مجلس الأمن يدين مذبحة الحولة.. ويحمل نظام الأسد المسؤولية

رئيس الأركان الأميركي يدعو لضغوط غير عسكرية.. وإيطاليا على استعداد لدعم ممرات إنسانية

برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري المعارض يتحدث إلى معارضين سوريين في قرية برافيتش بالعاصمة البلغارية صوفيا (رويترز)
TT

بينما تتواصل الإدانات الدولية، أدان مجلس الأمن الدولي مساء أول من أمس مذبحة الحولة التي قتل فيها أكثر من مائة شخص، ثلثهم تقريبا من الأطفال، محملا نظام الرئيس بشار الأسد المسؤولية. وجاءت الإدانة في بيان مشترك بالإجماع، وبتأييد روسيا والصين حليفتي نظام الأسد في مجلس الأمن.

وقالت مصادر إخبارية أميركية إن الإدانة الجماعية كانت متوقعة، وحتى تأييد الروس والصينيين، وذلك لأنها أكبر مذبحة منذ بدأت الانتفاضة ضد نظام الأسد. كما أن الإدانة كشفت عن أن مراقبي الأمم المتحدة لم يقدروا على وقف أعمال العنف، التي يبدو أنها في ارتفاع مطرد.

وأصدر مجلس الأمن البيان بعد جلسة طارئة مغلقة مساء الأحد، حملت اتهاما مباشرا لنظام الأسد بقتل «العشرات من الرجال والنساء والأطفال، وإصابة المئات بجروح.. في الهجمات التي شملت قصف مدفعية الحكومة ودباباتها على حي سكني».

ووصف البيان ما حدث بأنه «استخدام فاحش للقوة»، وأنه انتهاك للقانون الدولي، ولالتزام سوريا بخطة السلام التي كانت وافقت عليها. ودعا البيان سوريا إلى الامتثال فورا لقرار مجلس الأمن السابق بسحب جميع قواتها ودباباتها من المناطق السكنية.

وقالت مصادر إخبارية أميركية إن روسيا والصين وقعتا على البيان وهما تعرفان أنه الأكثر إدانة لنظام الأسد الذي ظلتا تدافعان عنه في مجلس الأمن، منذ بدء الأزمة السورية. لكن نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، ألكسندر بانكين، قال للصحافيين عقب إصدار البيان، إن الأحداث التي أدت إلى الحادث تظل «غامضة». وأثار احتمال أن «قوة ثالثة» نفذت عمليات القتل، وأن هدف هذه «القوة الثالثة» هو تقويض بعثة الأمم المتحدة التي يتوقع أن تصل إلى دمشق بقيادة كوفي أنان، المبعوث المشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة، لكن سفير ألمانيا في الأمم المتحدة، بيتر فيتيغ، قال ردا على هذا التصريح الروسي إنه «ليس هناك شك في أن حكومة الأسد هي المسؤولة». وأضاف أن هناك «بصمة واضحة للحكومة في هذه المجزرة».

وأفاد تقرير رفعته بعثة الأمم المتحدة إلى سوريا إلى مجلس الأمن بأن غالبية الوفيات نجمت عن قصف القوات الحكومية، وأن الناس في الحولة قالوا للمراقبين إن معظم القتل كان بالرصاص أو الذبح أو الهراوات، وأنه حدث في بيوت القتلى بواسطة الميليشيات الموالية للحكومة.. وقال التقرير أيضا إن بعض الضحايا قتلوا «بإطلاق النار عليهم من مسافة قريبة».

وكان مجلس الأمن استمع إلى التقرير في اتصال عبر دائرة تلفزيونية مغلقة مع الميجور جنرال روبرت مود، رئيس بعثة مراقبة الأمم المتحدة في سوريا. وقال مود إن عدد القتلى هو 116 شخصا، وإن مراقبي الأمم المتحدة زاروا الحولة، وأثبتوا أن معظم القتلى لقوا مصرعهم «في قصف بالمدفعية والدبابات التابعة للحكومة». وأضاف أن المراقبين شاهدوا مجموعة دبابات تابعة للجيش السوري في منطقة الحولة، وأن هذا يتناقض مع التزام سوريا بخطة الأمم المتحدة للسلام.

وبالإضافة لتقرير مود، قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في رسالة إلى مجلس الأمن، إن مراقبي الأمم المتحدة الذين زاروا المدينة شاهدوا جثث 85 شخصا في أحد المساجد، وقد أصيبوا «بطلقات نارية وقنابل مدفعية».. وشاهدوا أيضا أكثر من عشر جثت أخرى، بما في ذلك جثث نساء وأطفال، وبعضهم عانى «اعتداءات بدنية هائلة» قبل موتهم.

