المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: 50 ألف سوري يعيشون أوضاعا إنسانية صعبة

أنطونيو غوتيريس لـ «الشرق الأوسط»: مبدأ حماية اللاجئين منصوص عليه في الشريعة والتقاليد الإسلامية

أنطونيو غوتيريس
TT

دعا أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الدول والمجتمعات الدولية إلى رفع ميزانية المفوضية في ما يتعلق في الشأن السوري ومتطلباته التي تستدعي وجود أكثر من 29 مليون دولار لدعم اللاجئين في سوريا، بعد أن ارتفعت الاحتياجات ونمت كثيرا خلال الفترة الماضية.

وقال المفوض السامي «نحن الآن في لبنان والأردن لأكثر من 50.000 لاجئ أما في تركيا فإن الحكومة هناك وجمعية الهلال الأحمر التركي تقومان بتقديم الدعم المباشر للاجئين. ونقوم بتقديم بعض الخيام والبطانيات». وكشف غوتيريس عن احتياج المفوضية إلى زيادة ميزانياتها 50 في المائة على أقل تقدير لرفع كفاءتها التشغيلية في ظل وجود إذن للإنفاق يبلغ حاليا نحو ملياري دولار لمواجهة كل التحديات الطارئة التي تواجه المفوضية والتي تتزايد في شتى أنحاء العالم, وفي ما يلي نص الحوار..

* بداية أود أن توافونا بلمحة عامة عن العمليات الإنسانية الطارئة الحالية التي تتعامل معها المفوضية حول العالم خاصة في العالم العربي..

- لا أذكر أنه حصل خلال فترة ولايتي في منصب المفوض السامي أن تعاملت المفوضية مع ثلاث أزمات حادة في الوقت نفسه، فاليوم لدينا أزمة للاجئين في سوريا، حيث فر نحو 25.000 شخص من سوريا إلى تركيا، و26.000 آخرون إلى لبنان، وعدد غير محدد حتى الآن إلى الأردن، لكننا نقدم المساعدة لما يقرب من 50.000 لاجئ في المنطقة. ولدينا وضع شديد التعقيد على الحدود بين السودان وجنوب السودان، حيث إن هناك لاجئين في مناطق مختلفة وفي بلدان مختلفة أخرى، سواء من السودان ممن لجأوا إلى جنوب السودان، أو من جنوب السودان إلى إثيوبيا أو كينيا. إنه وضع مأساوي للغاية من الناحية الإنسانية.

كما أن لدينا أكثر من 150.000 لاجئ من مالي في كل من موريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو. وبالنسبة للأزمتين الأوليين فهما معروفتان جيدا من قبل المجتمع الدولي، لكن الأزمة القائمة في منطقة الساحل تكاد تكون منسية، لكننا نشهد مأساة هناك أيضا، لأن الموضوع لا يتعلق بالنزاع في مالي فحسب، لكن هناك الجفاف الذي أفرز الملايين من الناس الذين هم بحاجة للدعم الغذائي.

ويمثل هؤلاء الناس عبئا كبيرا على جميع دول الجوار، وأود هنا أن أثني على البلدان المجاورة، حيث أبقت حدودها مفتوحة، مما يعني أن حماية اللاجئين هي من أولويات الدول المجاورة في ما يخص تلك الأزمات، ومعظم هذه الدول هي من البلدان الإسلامية وينبغي التأكيد على هذا الأمر. لكن من ناحية أخرى، فإننا نحتاج إلى دعم كبير من قبل المجتمع الدولي، في مقدمة ذلك الدعم الإنساني للاجئين أنفسهم، والتضامن مع البلدان المضيفة، وأيضا تعبئة المجتمع الدولي إذ إنه لا وجود لحل إنساني للمشاكل الإنسانية، فالحل هو سياسي دائما، ونحن بحاجة إلى حل سياسي لتحقيق السلام بين دولتي السودان وفي سوريا ومالي.

* مع كل حالات الطوارئ هذه، ألا تواجهون صعوبات مالية؟

- إننا نواجه مشكلة مزدوجة، فمن ناحية نشهد تفاقما دراماتيكيا للوضع الإنساني في العالم، إذ إننا منذ بداية عام 2011 لدينا أزمة في كوت ديفوار وليبيا واليمن، وفي سوريا والسودان والصومال، والآن في مالي، الأمر الذي يتطلب جهدا كبيرا، ليس من جانب المفوضية فحسب، بل أيضا من شركائنا، خصوصا من البلدان المضيفة في الوقت نفسه. ونشهد أزمة اقتصادية عالمية، حيث تم تخفيض ميزانيات عديدة في أجزاء مختلفة من العالم. وهكذا، فإن المفوضية تواجه وضعا ماليا صعبا للغاية.

