نائب مستشار الأمن القومي الأميركي: لن نفرض أنفسنا على التغيير في العالم العربي

بين رودز يقر في حوار لـ «الشرق الأوسط» بوجود شكوك ومشاعر إحباط تجاه بلاده.. ويشدد على بناء الثقة

نائب مستشار الأمن القومي بين رودز («الشرق الأوسط»)
TT

من مكتبه في البيت الأبيض الذي يبعد بضع خطوات عن المكتب البيضاوي للرئيس الأميركي، يقوم نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للتواصل الاستراتيجي، بين رودز، بأدوار عدة، على رأسها تجسيد التواصل الاستراتيجي للبيت الأبيض والعمل على صياغة الرسائل التي توجهها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى العالم. ومنذ فوز أوباما بالرئاسة عام 2008، لعب رودز دورا مهما في التواصل مع العالم العربي، إذ كان من المشاركين الرئيسيين في صياغة خطاب أوباما بالقاهرة في يونيو (حزيران) 2009، حيث حدد الأولويات السياسية لإدارته تجاه منطقة الشرق الأوسط، وما زال من أبرز مستشاري أوباما الذين يعملون معه على صياغة خطاباته، كما أنه يواكب عن كثب تطورات الثورات والتقلبات في المنطقة منذ بداية عام 2011.

والتقت «الشرق الأوسط» برودز في مكتبه بالبيت الأبيض بالعاصمة الأميركية لمناقشة سياسات أوباما تجاه المنطقة، وخاصة في إطار التغييرات الجذرية بعد الثورات وجهود الإصلاح منذ الثورة التونسية وتداعيات الأزمة السورية. وفي ما يلي نص الحوار:

* هناك انقسام في العالم العربي حول الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة؛ البعض يراها تتدخل في شؤون دول المنطقة والبعض الآخر ينتقدها لأنها لا تلعب دورا نافذا، في وقت تشهد فيه المنطقة تقلبات وتحولات تاريخية. كيف ترى الإدارة الأميركية الحالية دورها في المنطقة في هذه المرحلة؟

- أعتقد أن الرئيس اتخذ قرارا في مستهل عام 2011 بأن يقف بحزم مع قوى الإصلاح والتغيير الديمقراطي في المنطقة، وهذا انعكس على دعمنا للثورة التونسية وتصرفاتنا في أوج مظاهرات ميدان التحرير عندما أوضحنا أن هناك حاجة للانتقال السياسي والنموذج الأوضح على ذلك تدخلنا في ليبيا. الولايات المتحدة وقفت مع قوى التغيير والإصلاح في المنطقة، وأعتقد أن ذلك ينعكس في تعاملنا مع كل الدول التي تمر بمراحل مختلفة من الانتقال والإصلاح. أعتقد أننا نقر بأن كل دولة مختلفة وأن كل دولة ستتغير بنمطها الخاص وبطريقتها الخاصة، ونقر أيضا بأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تحدد كيف سيحدث هذا التغيير. يمكننا الوقوف إلى جانب مبادئ معينة، مثل الانتخابات العادلة والحرة، جعل العملية السياسية شاملة، ونبذ العنف والإصلاحات الاقتصادية التي من شأنها أن تقوي الشعوب.

* تقولون إنكم تدعمون هذه المبادئ، ولكن إلى أي مدى تعملون من أجل ضمان حماية هذه المبادئ؟

- نبحث عن طرق يمكننا من خلالها أن نقوم بذلك. أولا نريد أن نعمل كل ما بوسعنا لنمكن النماذج الإيجابية، فعلى سبيل المثال نريد أن نرى تواصلا أميركيا في مناطق مثل تونس وليبيا، ليس فقط في دعم الانتقال السياسي، بل في دعم فرص التعليم الأكبر والاندماج الاقتصادي الأوسع بين الولايات المتحدة وهذه الدول بطرق تساعدها، أي أن نلعب دورا إيجابيا لتنمية قصص نجاح. أما في الدول التي تمر بمراحل انتقال صعبة، أعتقد أننا نريد أن نقوم بما وسعنا من أجل تحقيق التغيير، في اليمن عملنا عن قرب مع دول مجلس التعاون لتسهيل الانتقال من الرئيس علي عبد الله صالح إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي.

