبا: «إن شاء الله».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* ساهم في كتابة هذا التقرير فارس أكرم من مدينة غزة وميرا نوفيك من القدس