معتقل سابق في غوانتانامو يتطلع إلى حياة جديدة في نيس

الأخضر بومدين: لا أعرف حتى الآن لماذا نقلت إلى المعتقل الأميركي

الأخضر بومدين احتجز في غوانتانامو من يناير 2002 إلى 15 مايو 2009 (نيويورك تايمز)
TT

لقد كان جيمس، المحقق الأميركي القصير البدين، الذي يحمل لقب «الفيل»، هو أول من أبلغ الأخضر بومدين أن المحققين متأكدون من براءته بعد عامين من التحقيقات، لكن لم يكن ذلك يهم بومدين. وتستمر التحقيقات بعد قضائه سبع سنوات وثلاثة أشهر وثلاثة أسابيع وأربعة أيام في معتقل غوانتانامو في كوبا.

وجد بومدين، الذي كان يعمل في مساعدة الأيتام في سراييفو، نفسه معتقلا في خضم موجة الذعر التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001. يقول إنه رأى نفسه مثل قط حبيس تتلاعب به الظروف وتسومه صنوف العذاب. ويقول بومدين البالغ من العمر 46 عاما: «لقد تعلمت الصبر، فلا يوجد غيره خيارا آخر». إنه رجل نحيل يحب الخصوصية وله فك مربع ومهندم الشعر وتحيط بعينيه هالات رمادية عميقة.

لم تعترف الحكومة الأميركية أبدا بوجود أي خطأ في اعتقال بومدين رغم إصدار قاض فيدرالي أمرا بإطلاق سراحه لعدم كفاية الأدلة عام 2008. لم تستأنف الإدارة الأميركية الحكم كما أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع رغم رفضه الإجابة عن مزيد من الأسئلة الخاصة بحالة بومدين. كما رفض ممثل وزارة الخارجية مناقشة هذا الأمر باستثناء إشارته إلى بيان وزارة العدل الذي أوضح نقل بومدين إلى فرنسا عام 2009. ومر أكثر من عقد منذ اعتقاله في البوسنة عندما قيد أفراد السلطات الأميركية يديه وقدميه بالأصفاد وغطوا رأسه بكيس أسود واقتادوه إلى معتقل غوانتانامو. عاش بومدين، هو جزائري الجنسية، منذ إطلاق سراحه قبل ثلاث سنوات في جنوب فرنسا دون أن يعرفه أحد، بينما تموج نفسه بالغضب الهادئ والعزم على البدء من جديد ومقاومة هذا الغضب.

إنه يصف غوانتانامو بـ«الثقب الأسود» في حياته. وفي الواقع، فإنه لا يزال حبيسا داخله ولا تزال الأسئلة تعذبه. ويقول بومدين: «أتفكر في كل ما مر بي في حياتي؛ كل المراحل والأصدقاء ومن قمت معه بهذا الأمر ومن احتسيت كوبا من القهوة معه. لا أعلم حتى هذه اللحظة لماذا كنت في معتقل غوانتانامو».

وجهت إلى بومدين في البداية اتهامات بالتخطيط لتفجير السفارة الأميركية في سراييفو حيث كان يعيش مع أسرته ويعمل في الهلال الأحمر. وأثنى الرئيس جورج بوش الابن على اعتقاله في خطاب حالة الاتحاد في 29 يناير (كانون الثاني) عام 2002. تلك الاتهامات تبددت في وقتها، على حد قول بومدين، وحلّت محلها أسئلة عن عمله مع منظمات المساعدات الإسلامية وتلميحات بأنها تمول الإرهاب. وبحسب تقييم سري عن المعتقلين منذ أبريل (نيسان) عام 2008، نُشر على موقع «ويكيليكس»، يعتقد المحققون أنه كان عضوا في تنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، لكن تلاشت هذه الاتهامات هي الأخرى. وفي قضية تحمل اسم بومدين وتعد من القضايا الكبرى، أكدت المحكمة العليا عام 2008 حق معتقلي غوانتانامو في الطعن على اعتقالهم أمام المحكمة. وقدم بومدين التماسا لإطلاق سراحه.

وكانت حجة الإدارة الأميركية الوحيدة أمام المحكمة هي أن بومدين كان يعتزم السفر إلى أفغانستان لحمل السلاح ضد الولايات المتحدة. ورفض قاض فيدرالي هذه التهم حيث لم يجد ما يدعمها من أدلة، مشيرا إلى أن مصدرها الوحيد هو مخبر مجهول الاسم. ووصل بومدين إلى فرنسا في 15 مايو (أيار) وكان الأول بين معتقلين اثنين غير فرنسيين سابقين يستقران هنا. ويتقوقع بومدين داخل الذات كما يقول، فهو لا يتحدث كثيرا عن ماضيه الآن ولا يعرف جيرانه عنه سوى أنه زوج وأب. يقيم حاليا مع زوجته وابنتيه اللائي خطف من أحضانهن ذات يوم، فضلا عن ابن آخر له أنجبه هنا منذ عامين. إنه يريد العودة إلى حياته الطبيعية أكثر مما يريد الانتقام أو العدل.