وفي سوريا، نعمل على تمكين المعارضة ومساعدتها على التخطيط (لانتقال السلطة)، ونحن نعتمد الانتقال السياسي كمحور رئيسي بالنسبة لنا، ففي ليبيا عملنا عن كثب مع المجلس الانتقالي الوطني لتشجيعهم في عام 2011 على تقديم خطة طريق شاملة تجلب العناصر المختلفة من المعارضة. وهناك نقطة مهمة أريد أن أشير إليها هنا، في غالب الأحيان هناك تشنج فيما تريده شعوب المنطقة من الولايات المتحدة، فالشعوب لا تريد أن تتدخل الولايات المتحدة في خياراتهم السياسية، ولكن في غالب الأحيان يريدون من الولايات المتحدة أن تحل مشكلات في تلك الدول. وبصراحة، عندما نقول إن على شعوب المنطقة أن تتخذ هذه القرارات بنفسها، نحن نعني ذلك، وبالتالي ذلك يعني أنه ليس بوسعنا أن نحدد السياسة المصرية، ولا يجب أن نفعل ذلك. يجب أن يكون هناك فهم في المنطقة بأن من الملائم أن لا تكون للولايات المتحدة يد ثقيلة في هذه الانتقالات، لأننا نريدها أن تكون شرعية. وأنا دائما أقول إنه يجب أن يكون هناك توافق بين الرغبة لتقوم الولايات المتحدة بدور في دعم الانتقال والرغبة بأن لا تكون الولايات المتحدة هي عامل التغيير. ونحن نؤمن بأن التحولات هذه ستستغرق وقتا، ولن تكون دائما سلسلة وعلى الناس أن تعلم أين نقف من هذه التحولات، ويجب أن نقدم المساعدة والدعم عندما يكون ذلك مرغوبا ومرحبا به. عدم تدخل الولايات المتحدة بشؤون هذه الدول يعني أن الولايات المتحدة لن تستطيع أن تحل كل مشكلة، ونحن نقبل ذلك ونقبل الطبيعة المجهولة وغير المؤكدة التي نمر بها، نقبل بأننا لا نعلم من سيكون الرئيس المقبل لمصر، ونقبل أن الدول المختلفة عليها أن تعمل على التوصل إلى إجابات عن أسئلة أساسية حول كيفية تنظيم أنظمتها السياسية، من دون أن تحدد لهم الولايات المتحدة كيفية حل تلك المشكلة. ونحن نعترف بأن هناك إرثا، وخاصة في دول معينة، حيث كانت الولايات المتحدة تتدخل إلى درجة كان ينظر إلينا بأننا جزء من النظام القائم والطريقة التي يمكننا من خلالها أن نكون جزءا من التغيير الإيجابي هي عن طريق عدم فرض نفسنا في قرارات يجب اتخاذها من قبل شعوب المنطقة.

* ولكن ما زالت هناك دول في المنطقة حليفة للولايات المتحدة ولديها شراكات استراتيجية مع واشنطن تعتمد على العمل مع الولايات المتحدة في تحديد مسار المتغيرات في المنطقة، أو على الأقل كيفية التعامل مع الإطار العام للمنطقة.. هل تعتقدون أن قدرتكم على بناء تحالفات بين تلك الدول، أو الاعتماد على تلك التحالفات الاستراتيجية، تغيرت منذ أحداث 2011 إلى هذا العام؟