* ما حجم الميزانية التي تحتاج لها المفوضية في الوقت الراهن من أجل تلبية احتياجات جميع اللاجئين والتعامل مع حالات الطوارئ هذه؟

- لدينا حتى الآن ميزانية تشغيلية، من خلال وجود إذن للإنفاق يبلغ نحو ملياري دولار أميركي، لكني أعتقد أننا بحاجة لزيادة بنسبة 50 في المائة على الأقل حتى نكون قادرين على مواجهة كل التحديات التي نواجهها. وأناشد هنا البلدان المانحة السخية، في الغرب وفي منطقة الخليج وفي بلدان الاقتصادات الناشئة الجديدة، أناشدها جميعا لأننا في الواقع نواجه وضعا صعبا للغاية، إذ ليس في وسعنا تقديم الدعم الذي يحتاجه اللاجئون والبلدان المضيفة في هذه الفترة العصيبة.

سأعطيك مثالا على ما أقوله: إن ثالث أكبر مدينة في كينيا اليوم هي مخيم للاجئين، مخيم داداب للاجئين الصوماليين، حيث يعيش فيه 450.000 لاجئ صومالي في منطقة شبه صحراوية وتحت مسؤولية المفوضية. إن هذا الأمر وحده يمثل تحديا ويتطلب استثمارات بشرية ومالية ضخمة. وهذا مثال واحد فقط على ضخامة احتياجات الناس، ومدى أهمية أن يكون هناك تضامن دولي أمتن. ويحتاج هؤلاء الناس لكل شيء، المأوى والمياه والغذاء والتعليم والرعاية الصحية. ويمكنك أن تتخيل مدى صعوبة أن تكون قادرا على الاستجابة ليس فقط لتلبية احتياجات هؤلاء الأشخاص في داداب، بل لاحتياجات جميع اللاجئين في جميع أنحاء العالم الذين يعيشون في البلدان النامية وليست لديهم القدرة على الحصول على احتياجاتهم الأساسية.

* هل تعتقدون أنكم ستحتاجون في المستقبل القريب أو في السنة أو السنتين المقبلتين لأكثر من تلك النسب، وإذا لم توفر الدول الدعم، كيف ستكون استجابة المفوضية؟

- لسوء الحظ، فإن مشاكل اللاجئين آخذة في الازدياد وهكذا، وفي سياق عالم تتضاعف فيه الأزمات وتبرز فيه حالات طوارئ جديدة كل شهر فإن الأزمات القديمة لا تنتهي أبدا، فأزمة أفغانستان لا تزال قائمة، وكذلك أزمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولا تزال المشاكل من دون حل. وفي هكذا سياق، بالطبع، فإن الاحتياجات تزداد. وللأسف، فإن الدعم المالي محدود الآن بسبب الوضع الاقتصادي العالمي، مما يعني أنه في كثير من الأزمات التي نواجهها لن يكون بمقدورنا القيام بما يتعين علينا القيام به، كما أننا لن نكون قادرين على الاستجابة حتى لبعض من أهم الاحتياجات الأساسية للسكان المستفيدين، وهذا وضع مأساوي، لذلك إن هذا الأمر بالطبع يجعلني أشعر بحزن عميق وقلق بالغ ويحدوني الأمل في أن تتفهم الجهات المانحة في الغرب وفي منطقة الخليج، وفي الاقتصادات الناشئة هذا الوضع، وأن تمد لنا يد المساعدة للتغلب على الوضع بالغ الصعوبة الذي نواجهه الآن.

المشكلة ليست في المفوضية، وليست في المنظمات الشقيقة، المشكلة هي أن ترى أناسا يموتون أو يعانون ولا يكون بوسعنا مساعدتهم بالقدر الذي ينبغي علينا القيام به. إنه لأمر مقلق جدا جدا.

* نود منكم أن تعطونا لمحة إطلاق كتاب «حق اللجوء بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي المعاصر للاجئين» وكيف ينبغي على الدول المقارنة بين الشريعة الإسلامية وقانون اللجوء والنظر في القضية؟

- للأسف فإن الكثير من الناس لديهم معلومات خاطئة بهذا الشأن. فالكثير من الناس، خاصة في الغرب، يعتقدون أن مبدأ حماية اللاجئين نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، والحقيقة هي أن حماية اللاجئين مفهوم قديم جدا ومنصوص عليه في الشريعة والتقاليد الإسلامية منذ نزول القرآن الكريم والسنة النبوية. إذا قرأت سورة «التوبة»: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون» (الآية 6). أو «سورة البقرة»: «وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا» (الآية 125)، وإذا نظرت إلى العديد من المبادئ الموجودة في الحديث الشريف، فسوف تكتشف أن فيها كل ما هو موجود اليوم في قانون اللاجئين الحديث، المتضمن في اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وفي مبدأ عدم الرد – حيث لا ينبغي إعادة طالب اللجوء إلى مكان يمكن أن يواجه فيه الخطر أو الاضطهاد؛ وأيضا وجوب منح الحماية ليس للاجئين فحسب، بل أيضا للأسرة والممتلكات، وكذلك الطابع المدني للجوء. كل هذه الجوانب الموجودة اليوم هي قواعد قانونية لحماية اللاجئين كانت قائمة من قبل في الشريعة الإسلامية وحتى قبلها، حيث كانت جزءا من تقاليد حسن الضيافة والحماية التي عرفت بها شبه الجزيرة العربية.

