أزمة الطاقة في باكستان تتقدم على التهديدات الإرهابية

رجال الأعمال في بيشاور يحملون «جنازة صورية» عبارة عن عدادات للكهرباء

باكستانية تعبر عن غضبها خلال مظاهرة ضد انقطاعات الكهرباء (واشنطن بوست)
TT

في مدينة بيشاور، التي تقع شمال غربي باكستان، والتي تعج بالمتطرفين، شارك مؤخرا مئات من رجال الأعمال في جنازة صورية، لا تهدف للاحتجاج على عمليات القصف أو الخطف، حيث كانت «الجثة» التي يحملونها عبارة عن عدادات الكهرباء.

هدد أصحاب المحلات في بعض المناطق الأخرى من باكستان بالقيام بعمليات انتحار جماعي احتجاجا على قطع التيار الكهربائي من 18 إلى 20 ساعة يوميا، مما حمل بعض الغوغاء على مهاجمة مكاتب شركات المرافق العامة وتدمير السجلات والعدادات الكهربائية، فضلا عن مهاجمة مقار الأحزاب السياسية خلال أعمال الشغب التي قد تخلف قتلى في بعض الأحيان.

وللمرة الأولى في تاريخها، تخلفت باكستان في الشهر الحالي عن سداد بعض ديونها السيادية نتيجة لفشلها في دفع الملايين من الدولارات لشركات الطاقة المستقلة، وهو دليل دامغ على أن قطاع الطاقة في باكستان على شفا الانهيار نتيجة سنوات طويلة من سوء الإدارة والتجاهل.

يؤكد بعض الخبراء أن أزمة الطاقة تمثل خطرا أكبر على استقرار باكستان من مشكلة الإرهاب، وهي نتيجة مريرة نظرا للمساعدات الهائلة التي قامت الولايات المتحدة الأميركية بضخها في مشاريع الطاقة في باكستان على مدار عقود.

يؤكد ثاقب شيراني، مستشار اقتصادي سابق في الحكومة الباكستانية، أن حركات التمرد الإسلامية التي تعاني منها البلاد منذ سنين طويلة تؤدي إلى فقدان البلاد لـ2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تؤدي عمليات انقطاع التيار الكهربائي بالتناوب وبصورة يومية (التي يشار إليها هنا باسم «طرح الأحمال») إلى فقدان 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

تؤدي علميات انقطاع التيار الكهربائي إلى إصابة التجارة بالشلل وزيادة معدلات التضخم والبطالة، فضلا عن إغضاب الجماهير الحانقة من الأساس. يتراوح معدل طرح الأحمال الكهربائية من 5 إلى 10 ساعات يوميا في بعض المناطق الحضرية، بينما يصل إلى ضعف هذه الفترة في المناطق الريفية.

يستخدم أصحاب المحال التجارية والمصانع مولدات احتياطية، في حال توافرها، ولكن رجال الأعمال يؤكدون أن ارتفاع تكلفة الوقود المستخدم في تشغيل هذه المولدات يتسبب لهم في مشكلات اقتصادية ضخمة.

يقول محمد نعيم، بينما كان يجلس في مكتب مظلم في شركة الرخام والغرانيت التي يديرها في إسلام آباد: «لقد تضررنا كثيرا من هذه المشكلات التي تقع في نطاق مسؤولية الحكومة». ويضيف نعيم أن انقطاع التيار الكهربائي بصورة مستمرة أجبره على خفض نوبات العمل إلى النصف، وخفض أعداد الموظفين من 35 إلى 8 موظفين فقط، نظرا لانخفاض الإنتاج.

يتهم المسؤولون الباكستانيون الحكومات السابقة بتجاهل مثل هذه الأزمة، التي كان من السهل التنبؤ بها، بينما يؤكدون أنه يجري الآن إنشاء بعض مشاريع الطاقة النووية والكهرومائية، في الوقت الذي تجري فيه عمليات إصلاح للشبكة الكهربائية والسدود لزيادة إنتاجها من الطاقة الكهربائية. وعلى الرغم من ذلك، فإن حل هذه المشكلة قد يستغرق سنوات طويلة.