- الوضع العام في المنطقة كله تغير. هناك 3 نقاط أريد الإشارة إليها، في دول قامت فيها الثورات أو ما زالت جارية، مثل سوريا، فإن الولايات المتحدة سعت لاستخدام نفوذها في تمكين قوى التغيير. وفي الدول التي لم تمر بهذه التجربة ولدينا علاقات وثيقة ونثمنها كثيرا، نحن غالبا مع عملية الإصلاح. فعلى سبيل المثال في الأردن لدينا علاقة وثيقة مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ونحن ندعم الإصلاح السياسي والاقتصادي، وحتى في البحرين، نسعى لاستخدام شراكتنا لتمكين القوى داخل البحرين التي تحاول العمل على قضايا صعبة جدا بطرق سلمية وفعالة في صفوف الحكومة والمعارضة. أعتقد أنه بإمكاننا أن ندعم جهود الإصلاح. الأمر الثالث الذي أريد أن أنبه إليه، والذي تطور خلال العام الماضي، وهو أننا نرى دولا ومؤسسات في المنطقة تنشغل بشكل متصاعد بدعم التغيير السلمي. فعلى سبيل المثال، في اليمن نرى دول مجلس التعاون تعمل على تسهيل انتقال سياسي سلمي من الرئيس صالح إلى الرئيس هادي والعملية السياسية الجديدة، وفي ليبيا، وجدنا جامعة الدول العربية تتدخل من أجل دعم الثورة، وفي سوريا الجامعة العربية تدعم المعارضة من خلال إطار مجموعة أصدقاء سوريا. فمن الأمور المثيرة التي تحدث أن دولا مثل دول مجلس التعاون والأردن لديها قضايا داخلية تسعى لمعالجتها، ولكنها أيضا تعمل على جعل الربيع العربي يتقدم بطريقة سلمية، وأن يتماشى مع طموحات الشعوب. وهذا تطور إيجابي جدا؛ أن نرى الجامعة العربية ودول مجلس التعاون تقوم بهذا الدور.

* ولكن ألم تجدوا تشنجا في العلاقات مع بعض هذه الدول بسبب مواقف الولايات المتحدة الأخيرة؟ على سبيل المثال، في الشأن السوري، هناك دول تريد العمل على تسليح المعارضة، أو على الأقل أن تتدخل الولايات المتحدة بشكل أوضح. فهل تغيرت قدرتكم على قيادة تحالفات لمعالجة القضايا الجوهرية في المنطقة؟ وما العامل الذي يمكنه أن يدفعكم للتدخل بشكل أكبر في سوريا؟

- نحن نسير إلى الأمام على مسارين فيما يخص سوريا. المسار الأول تجسده خطة «المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان»، لأن خطة أنان تزود الأسس الدولية الأوسع لمعالجة الأزمة في سوريا. إنها طريقة لجلب الأمم المتحدة ومجلس الأمن وروسيا إلى جهود اتخاذ خطوات بهدف خفض نسبة العنف وبدء عملية انتقال سياسي. وكون الأوضاع أليمة إلى هذه الدرجة في سوريا، فإننا نعتقد أنه من المجدي بذل جهود لمحاولة إنجاح هذه العملية. ولكن في الوقت نفسه، نشكك في «إمكانية نجاح» خطة أنان ولم نر النتائج التي نريدها، ونظام الرئيس السوري بشار الأسد لم يلتزم بأي من التزاماته تجاه خطة أنان، ولهذا السبب لدينا آلية منفصلة، من خلال مجموعة أصدقاء سوريا، حيث بإمكاننا العمل مع الأوروبيين وتركيا والجامعة العربية من أجل منح مساعدات مباشرة للمعارضة السورية، وأن نساعدهم على وضع عملية أكثر شمولا وخطة عمل للانتقال، وأن ننسق نقاط الضغط على نظام الأسد، وخاصة من خلال العقوبات والضغط الاقتصادي، ونعتقد أن هذه الخطوات بدأت تؤدي إلى التأثير على النظام. نقطة الضعف الكبرى لدى النظام في هذه اللحظة، بجانب خسارة الشرعية مع الشعب، هي التأثير على الوضع الاقتصادي والواردات بسبب العقوبات. في رأينا، كلما طالت فترة تقدم النزاع كلما ازدادت الخطورة، أي أن العنف سيتفاقم وستكون إدارة مرحلة الانتقال أكثر صعوبة من دون عنف متواصل ومتصاعد. ولهذا السبب، قررنا أن نجعل الانتقال السياسي المحور الرئيسي خلال مناقشات (اجتماعات) مجموعة الثماني الصناعية، لأننا نؤمن بأن أفضل طريقة لخفض العنف تعتمد على وجود عملية انتقال سياسي. وذلك لا يختلف عما حدث في اليمن من هذه الناحية. ومثلما قلنا في السابق: الاختلاف مع ما حدث في ليبيا ليس فقط إن كان هناك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول ليبيا ولكن أيضا كان هناك خيار عسكري مجدٍ جدا، وكان من الممكن خلق مساحات جغرافية تكون المعارضة محمية داخلها من النظام وبذلك يمكنهم تنظيم أنفسهم. ولكن في سوريا، عناصر القوات الأمنية مختلطة مع السكان المدنيين، وبدلا من الاستخدام «الموسع» للقصف الجوي يعتمدون على القناصة والقصف المدفعي، وهي كلها تختلف عن الوضع الليبي الذي سمح بالتدخل من خلال القصف الجوي. ولهذا فإن الأمر أكثر تعقيدا، ولكننا نعلم أنه كلما طالت الفترة ستتخذ دول أخرى قراراتها حول طبيعة الدعم الذي ستقدمه للمعارضة.

