مسؤولون أميركيون وسعوديون على قائمة اغتيالات لها صلة بإيران وحزب الله

محققون قالوا إن المخطط شمل مسؤولين ودبلوماسيين في7 دول.. والتفاصيل شبيهة بمحاولة اغتيال السفير السعودي

صورة وزعتها وكالة «مهر» الإيرانية أمس لنواب في البرلمان الإيراني يفترشون الأرض لفرز أوراق الاقتراع لانتخاب رئيس البرلمان («الشرق الأوسط»)
TT

في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط فيض حركة البرقيات اليومية القادم إلى السفارة الأميركية في أذربيجان، جاءت رسالة ارتعدت لها فرائص السفير ماتيو بريزا، الذي كان وقتها أكبر دبلوماسي أميركي في ذلك البلد الصغير الواقع في وسط آسيا، وكان مفادها أن النجاح في كشف مخطط لقتل أميركيين، وكان مسؤولو السفارة ضمن قائمة الشخصيات المستهدفة.

وكانت التفاصيل شحيحة في البداية، لكنها اتضحت أكثر مع تقدم سير التحقيقات التي أجرتها أجهزة الاستخبارات في كلا البلدين. فقد علم المسؤولون الأميركيون أن المخطط ينقسم إلى شقين، يتضمن الأول الاستعانة بقناصة يستخدمون بنادق مزودة بكاتم للصوت، بينما يتضمن الآخر زرع قنابل في السيارات. والهدف من ذلك، كما هو واضح، هو قتل موظفي السفارة أو أفراد أسرهم.

وتوصل هؤلاء المسؤولون إلى أن هذين المحورين يعود أصلهما إلى المكان نفسه، وهو جارة أذربيجان الجنوبية؛ إيران.

وبدا أن التهديد، الذي لم يعلن الكثير من تفاصيله، قد تراجع بعد قيام السلطات الأذربيجانية بإلقاء القبض على نحو 24 شخصا، ضمن موجة اعتقالات واسعة أوائل العام الحالي. ولم يتحدد على وجه اليقين من أصدر هذه الأوامر بالضبط ولماذا، إلا أن المسؤولين الأميركيين والشرق أوسطيين أصبحوا ينظرون إلى هذه المحاولات على أنها جزء من حملة أوسع تشنها عناصر ذات صلة بإيران لقتل الدبلوماسيين الأجانب في 7 بلدان على الأقل على مدار 13 شهرا. وذكر المسؤولون أن قائمة المستهدفين تضمنت مسؤولين سعوديين اثنين و6 إسرائيليين وكذلك – في حالة أذربيجان - الكثير من الأميركيين. وخلال الأسابيع الأخيرة، تجمعت لدى المحققين الذين يعملون في 4 بلدان أدلة جديدة تربط محاولات الاغتيال المتباينة هذه بعضها ببعض، وتربطها جميعا إما بمسلحين من حزب الله مدعومين إيرانيا وإما بعناصر موجودة داخل إيران، بحسب مسؤولين أمنيين أميركيين وشرق أوسطيين. واستشهد تقرير رسمي صدر الشهر الماضي، وتحدث بإيجاز عن الأدلة المتوافرة، بمكالمات هاتفية وفحوصات الطب الشرعي وترتيبات السفر التي جرى تنسيقها، بل وحتى بطاقات تشغيل هواتف جوالة تم شراؤها في إيران واستخدمها الكثير ممن كانوا سينفذون عمليات الاغتيال، بحسب مسؤولين اطلعوا على التقرير المكون من 6 صفحات.

ولاحظ المسؤولون أن هذه المحاولات قد توقفت فجأة مع بداية فصل الربيع، في توقيت شهد تغييرا في لهجة إيران، بعد أسابيع من الجعجعة عن القتال ضد الغرب والتهديد بإغلاق طرق الشحن البحري الحيوية. وفي شهر مارس (آذار) الماضي، أبدى المسؤولون الإيرانيون موافقتهم رسميا على مقترح باستئناف المفاوضات مع القوى العالمية الـ6 بشأن مقترحات بتقليص برنامجها النووي.

ويقول دبلوماسي غربي أحيط علما بمخططات الاغتيال، وطلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية تلك المعلومات الاستخباراتية: «يبدو أن هناك محاولة مدروسة لتهدئة الأمور قبل المحادثات. لا أحد يدري ماذا سيحدث إذا فشلت تلك المحادثات».