وأضاف بيان مون أن «مستوى العنف في زيادة مستمرة»، وقال: «زاد العنف ضد المدنيين خلال الأيام القليلة الماضية، وزادت أيضا الاشتباكات بين قوات الحكومة والمعارضة المسلحة في أجزاء كثيرة من سوريا».

وفي سياق متصل، اتفق الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، «على العمل معا لزيادة الضغط» على الرئيس السوري بشار الأسد، وأكدا في بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية على انعقاد المؤتمر المقبل «لأصدقاء الشعب السوري» في باريس، كما أعلن قصر الإليزيه أمس.

وبدوره، عبر رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، أمس، عن أسفه العميق للمذبحة، وحث المجتمع الدولي على استخدام الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية لإنهاء العنف في البلاد. وقال ديمبسي لشبكة «سي بي إس» التلفزيونية: «الأحداث التي وقعت في سوريا في مطلع الأسبوع مروعة وآثمة حقا».

وتوقع ديمبسي تصاعد الضغوط الدولية على سوريا بعد إدانة مجلس الأمن، وقال: «أعتقد أن هذا الضغط الدبلوماسي يجب أن يسبق دوما أي مناقشات عن الخيارات العسكرية. وبالمناسبة عملي هو الخيارات لا السياسة، ولذلك سنكون مستعدين لتوفير الخيارات؛ إذا طلب منا ذلك».

وقال ديمبسي في تصريحات لاحقة لشبكة «سي إن إن»: «بالطبع علينا دوما أن نوفر خيارات عسكرية ويجب بحثها»، لكنه شدد على ضرورة أن يستخدم المجتمع الدولي إجراءات دبلوماسية واقتصادية أولا للضغط على الأسد «ليتخذ القرار الصحيح».

من جهته، أشاد وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي بإدانة مجلس الأمن لـ«الأحداث الفظيعة في مدينة الحولة (السورية)؛ بالإجماع». وحذر فسترفيلي، في بيان صدر عن الخارجية الألمانية أمس، المجتمع الدولي من «الانتقال لجدول أعماله العادي إذا استمر النظام السوري في استعمال العنف مع شعبه بهذه الطريقة الوحشية»، مشيرا إلى أن هناك مشاورات بين ألمانيا وشركائها بشأن اتخاذ المزيد من الخطوات للرد على تصاعد العنف ضد الشعب السوري، وشدد على ضرورة أن يفهم نظام الأسد - وبشكل واضح - أنه قد أضاع كل رصيده، وأن أفعاله قد زادت الأمور سوءا.

إلى ذلك، قال وزير الخارجية الإيطالي جوليو تيرزي لصحيفة «لاستامبا» الإيطالية إن إيطاليا على استعداد لدعم ممرات إنسانية لإنهاء المجازر في سوريا في إطار «مسؤولية الحماية»، مؤكدا أنه «لا يمكن أن نقف متفرجين على عشرات الأطفال وهم يقتلون بوحشية. يجب القيام بشيء إزاء ذلك»، معلنا استعداده لدعم قرار جديد للأمم المتحدة «أكثر تشددا».

وأقر تيرزي بأنه للتمكن من إصدار مثل ذلك القرار «فإن دور الصين وروسيا بالغ الأهمية»، كما أعرب عن تأييده لتعزيز المراقبين في سوريا، وقال: «عند الضرورة سنعزز مهمة المراقبة ليبلغ عددها حتى ألفين أو ثلاثة آلاف» مراقب.

من جهتها، أدانت الصين أمس «القتل الوحشي للمدنيين»، مؤكدة على أن جهود أنان لا تزال أفضل وسيلة لوقف العنف في سوريا. وعلى الرغم من هذا التصعيد في التنديد بزيادة مستوى العنف، فإن المتحدث باسم الخارجية الصينية ليو وي مين أحجم عن إدانة حكومة الأسد بشكل مباشر. وقال مين: «ندعو جميع الأطراف المعنية في سوريا إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واقتراح أنان، على الفور بشكل شامل وتام».

فيما قالت إيران أمس إن مجزرة الحولة نفذت لنشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في البلاد وعرقلة جهود السلام. ونقل تلفزيون «برس تي في» عن المتحدث باسم وزارة الخارجية، رامين مهمان باراست، قوله: «نحن متأكدون أن التدخل الأجنبي والإرهابيين والإجراءات المريبة التي استهدفت الشعب السوري الصامد محكوم عليها بالفشل»، وأضاف: «تم تنفيذ الهجوم لإشاعة الفوضى وزعزعة الاستقرار بسوريا، ويحاول مرتكبوه إغلاق الطريق أمام حل سلمي».