* هل لديكم معلومات مؤكدة حول دعم عسكري يصل إلى المعارضة السورية؟

- ما يمكنني قوله هو كلما طالت الفترة، فسيزداد اهتمام دول معينة بفعل ذلك، ويتحدثون عن ذلك ويبحثون إمكانية ذلك، ولكن لا يمكنني قول المزيد عن هذا الأمر.

* عندما تشير إلى السيناريو اليمني، هل تتصور أن يحل (نائب الرئيس السوري) فاروق الشرع محل الأسد؟

- نؤمن بأن على بشار الأسد أن يتخلى عن السلطة ولا نرى إمكانية أي انتقال سياسي حقيقة مجدٍ من دون تركه للسلطة. ولا أظن أن لدينا رأيا حول من سيكون القائد المقبل لسوريا، ولكن أعتقد أنه بالإضافة إلى مغادرة بشار الأسد، يجب أن تكون هناك عملية سياسية ديمقراطية بشكل ما تشمل تحديد مستقبل سوريا ومنح الشعب السوري فرصة اختيار قادتهم. أنا لست في موقع تصميم هذه العملية، ولكن من حيث المبادئ التي نبحث عنها، نشدد على مغادرة الأسد للسلطة، ووضع عملية معينة تسمح للسوريين بتحديد شكل حكومتهم الجديدة.

* لننتقل إلى مصر والانتخابات التاريخية التي ستحدد رئيسا جديدا في مصر. كيف تغيرت علاقات واشنطن مع القاهرة منذ ثورة العام الماضي وكيف تتعاملون مع مصادر القوى المتعددة في البلاد الآن؟

- نرى مصر كشريك استراتيجي على المدى البعيد مع الولايات المتحدة، وكدولة قيادية في العالم العربي وفي المنطقة، وفي طليعة التغيير الذي يحدث في المنطقة وكدولة سيكون مصيرها ذا أهمية عالية للربيع العربي إجمالا. من المهم أن يفهم الناس أن المصالح الأميركية المتعلقة بمصر تشمل بالطبع اتفاقية السلام وجهودنا لمكافحة الإرهاب في المنطقة، ولكن أيضا تشمل نجاح الانتقال السياسي الديمقراطي في مصر. ذلك من مصلحة الولايات المتحدة وإذا استطاعت مصر الانتقال بنجاح، وتخرج بديمقراطية رصينة ومستقرة وباقتصاد مزدهر، ذلك سيخدم المصالح الأميركية. ونفهم أنه ليس بإمكاننا تحديد شكل هذه العملية ولن نحدد من هو الرئيس المصري أو من يدخل البرلمان، ولكن سنعمل مع أي قيادات ينتخبها الشعب المصري تحديدا لأننا نعتقد أن الأمر في غاية الأهمية. ونحن ندرك أيضا أنه بسبب التاريخ المعقد بيننا وبين مصر سيكون لدى الشعب المصري شكوك باتجاه الولايات المتحدة. ولكن من خلال الوقوف بعيدا، والسماح للعملية بأن تنضج (بطريقة طبيعية) يمكننا إظهار التغيير الذي طرأ، وأن الولايات المتحدة لا تتوقع أنها تستطيع تحديد المستقبل السياسي لمصر. ما نريده هو شراكة مع القيادات المصرية المنتخبة بشكل ديمقراطي، ومن خلالها مع الشعب المصري. يمكنني القول إن الرئيس شخصيا كان مهتما بالانتقال في فبراير (شباط) 2011 وشعر بالإلهام مما حدث. نحن نفهم أن هناك انعدام ثقة لدى المصريين تجاه الولايات المتحدة، ونحن نقبل ذلك، ولكن نؤمن بأننا سنعيد هذه الثقة مع مرور الوقت من خلال إظهار أن الأمور تغيرت حقا، وأننا نحترم العملية الديمقراطية. ونريد تواصلا أعمق مع الشعب المصري ومختلفا عن الماضي.