وهناك مزيد من الغموض حول ما إذا كانت هذه المحاولات قد تمت بأوامر من مسؤولين حكوميين، أو ربما تكون قد تمت بموافقة ضمنية من السلطات ونفذتها عناصر استخباراتية أو تنظيم بديل مثل حزب الله. ويعتبر كثير من المسؤولين الأميركيين والشرق أوسطيين أن هذه الوقائع هي جزء من حرب ظل مشتعلة، في صراع خفي متعدد الجوانب كانت فيه إيران هي الأخرى ضحية لعمليات اغتيال، حيث سبق أن تعرض 4 علماء مرتبطون ببرنامج إيران النووي للقتل على يد مجهولين على مدار السنوات الـ3 الماضية، كما تعرضت المواقع النووية الإيرانية لهجمات كثيرة على يد قراصنة الكومبيوتر. وقد اتهمت إيران الولايات المتحدة وإسرائيل بقتل علمائها، لكنها أنكرت أكثر من مرة أن يكون لها أي دور في مخططات اغتيال دبلوماسيين أجانب بالخارج.

وقد رفضت إدارة الرئيس أوباما أن تربط مباشرة بين مخطط أذربيجان والحكومة الإيرانية، تجنبا لما يمثله ذلك من اتهام قد يؤدي إلى اشتعال الأمور، في وقت تتفاوض فيه الحكومتان بشأن وضع حدود لبرنامج إيران النووي. ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم أقل اقتناعا بوجود تنسيق بين زعماء إيران وحزب الله في ما يتعلق بالتخطيط لمحاولات الاغتيال هذه، مشيرين إلى أن كلا الفريقين لديه تاريخ طويل من ارتكاب مثل هذه الأعمال بمفرده ولأغراضه الخاصة.

ويقول مسؤول أميركي كبير قام بدراسة تلك الأدلة: «فكرة أن يكون هناك تعاون بين إيران وحزب الله في ما يتعلق بهذه المحاولات هي فكرة محتملة، لكن هذا الاستنتاج غير نهائي».

تعد الهجمات التي تستهدف دبلوماسيين أميركيين بشكل مباشر نادرة، ولكنها ليست مجهولة. ففي عام 2002، أصيب لورنس فولي، وهو مسؤول كبير بالسفارة الأميركية لدى الأردن، إصابة خطيرة بعد تعرضه لإطلاق النار على يد متطرف إسلامي مشتبه به خارج منزله في عمان، كما قتل دبلوماسيون آخرون خلال السنوات الأخيرة في باكستان والسودان والعراق. ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية أن هناك أميركيين كانوا سيتعرضون في الغالب للقتل إذا كان مخطط إيراني لقتل سفير السعودية في واشنطن العام الماضي قد نجح.

ولكن في أذربيجان، تم تنبيه مسؤولي السفارة إلى وجود مخططات ضد موظفيها 3 مرات على الأقل خلال العامين الماضيين. وفي كل مرة، كان يتم اكتشاف المخططين المزعومين وإحباط التهديدات في هدوء عن طريق السلطات الأذربيجانية، في تعاون وثيق مع مسؤولي مكافحة الإرهاب الأميركيين، طبقا لمسؤولين أميركيين وشرق أوسطيين على علم بتلك الأحداث. وتتمتع أذربيجان، وهي بلد يبلغ عدد سكانه 9 ملايين نسمة، معظمهم من المسلمين، بتاريخ طويل من القلاقل مع جارتها الأكبر حجما في الجنوب، وإن كانت في العلن تسعى إلى الحفاظ على علاقات ودية مع إيران، التي يمثل العرق الأذربيجاني 16 في المائة من سكانها. ولم يعلم موظفو السفارة الكثير عن تلك التهديدات، حيث يقول المسؤولون إن بريزا، الذي كان السفير وقتها، كان حريصا على العمل مع ضباط أمن السفارة من أجل تشديد الإجراءات الأمنية في هدوء، بينما كان المسؤولون في واشنطن يحاولون تقييم مدى خطورة التهديدات. وقد امتنع بريزا، الذي غادر وزارة الخارجية الأميركية هذا العام عقب رفض مجلس الشيوخ اعتماد إعادة ترشيحه لمنصب السفير، عن التعليق على تلك الوقائع.