يقول ضرغام إشفاق خان، المتحدث الرسمي لوزارة المياه والطاقة الباكستانية: «تدرك الحكومة جيدا حجم معاناة الشعب، وتبذل قصارى جهدها لحل مشكلات نقص الكهرباء، وسوف تظهر نتيجة هذه الجهود بمرور الوقت». وتقدر ديون قطاع الطاقة الحكومي، التي نتجت عن الدعم الذي تقدمه الحكومة والفواتير غير المحصلة، إلى 4.4 مليار دولار. تعثرت باكستان في سداد التزامات تقدر بنحو 500 مليون دولار لمجموعة تتكون من تسع شركات مرافق مستقلة، التي كان من المفترض أن تتلقى هذه المدفوعات. قد يؤدي هذا التعثر، الذي ينبع من بعض الإجراءات المعقدة التي تتضمن منتجي وموزعي الطاقة وشركة النفط الحكومية، إلى خفض التصنيف الائتماني للبلاد.

يقول فاروق ترمذي، مدون ورئيس قسم تقارير الأعمال في صحيفة «إكسبرس تريبيون»، وهي صحيفة يومية تصدر باللغة الإنجليزية: «بعد هذا الفشل الذريع، من برأيكم سيقوم بالاستثمار في إنشاء محطات توليد الطاقة في باكستان؟ سيؤدي صمت المستثمرين الدوليين إلى صم الآذان، حيث سيمكنك سماع صوت هذا الصمت من خلال هدير مولدات الكهرباء الخاصة بك والتي ستضطر لتشغيلها بصورة مستمرة تقريبا».

يتمثل أحد الحلول المطروحة لهذه المشكلة في شن حملات مداهمات على المنشآت السكنية أو الصناعية التي تقوم بسرقة التيار الكهربائي من شبكة الكهرباء، أو هؤلاء الذين لا يدفعون فواتير الكهرباء، وهي مشكلة دائمة، ولكن الحكومة الباكستانية تشتهر بحامية المتهربين من دفع الفواتير، إذا ما كانوا بارزين بالصورة الكافية.

يقول عبد الله يوسف، رئيس اللجنة الاستشارية الخاصة بشركات إنتاج الطاقة التسع: «يتم تسييس هذا الوضع، لذا ينبغي عليك توفير الكهرباء بعض النظر عما إذا كان الشخص يدفع الفواتير أم لا».

يتلقى الموظفون المختصون بقراءة العدادات الكهربائية رشاوى من السكان المحليين، على نطاق ضيق، لإخبارهم بطريقة تعطيل هذه الأجهزة، وبالتالي خفض قيمة الفواتير التي يدفعونها أو حتى التهرب تماما من الدفع.

يقول رجاء حسن، 25 عاما ويمتلك ماكينة تصوير في إحدى أسواق إسلام آباد المزدحمة: «كشركة صغيرة، أصبنا بالشلل حيث إن عملنا يعتمد على الكهرباء». يستأجر رجاء حسن، الذي يقوم بتصوير النسخ لقاء بضعة سنتات للصفحة، مساحة صغيرة أمام أحد متاجر الدمى التي لا تمتلك مولدا للطاقة، لذا يتوقف عمله تماما عندما ينقطع التيار الكهربائي.

وفي بعض المناطق الشمالية الغربية، حيث يلقى المتطرفون دعما قويا، تم الإبلاغ عن قطع التيار الكهربائي لمدة 22 ساعة في اليوم. لا يمكن أن يزداد هذا الوضع سوءا أكثر من ذلك، ولكن هذا قد يشجع بعض التهديدات الوجودية الأخرى في البلاد.

يقول شيراني، خبير اقتصادي: «تعتبر أزمة الطاقة هي التربة الخصبة لأعمال التطرف والتمرد ضد الدولة. بإمكانك رؤية المظاهر الكبيرة التي تدل على هذا الأمر، فالناس عاطلون عن العمل بينما يتم إغلاق شركاتهم، لذلك فالأمر شبيه باللعب مع المتطرفين، حيث إن هذه الأمور تخدم قضيتهم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»