* عندما نتحدث عن الانتقال إلى الديمقراطية والتاريخ الصعب مع الولايات المتحدة، تأتي إلى الذهن دولة أخرى وهي العراق. فمع توالي الأزمات السياسية في البلاد، ابتعدت الإدارة الأميركية عن التدخل في الشأن العراقي أو العمل مع فرض نفوذها لحلحلة المشكلات فيه. ألا تجازفون بخسارة المزيد مع تراجع دوركم باختياركم؟

- من جهة، الانسحاب النهائي للقوات الأميركية نهاية العام الماضي، أدى إلى إعادة كاملة للسيادة العراقية، مما أدى أيضا إلى عدم إمكانية الولايات المتحدة اتخاذ قرارات في هذه القضايا. وفي الوقت نفسه، لدينا وجود دبلوماسي مهم في العراق، ولدينا مصلحة في إنجاح ديمقراطية شاملة فيه، ولدينا علاقات مع جميع القيادات في العراق، مع رئيس الوزراء نوري المالكي وقادة أكراد وسنة وشيعة آخرين، وبهذا نستطيع أن نقدم النصائح وأن نستخدم موقعنا في البلاد للتشجيع على الحلول السلمية في إطار القانون العراقي. نحن نؤمن بقوة بأنه من الضروري أن يبقى العراق متحدا، وأن إنجاح الديمقراطية العراقية يعني أن الجميع لن يحصل على كل ما يريده، ولكن يجب أن يكون للجميع حصة في النظام والعملية. ولدى (القادة) العراقيين أسئلة مهمة عليهم الإجابة عنها، ليست فقط من ناحية الشخصيات السياسية، بل أسئلة حول مستقبل البلاد وكيفية تنظيمه. الأمر الإيجابي هو إذا استطاع القادة العراقيون إبقاء المسار مستقرا نسبيا، فستتحسن الأوضاع، وسيكون هناك المزيد من إيرادات النفط والتطور الاقتصادي. يمكن التطلع إلى أنماط إيجابية في العراق إذا بقيت العملية السياسية متحركة وتبقى جميع الأطراف مشمولة فيها.

* هناك قضايا أخرى ذات أهمية عالية، مثل ضرورة حل النزاع العربي - الإسرائيلي، ومعالجة الملف النووي الإيراني، ولكن كلها تتأثر بطريقة أو بأخرى بانتخابات ليست في المنطقة، بل انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؛ هل سيكون الرئيس أوباما كغيره من رؤساء سابقين ينتظر ولايته الثانية لمعالجة ملفات خارجية معقدة؟ هل نتوقع عدم إحراز تقدم في ملف عملية السلام في الشرق الأوسط على سبيل المثال إلى ما بعد الانتخابات الأميركية؟