ويقول مسؤول سابق في وزارة الخارجية كان يتعامل بانتظام مع السفارة: «لقد كانوا يسيرون على حبل رفيع، في محاولة لتجنب إثارة الذعر مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة. كان هناك قلق دائم من تلك العمليات في ذلك الوقت».

وقد برز أحدث التهديدات إلى حيز النور بعد أن تمكنت وكالة تجسس أجنبية من اعتراض رسائل إلكترونية بدا أنها تدور حول خطط لنقل أسلحة ومتفجرات من إيران إلى أذربيجان. وقادهم تتبع بعض هذه الرسائل إلى مواطن أذربيجاني يدعى بالاجرداش داشيف، وهو رجل لديه سجل إجرامي كبير وصلات عميقة، طبقا لمحقق من الشرق الأوسط شارك في القضية، بشبكة من العناصر الاستخباراتية والجماعات المسلحة الموجودة داخل إيران.

ويقول المسؤولون إن داشيف، الذي كان يعمل من داخل إيران، شرع في أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في التنسيق لإحضار شحنة من المتفجرات والأسلحة والأموال إلى معارف أذربيجانيين، بينهم أقارب له وزملاء سابقون في الإجرام. وبالتوازي مع قيام الاستخبارات الأميركية والشرق أوسطية بتشديد المراقبة، بدأت في دراسة ما وصفه المحقق الشرق أوسطي بأنه «كومة من الخطط المتداخلة»، كان بعضها موجها على وجه الخصوص ضد الجالية اليهودية الصغيرة الموجودة في أذربيجان، والبعض الآخر يستهدف دبلوماسيين وشركات مملوكة لأجانب في باكو، عاصمة البلاد المطلة على بحر قزوين.

ويضيف المسؤولون الأميركيون والشرق أوسطيون أن الأسلحة تم تهريبها إلى داخل البلاد، خلال فصل الخريف وبداية فصل الشتاء العام الماضي، مع 10 إيرانيين على الأقل تم تجنيدهم للمساعدة في تنفيذ ذلك المخطط.

وحصل المشاركون الأذربيجانيون على دفعة مقدمة من الثمن المتفق عليه، وبدأوا في مراقبة قائمة من الأهداف، ومن ضمنها مدرسة ابتدائية يهودية، ومطعم وجبات سريعة يمتلكه أحد الأميركيين، ومقر شركة نفط، و«أهداف أخرى في باكو»، بحسب بيان موجز صدر عن حكومة أذربيجان، عقب إجراء سلسلة من المداهمات اعتقل على أثرها 24 شريكا مزعوما ما بين شهر يناير (كانون الثاني) وأوائل شهر مارس الماضيين.

وقد اعترفت إدارة الرئيس أوباما في شهر مارس الماضي بأن السفارة الأميركية كان من الممكن أن تكون ضمن الأهداف المحددة. ولكن خلال الشهرين اللذين أعقبا ذلك، كشف المشتبه بهم الذين خضعوا للاستجواب تفاصيل كاملة عن «الأهداف الأخرى في باكو» التي كانت مدرجة على قائمة المستهدفين، مؤكدين أن منفذي الاغتيالات كانوا يخططون لتجاوز الهجمات على البنايات.

ويقول مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية كان يتعامل عن كثب مع السفارة في باكو: «لقد كانوا يلاحقون الأفراد. كانت لديهم أسماء (لموظفين)، وكانوا مهتمين بأفراد الأسرة أيضا».

وقد أخبر قائد المخطط المزعوم، داشيف، محققيه بأن الهجمات المخطط لها كانت بهدف الانتقام من اغتيالات العلماء النوويين الإيرانيين، وهي هجمات ربطتها إيران علانية بإسرائيل والولايات المتحدة. وقد أنكرت إيران بشدة تورطها في أي مخطط اغتيال داخل أذربيجان، وأكدت السفارة الإيرانية في باكو، في بيان لها، أن هذا المخطط هو محض افتراء.