ويعيش في كنف الدولة الفرنسية، حيث سمحت له فرنسا بالاستقرار في منزل تابع للوحدات السكنية العامة في نيس، حيث تقيم عائلة زوجته، لكنه لا يحمل الجنسية الفرنسية، وكذلك لم يحصل على اللجوء أو الإقامة الدائمة. ولم يتمكن من الحصول على بدل فاقد من جوازي السفر الجزائري والبوسني اللذين صادرتهما السلطات الأميركية.

يحصل بومدين على المال من خلال تحويلات مصرفية على حسابه في أحد المصارف الفرنسية. وهو لا يعلم من بالضبط يدفع له هذا المال، فشروط إطلاق سراحه لم تعلن أو يتم الكشف له عنها بعد. ويبحث بومدين عن عمل منذ سنوات، لكن يطلع أصحاب العمل على سيرته الذاتية بشيء من القبول حتى يلاحظوا أنها تنتهي عند عام 2001. ويخبرهم أنه قضى وقتا معتقلا بسبب «قضيته الخاصة»، ويوضح كيف يتجنب ذكر معتقل غوانتانامو لأنه يثير مشاعر الخوف أكثر مما يثير مشاعر التعاطف.

وصل بومدين إلى معتقل غوانتانامو في 20 يناير عام 2002 بعد 9 أيام من بداية العمل في المعتقل. وتعرض للضرب بمجرد وصوله إلى هناك. وأضرب عن الطعام خلال الثمانية وعشرين شهرا الأخيرة من فترة اعتقاله إلى أن أجبر على تناول الطعام بالقوة عبر أنبوب أدخل من أنفه إلى حلقه، على حد قوله. كانت هناك فتحة في المقعد الذي كان يقيد به أحيانا وهو يرتدي ملابسه وأحيانا وهو عار، وبينما يسري السائل إلى معدته كانت أمعاؤه تفرغ ما بها.

خرج من المعتقل مكتئبا منهكا وعلى معصميه ندوب سبع سنوات من الأغلال ويكاد لا يقوى على السير من دون الأصفاد التي اعتادها، كما يقول. بات يرتعب من تجمعات البشر وكذلك من الغرف ذات الأبواب المغلقة على حد قول ناتالي بيرغر، طبيبة عملت معه بعد فترة قصيرة من إطلاق سراحه. وقالت ناتالي إنها تأثرت كثيرا برباطة جأشه وقدرته على الحياة. وقالت: «إنه لا يكنّ أي كراهية للشعب الأميركي» رغم إشارتها إلى أن هذا لا ينطبق على جورج بوش. وكان أوباما مخيبا لآمال بومدين، حيث تعهد بإغلاق معتقل غوانتانامو، لكنه لم يفعل.

وُلد بومدين في منطقة بشمال غربي الجزائر وخدم عامين في الجيش الجزائري قبل أن يلحق بصديق له في باكستان عام 1990 لمساعدة لاجئي الحرب الأفغانية. وجد عملا كمشرف في ملجأ أيتام ومدرسة تديرها منظمة مساعدات كويتية وهي وظيفة استغلها المحققون بعد ذلك كدليل على وجود علاقة بينه وبين إرهابيين. ويدير المنظمة زاهد الشيخ، شقيق خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، المعتقل في غوانتانامو منذ عام 2006 والماثل حاليا أمام محكمة عسكرية. وظهر توقيع الشيخ على عقد بومدين، لكن لا توجد علاقة قوية بين الاثنين، على حد قول بومدين.

انتقل بومدين إلى اليمن ودرس في المركز الثقافي الفرنسي في صنعاء، لكن اضطر إلى الذهاب لألبانيا بسبب القتال، حيث عمل لدى هيئة الهلال الأحمر لدولة الإمارات. واندلعت أعمال شغب مميتة عام 1997، مما أدى إلى نقله إلى البوسنة. لكن يبدو أن العنف كان يلاحقه أينما ذهب، كما أشار من تولوا التحقيق معه. وقد أدرك دوافع شكوكهم كما أوضح.

في مدينة نيس، كون بومدين صداقة مع جارة له تدعى بابيت وكانت تحضر له القهوة والهدايا لطفله الصغير. وكانوا يتناولون وجبات الطعام في أعياد الكريسماس ومناسبات المسلمين الدينية. كان يخشى أن تقطع علاقتها به إذا علمت بماضيه. ومع ذلك، حلّت الذكرى العاشرة لبداية عمل معتقل غوانتانامو في يناير وكانت هناك تغطية إعلامية لهذا الحدث. سألته بابيت إن كان هذا حقيقيا، فأخبرها أنه القدر وهذه هي الحياة. وما زالت تتصل به وما زالت تناديه بـ«أخي». وقال: «بدأ الناس يعرفون حقيقتي شيئا فشيئا. وفي حين قدم لي بعضهم كلمات تشجيع حذرة، قدم آخرون اعتذارهم. لا أعلم ما رد الفعل الصحيح»، لكنه أوضح أنه يحب بالقدر نفسه وجود رد فعل.

* خدمة «نيويورك تايمز»