- كلما اقتربنا من موعد الانتخابات، يكون على الرئيس قضاء المزيد من الوقت مركزا على الانتخابات، هذا هو الواقع. سيزداد تركيز وقت الرئيس على حملته الانتخابية. وفي حال أعيد انتخابه، سيفسح ذلك المجال لقضاء المزيد من الوقت على القضايا الداخلية والخارجية. ففي الولاية الثانية، كل هذه القضايا ستكون بارزة على أجندتنا، بما في ذلك حل الملف النووي الإيراني وعملية السلام في الشرق الأوسط وكيفية تمكين نماذج ناجحة من الربيع العربي. وعندما ننظر إلى العالم اليوم، هناك أحداث الربيع العربي ولذلك سيحدد إرثنا (أي إدارة أوباما) بحسب إدارتنا للربيع العربي وكيف نساعد على تمكين النجاح في دول مثل ليبيا وتونس ومصر، ونأمل أيضا في اليمن وسوريا ودول أخرى. الأمر سيستغرق وقتا طويلا، الربيع العربي يشكل عملية ستحتاج عقودا وليس سنوات، وهناك رغبة بالتغيير السريع ولكن إذا نظرنا إلى نماذج سابقة ناجحة للتحولات السياسية مثل جنوب شرقي آسيا أو أوروبا الشرقية، أو أميركا اللاتينية، كلها استغرقت سنوات عدة. الأمر الأخير الذي أريد الإشارة إليه، هو أنني كشخص عمل مع الرئيس على خطاب القاهرة (في يونيو «حزيران» 2009) أعلم أن هناك الكثير من الإحباط في المنطقة لأن تحقيق الطموح الذي تحدث عنه الرئيس في القاهرة لم يأت بالسرعة المرجوة، ولكن قمنا بالكثير مما وعدناه، فعلى سبيل المثال القوات الأميركية خرجت من العراق، البعض لم يصدق ذلك عندما قاله الرئيس في القاهرة، ولكنه حدث. نحن نخفض بشكل ملحوظ وجودنا العسكري في هذا الجزء من العالم، ولدينا سياسة خارجية غير محددة فقط بسياسات مكافحة الإرهاب. لقد قمنا بفصل تنظيم القاعدة والمجموعات المرتبطة به من باقي العالم الإسلامي، نحن لا نخوض حربا ضد الإسلام، بل نحن نركز جهودنا على مواجهة مجموعات وأفراد محددين. ولكن ما زال هناك الكثير من العمل الذي علينا القيام به. الأمر الذي أشدد عليه دائما هو أن الرئيس حدد الهدف النهائي الذي نريد تحقيقه في ذلك الخطاب، وذلك شمل إنهاء الحربين في العراق وأفغانستان وقيام دولة فلسطينية تعيش بسلام مع إسرائيل وحل الملف النووي الإيراني واحترام حق جميع الدول بالطاقة النووية السلمية ودعم الديمقراطية وحقوق المرأة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك «نريد بناء» شراكات جديدة بين الولايات المتحدة والعالم العربي والجاليات المسلمة في مجالات متعددة، مثل التعليم والعلوم والتقنيات وريادة الأعمال. وما زلنا نعمل على جميع هذه الأهداف، وما زلنا نؤمن بأنه حتى مع الشكوك المتبقية وبعض انعدام الثقة بين الولايات المتحدة والمنطقة، نريد الوصول إلى نفس الهدف الذي يسعى إليه الغالبية من شعوب المنطقة. وذلك يجعلنا متفائلين.

* ولكن هناك تحديات..

- من السهل التركيز على القضايا السلبية، ولكن اليوم نحن في وضع أفضل مما كنا عليه قبل 3 سنوات ونصف السنة (أي قبل تولي أوباما الرئاسة) عندما ننظر إلى العراق والربيع العربي وما قمنا به في مجالات عدة، مثل ريادة الأعمال؛ إذ تستضيف الإمارات العربية المتحدة قمة لريادة الأعمال بعد مبادرة الرئيس في هذا المجال. الأهداف التي نريد تحقيقها في الولاية الثانية ما زالت نفسها التي حددها الرئيس في القاهرة ويمكننا رؤية مستقبل في ولايتنا الثانية لا تكون فيه الولايات المتحدة تخوض حربا في العراق وأفغانستان، ونأمل أن يكون فيه حل للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، ويحقق طموح الإسرائيليين والفلسطينيين وأن يكون هناك تواصل مختلف بين الولايات المتحدة ودول المنطقة أعمق من علاقة الولايات المتحدة ببعض الحكومات، بل الولايات المتحدة وشعوب المنطقة.