متمردون من الطوارق يعلنون «دولة إسلامية» في شمال مالي

اندماج حركة الأزواد وجماعة أنصار الدين.. والجزائر تدعو إلى الحوار

TT

أعلن المتمردون الطوارق وجماعة أنصار الدين الذين يسيطرون على شمال مالي منذ نحو شهرين، اندماجهما وإقامة «دولة إسلامية» في المنطقة. وشكل «محضر اتفاق» بين المجموعتين منعطفا كبيرا في شمال مالي الشاسع الذي لا يخضع لسلطة باماكو منذ نهاية مارس (آذار) الماضي.

وتم التوصل إلى «محضر الاتفاق» بعد أسابيع من المفاوضات التي كانت شاقة في بعض الأحيان بين الجانبين اللذين يختلفان في أهدافهما وعقائدهما. وقال الاتفاق إن «حركة أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير أزواد يعلنان حلهما في أزواد (منطقة شمال مالي) وإنشاء المجلس الانتقالي للدولة الإسلامية في أزواد». وأضاف «نحن جميعا نؤيد استقلال أزواد (..) ونوافق جميعا على اعتبار الإسلام ديانة للكيان الناشئ، والقرآن والسنة النبوية هما (مصدر التشريع)». ويعد اندماج الحركتين وإعلان الدولة الإسلامية، النقطتين الرئيسيتين في الوثيقة.

وقالت وكالة الصحافة الفرنسية، إن نبأ التوصل إلى هذا التفاهم أثار ارتياحا باحتفالات وإطلاق نار ابتهاجا من قبل سكان مدينة غاو التي أجرى فيها مسؤولون من الحركتين محادثاتهم منذ أيام عدة، وكذلك في تمبكتو، حيث سمع إطلاق نار أيضا.

وكان شمال مالي بأكمله سقط بأيدي مجموعات مسلحة التي استفادت من الانقلاب الذي وقع في 22 مارس في باماكو. ورأى إبراهيم عسالي رئيس بلدية تالاتاي (شمال) والعضو في الحركة الوطنية لتحرير أزواد بعد هذا الاتفاق، أن «حركة أنصار الدين تنأى بنفسها عن الإرهاب، لكنها ترفض في الوقت الحالي إعلان حرب على الإرهاب».

وأثار الاتفاق قلق السلطات الأمنية في الجزائر المجاورة، خشية أن تعطي هذه الخطوة نفسا جديدا للعمل المسلح في المنطقة. وقال مصدر أمني جزائري لـ«الشرق الأوسط»، إن الحلف الذي وقع بين التنظيمين «لا يعني شيئا آخر سوى تكتل تنظيم القاعدة الإرهابي مع تنظيم أنصار الدين بقيادة الأصولي إياد آغ غالي. هذا يعني حلفا بين (القاعدة) وانفصاليي أزواد». وأضاف المصدر أن جماعة غالي «ليست إلا الوجه الثاني من العملة النقدية للجماعة المسماة القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي».

وتم انصهار الجماعتين، بحسب تقارير أمنية، بإيعاز من «القاعدة» التي أوفدت أبرز قياداتها في الساحل إلى شمال مالي (جنوب الجزائر)، لمتابعة إنشاء «المجلس الانتقالي». وهذه القيادات هي محمد غدير الشهير بـ«عبد الحميد أبي زيد» المسؤول عن أغلب أحداث خطف الرعايا الغربيين بالمنطقة، ومختار بلمختار المعروف بـ«خالد أبي العباس»، أقدم زعيم مسلح في صحراء الساحل شارك في حرب أفغانستان، ومسلح آخر برز مؤخرا اسمه نبيل مخلوفي. والثلاثة يتحدرون من الجزائر يجري البحث عنهم منذ سنين طويلة لضلوعهم في أعمال إرهابية كثيرة. وقد شوهدوا في منطقة تمبكتو، القريبة من الحدود الجزائرية، مع إياد آغ غالي الذي أعلن منذ شهرين عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية بالمناطق التي يسيطر عليها التنظيم، منذ الانقلاب العسكري في مالي شهر فبراير (شباط) الماضي.

يشار إلى أن قنصل الجزائر بغاوو (شمال مالي) وستة من مساعديه تعرضوا مطلع أبريل (نيسان) الماضي، للاختطاف على أيدي «جماعة التوحيد والجهاد بغرب أفريقيا»، وهو فصيل منشق عن «القاعدة المغاربية». وأعلنت حركة تحرير أزواد الانفصالية المعارضة لحكومة مالي، أنها أطلقت مساع للإفراج عنهم. فيما اشترط الخاطفون على الجزائر فدية، يجهل قيمتها. وأكثر ما تخشاه السلطات الجزائرية، أن يقع الرهائن بين أيدي جماعة أبو زيد لأنها تدرك أن فرص إنقاذهم ستكون ضئيلة.

ومن جهة أخرى، اقترحت وزارة الخارجية خلال اجتماع مع وفد من الاتحاد الأوروبي، فتح «حوار» مع المتمردين في شمال مالي. وخلال هذا اللقاء الذي جمع وفدا من الاتحاد الأوروبي بحضور رؤساء البعثات الدبلوماسية الأوروبية المعتمدة بالجزائر ركز الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والأفريقية عبد القادر مساهل على «الحفاظ على السلامة الترابية وسيادة مالي»، بحسب بيان للخارجية نشرته وكالة الأنباء الجزائرية. كما دعا مساهل إلى «تسوية مسألة الشمال من خلال تنظيم حوار مع المتمردين للتكفل بمطالبهم الشرعية والتكفل بالمسائل الإنسانية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة». وتمخض عن هذا اللقاء بين الجزائر والاتحاد الأوروبي «تقارب في وجهات النظر حول ضرورة استكمال المسار الدستوري وتعزيز الهيئات الوطنية المالية والبحث عن حل سياسي لمسألة الشمال في إطار احترام السلامة الترابية للبلاد».