رئيس وزراء اليابان السابق يقود حملة ضد الطاقة النووية

قال إن حادثة فوكوشيما كادت تؤدي ببلاده إلى حافة الانهيار الوطني

رئيس الوزراء الياباني السابق ناوتو لدى تحدثه للجنة تحقيق برلمانية في طوكيو (نيويورك تايمز)
TT

في تحذير استثنائي واضح، طالب رئيس وزراء اليابان خلال الأزمة النووية التي ألمت باليابان العام الماضي، أثناء التحقيق البرلماني يوم الاثنين، بتخلي بلاده عن الطاقة النووية نظرا لما تنطوي عليه من خطورة كبيرة، قائلا إن حادثة فوكوشيما كادت أن تؤدي باليابان إلى حافة الانهيار الوطني.

وفي شهادته أمام اللجنة التي تحقق في تعامل الحكومة حذر ناوتو كان، رئيس الوزراء السابق، من أن الصناعة النووية القوية سياسيا كانت تحاول دفع اليابان مرة أخرى نحو الطاقة النووية على الرغم من أنها «لم تظهر أي نوع من وخز الضمير تجاه الحادث».

كانت شهادة كان الشهادة التي لقيت متابعة أكبر خلال التحقيق الذي استمر على مدار ستة أشهر، والذي بدأه مشرعون يابانيون شعروا أن التحقيق الداخلي الأولي الذي أجرته الحكومة حاول إخفاء المشكلات. وقد استغل كان شهادته لتوجيه الانتقادات إلى الموقف المؤيد نسبيا للطاقة النووية لرئيس الوزراء الحالي، يوشيهوكو نودا الذي خلف كان في أغسطس (آب)، والذي دعا لإعادة تشغيل المنشآت النووية السليمة، التي توقفت بعد الحادثة بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة العامة. وقال إن المنشآت ضرورية لتجنب انقطاع التيار الكهربائي الذي قد يضر بالاقتصاد. وقد قوبل نودا بمعارضة شديدة من الناخبين اليابانيين، الذين قالوا إن الحكومة تسارع إلى إعادة بناء المنشآت دون التأكد من أمنها أو إتاحة الوقت لإقامة حوار مجتمعي ملائم بشأن ما إذا كانت اليابان حقا بحاجة إلى محطة للطاقة النووية.

وقال كان في شهادته إن أمن المنشأة اليابانية كان غير ملائم لأن سياسة الطاقة استحوذت عليها «القرية النووية»، مصطلح لشركات الطاقة، والمنظمون والباحثون المؤيدون للطاقة النووية التي تعمل معا لترويج الصناعة النووية. وأشار إلى أن السبيل الوحيد لكسر هيمنتهم يتمثل في تشكيل هيئة تنظيمية جديدة يشارك فيها عدد كبير من الخبراء الأجانب من الولايات المتحدة وأوروبا.

وأضاف مشيرا إلى حادثة انفجار المفاعل النووي في أوكرانيا، التي نشرت الإشعاع في نطاق واسع من أوروبا: «قال غورباتشوف في مذكراته أن حادثة تشيرنوبل كشفت عن مرض النظام السوفياتي. وقد فعلت حادثة فوكوشيما نفس الشيء في اليابان».

جدير بالذكر أن كان حاول في أعقاب استقالته من منصبه في أغسطس الماضي الابتعاد عن الشأن العام. ورغم الانتقادات التي وجهت إليه، لم يحاول كان الاستفادة من الموقف والعودة إلى الساحة السياسية مرة أخرى، نظرا للإدراك الواسع بأن حكومته لم تتعامل بحرفية مع الحادثة، وتسترت على الحجم الحقيقي للكارثة، وبدا عوضا عن ذلك أنه يحاول تحسين إرثه الملوث. قضى كان جزءا كبيرا من شهادته التي استمرت على مدى ثلاثة أرباع الساعة في تفنيد الانتقادات التي وجهت لتعامله مع الحادثة، التي غطت منطقة واسعة من شمال شرقي اليابان بالإشعاع. وشكا من أن المنظمين النوويين ومشغلي المنشأة، هيئة طوكيو للطاقة الكهربائية، أو ما تعرف اختصارا باسم «تيبكو»، أخفوا عنه تفاصيل هامة في الأيام الأولى التي تلت الزلزال الضخم وموجة تسونامي التي حدثت في 11 مارس (آذار) 2011، والتي قامت بتعطيل أنظمة التبريد في منشأة داييتشي فوكوشيما، وتسبب في انصهار مفاعلات المنشأة الثلاثة.

وأشار إلى أنه حاول أن يكون منفتحا بشكل كامل مع الشعب الياباني وأن لا يخفي شيئا، لكنه بدا أنه يقوض هذا الزعم عندما كشف في الأيام الأولى من الأزمة عن خشيته من خروج الأزمة عن السيطرة، على الرغم من تصريحات وزرائه بأن المنشأة تحت السيطرة.

وقال إنه كان يخشى من أن تؤدي انصهارات أخرى إلى انتشار الإشعاع في الهواء والبحر، أكثر مما فعله تشيرنوبل بمئات المرات. وقد أدت هذه المخاوف إلى أكثر اللحظات استثنائية للأزمة، عندما دخل كان إلى مقر «تيبكو» بعدما وردت إليه معلومات بأن الشركة تريد إجلاء العاملين من المنشأة المتوقفة عن العمل. وطلب منهم البقاء قائلا إنه كان مستعدا للتضحية بحياته للحيلولة دون تدهور الكارثة.

ودافع كان عن زيارته إلى المنشأة في اليوم الذي أعقب الزلزال، التي لقيت انتقادات واسعة، بتشتيته للعاملين في المنشأة في مرحلة مفصلية من جهودهم لإنقاذ المفاعلات التي ارتفعت حرارتها أكثر مما ينبغي. وقال كان للجنة إن زيارته إلى المنشأة كانت بهدف الحصول على تقييم بشكل مباشر من مدير المنشأة لأنه شعر أن مسؤولي «تيبكو» في طوكيو لم يعطوه معلومات دقيقة.

لكن تصريحاته الأقوى جاءت في نهاية شهادته، عندما سأله أحد أفراد اللجنة عما إذا كانت لديه توصية لرئيس الوزراء الحالي. ورد كان أن الحادثة كادت أن تدفع اليابان إلى إخلاء طوكيو وسكانها الذين يصلون إلى 30 مليون شخص، وأن خسارة العاصمة كانت ستشل الحكومة الوطنية وتؤدي إلى انهيار قدرة الدولة على العمل. وأشار إلى أن احتمالية خسارة طوكيو جعلته يدرك أن الطاقة النووية بالغة الخطورة، وأن نتائج الحادثة أضخم من أن تقبلها اليابان.

وقال كان: «من المستحيل ضمان الأمن بشكل كافٍ لمنع مخاطر الانهيار الوطني، فقد أقنعتني الحادثة بأن السبيل الأمثل لجعل المنشآت النووية آمنة هي عدم الاعتماد عليها، لكن الأفضل الاستغناء عنها»، بيد أن نودا لم يلتفت إلى هذا التحذير، فبعد ساعات من الشهادة أشار رئيس الوزراء إلى أنه قد يتخذ قرارا في القريب العاجل بإعادته بدء منشأة «أوي» النووية في غرب اليابان، التي يأمل في أن تكون الخطوة الأولى نحو تحول اليابان إلى تشغيل المنشآت النووية المعطلة.

* خدمة «نيويورك تايمز»