وجاء في البيان: «نحن نؤمن بأن شعب أذربيجان المجيد يدرك أن هذا الجزء من سيناريو (الإيرانوفوبيا) و(الإسلاموفوبيا) هو من صنع الصهاينة والولايات المتحدة». وباءت محاولاتنا بالفشل للاتصال بالمسؤولين الإيرانيين من أجل الحصول على مزيد من التعليقات لنشرها في هذه المقالة. وما زال داشيف، الذي اعترف بدوره في رسالة مسجلة بالفيديو تم بثها على التلفزيون الأذربيجاني، قيد الحبس، ولم نتمكن من الوصول إليه من أجل الحصول على تعليقه. وقد سبق للمسؤولين في باكو أكثر من مرة اتهام إيران باستثارة مشاعر المتطرفين المؤيدين لإيران، من أجل دق إسفين بين شعب أذربيجان وحكومتها، التي تتعاون تعاونا وثيقا ومفتوحا مع أجهزة مكافحة الإرهاب الغربية.

وصرح إلين سليمانوف، سفير أذربيجان في واشنطن، في مقابلة أجريت معه: «ما نحاول أن نفعله هو بناء أمة قوية مستقلة تكون فاعلا متحملا لمسؤولياته. لقد أخبرنا أصدقاءنا وجيراننا بأن التعبير عن الخلاف بطريقة متحضرة أكثر فائدة من اللجوء إلى الإرهاب أو نشر الراديكالية والتطرف».

ويقول المسؤولون الأميركيون والشرق أوسطيون إن مخطط أذربيجان يسير على نفس النمط الذي لوحظ في كثير من المحاولات الأخرى التي تم ربطها بإيران في الآونة الأخيرة، إذ تضمنت المحاولة التي تم إحباطها لاغتيال سفير السعودية في واشنطن (عادل الجبير) خطة شبيهة، عن طريق استئجار عصابات إجرامية - وفي هذه الحالة، تمت الاستعانة بأعضاء إحدى عصابات المخدرات من المكسيك - لقتل دبلوماسي كبير في مكان عام، حسب ما ذكره مسؤولون استخباراتيون أميركيون.

ويؤكد التقرير الذي قدم إلى المسؤولين الأميركيين الشهر الماضي وجود روابط قوية بين محاولات اغتيال الدبلوماسيين في 5 بلدان أخرى، وهي: الهند وتركيا وتايلاند وباكستان وجورجيا، الجمهورية السوفياتية السابقة. وذكر التقرير أن كل محاولة من هذه المحاولات كانت تضطلع بها عناصر لديها روابط مباشرة بإيران أو حزب الله، وكانت موجهة ضد دبلوماسيين من بلدان معادية لإيران.

وقد تحدث المسؤولون في كل من الهند وإسرائيل عن ارتباط إيران ارتباطا جوهريا بانفجار سيارة مفخخة في شهر فبراير (شباط) الماضي، تسبب في إصابة زوجة دبلوماسي إسرائيلي في نيودلهي بجروح خطيرة. وفي ذلك الهجوم، الذي وقع بالتحديد في 13 فبراير، قام شخص يستقل دراجة نارية بتثبيت قنبلة ممغنطة في سيارة دبلوماسية كانت تستقلها السيدة، مما أدى إلى إصابتها هي وسائقها. واتهمت الشرطة الهندية رجلا هنديا - وهو صحافي مستقل يعمل لصالح عدة مؤسسات إخبارية إيرانية - بالتخطيط للهجوم بمساعدة 3 مواطنين إيرانيين دخلوا البلاد قبل فترة.

وفي اليوم التالي، تم إحباط محاولة مزعومة لقتل دبلوماسيين إسرائيليين، حينما انفجرت قنبلة في توقيت مبكر أثناء تجميعها.

وقد تطابقت القنابل المزروعة في السيارات المفخخة التي أعدت للاستخدام في كلتا الهجمتين، حيث تتكون من مظروف خارجي ممغنط تم تهريبه إلى داخل البلدين، توضع داخله مواد متفجرة من نوع «سي فور» التي تستخدم في المنشآت العسكرية، ولم يعلم حتى الآن المصدر الذي تم الحصول عليها منه. وقد تم توقيف مواطنين إيرانيين يقال إنهما متورطان في محاولة بانكوك، وكما حدث مع المشتبه بهم في أذربيجان، فما زالا يقدمان للمحققين مفاتيح تفك طلاسم تلك المحاولات.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»