لقد كان مؤتمر اللاجئين حول العالم الذي عقد في مدينة «عشق آباد» مهما جدا لأنه أكد من جديد على جميع هذه القيم وأظهر للعالم الوجه الحقيقي للإسلام، وجه التسامح وحماية الناس المحتاجين، واحترامه لحقوق أكثر الفئات المستضعفة وهم اللاجئون. هناك العديد من التصورات الخاطئة عن الإسلام، وتلك المفاهيم الخاطئة الموجودة في بعض أجزاء العالم، وأعني بذلك العالم المتقدم، كانت السبب في ما يتعرض له اللاجئون المسلمون من تمييز في بعض الأحيان، ومن المهم أن يدرك الجميع صورة الإسلام هذه، الوجه الحقيقي للإسلام، الذي يدعو للتسامح والتضامن والرحمة.

* كم وصل عدد اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة، وما هي احتياجاتهم، وما هي الميزانية المخصصة للمفوضية والاحتياجات التي ترغب المفوضية في الحصول عليها كالتبرعات من أجل الاستجابة لمتطلباتهم؟

- في ما يتعلق بسوريا، فإننا نقدم المساعدة الآن في لبنان والأردن لأكثر من 50.000 لاجئ. أما في تركيا، فإن الحكومة هناك وجمعية الهلال الأحمر التركي تقومان بتقديم الدعم المباشر للاجئين. أما نحن فنقدم فقط بعض الخيام والبطانيات. لكن في لبنان والأردن، نتعاون على نحو فعال مع الحكومة والعديد من الشركاء من أجل تقديم الدعم للاجئين. وبالطبع، فقد أصدرنا نداءنا الأول البالغة متطلباته 29 مليون دولار. ونحن الآن بصدد مراجعة هذا النداء لأن الأرقام قد ارتفعت والاحتياجات نمت أيضا.

لكن من المهم أيضا أن نؤكد أننا لا نزال نعمل وبشكل وثيق في سوريا لتوفير الدعم لنحو 100.000 لاجئ عراقي. كما ينبغي التأكيد أيضا على أنه لطالما أظهرت سوريا سخاء كبيرا، حيث استقبلت لاجئين من فلسطين ومن العراق ومنحتهم الحماية. ففي الوقت الذي نساعد فيه اللاجئين السوريين الموجودين في الخارج، فإننا نعمل مع سوريا لمساعدة اللاجئين العراقيين داخل البلاد.

* ماذا عن طبيعة علاقات المفوضية بمنطقة دول الخليج، وماذا تتوقع المفوضية من تلك المنطقة؟

- في ما يتعلق بالخليج، فقد أقمنا أشكالا للشراكة المهمة مع دول مختلفة في هذه المنطقة، ليس فقط مع الحكومات، بل مع جمعيات الهلال الأحمر. وهذا، بالنسبة لنا، مجال مهم جدا للتعاون. كما حصلنا أيضا على الدعم من جهات مختلفة في منطقة الخليج لبعض من نشاطاتنا. فعلى سبيل المثال، كانت هناك تبرعات كريمة من قبل المملكة العربية السعودية ومن الصندوق السعودي للتنمية ومن دولة الإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى مؤسسة قطر حيث يجري معها الآن دراسة مشروع للتعليم. هناك أيضا جهات مختلفة في الكويت وسلطنة عمان قدمت لنا الدعم الكريم لمشاريع مختلفة.

لكن بطبيعة الحال، فإننا نعتقد أن في منظمة مثل منظمتنا، حيث إن 95 من مواردنا تأتي من الجهات المانحة التقليدية في العالم الغربي، فإنه من المهم جدا أن تنخرط دول مجلس التعاون الخليجي بشكل أكبر في هذا الصدد، وقد كان أهلها دائما كرماء جدا دائما معنا، وما تم تقديمه حتى الآن كان من خلال العلاقات الثنائية ومن خلال الجمعيات الخيرية المختلفة. أعتقد أنه من المهم جدا أن يكون لدول الخليج وجود أقوى في المؤسسات المتعددة الأطراف كمنظمتنا، وهذا من شأنه أن يكون له تأثير من حيث تحقيق مزيد من التوازن في تقديم الدعم للمفوضية، وأن يكون هناك صوت أكثر نشاطا من جانب العالم الإسلامي في استراتيجيتنا، وفي أنشطتنا، وفي إدارة عملنا، فكل ذلك سوف يكون مرحبا به كثيرا. إن زيادة الدعم المالي أمر مهم جدا، لكن المشاركة الفعالة في المناقشات الاستراتيجية للجنة التنفيذية للمفوضية، والمشاركة النشطة في إدارة المنظمة، أيضا مهمة جدا للتأكد من تحقيق توازن حقيقي في مناطق العالم المختلفة.