المغرب: تواصل الجدل في البرلمان بشأن حصانة العسكريين ونواب انتقدوا الحماية المطلقة من المساءلة الجنائية

القانون ينص على تمتع العسكريين بحماية الدولة من التهديدات والمتابعات والتهجمات والضرب والسب والقذف

TT

اتفق أعضاء لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب المغربية من الغالبية والمعارضة على تكوين لجنة مصغرة توكل إليها مهمة تعديل المادة السابعة من القانون المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين التي تنص على حمايتهم من المساءلة الجنائية، وتمتيعهم بالحصانة، وذلك بتنسيق مع الحكومة.

وفي غضون ذلك، وافقت رئاسة مجلس النواب على طلب فرق المعارضة استشارة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن مدى ملاءمة هذه المادة مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

وكانت المادة السابعة من القانون قد أثارت جدلا واسعا داخل البرلمان وصل صداه إلى الصحافة المحلية والدولية، وإلى عدد من الجمعيات الحقوقية التي انتقدت بدورها الحصانة التي منحها هذا القانون للعسكريين، واعتبرته «مخالفا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وللدستور ولتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وكذا مطالب المنظمات الحقوقية المحلية والدولية» إذ يتضمن طبقا لهذه الجهات «مقتضيات واضحة لشرعنة الإفلات من العقاب والمس بالحريات».

وتنص المادة السابعة المثيرة للجدل على أنه «لا يساءل جنائيا العسكريون بالقوات المسلحة الملكية الذين يقومون، تنفيذا للأوامر التي يتلقونها من رؤسائهم في إطار عملية عسكرية تجري داخل الأراضي المغربية، بمهمتهم بطريقة عادية» كما «يتمتع العسكريون بحماية الدولة مما قد يتعرضون له من تهديدات أو متابعات أو تهجمات أو ضرب أو سب أو قذف أو إهانة بمناسبة مزاولتهم لمهامهم أو أثناء القيام بها أو بعدها، كما يستفيد من حماية الدولة كذلك أزواج وأولاد وآباء وأمهات العسكريين عندما يتعرضون بحكم مهام هؤلاء إلى التهديدات أو التهجمات أو الضرب أو السب أو القذف أو الإهانة، وتمتد هذه الحماية إلى خارج المغرب بالنسبة للعمليات التي تقوم بها القوات المسلحة الملكية في إطار العمليات التي أنيطت بها».

وظهر خلال مناقشة هذه المادة في لجنة الخارجية والدفاع الوطني أمس (الثلاثاء) بمجلس النواب، أن عددا من البرلمانيين تأثروا بالضجة التي أثارها القانون خارج المؤسسة التشريعية، مما دفعهم إلى تقديم توضيحات على شكل مقدمات طويلة يؤكدون فيها أنهم ليسوا ضد المؤسسة العسكرية، وذلك حتى لا يساء فهم اعتراضهم على الحصانة التي منحت للعسكريين في هذا القانون. وهو ما دفع النائب حسن طارق (حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض) للتعبير عن استغرابه لإصرار النواب على تقديم تلك التوضيحات، مشيرا إلى أن على البرلمان تحمل مسؤوليته، وعدم الاختباء وراء أهمية واستراتيجية المؤسسة العسكرية، التي لا جدال حولها. وطالب بان يناقش القانون من «دون عقد». وأوضح طارق أن المادة السابعة من القانون مخالفة لمقتضيات الدستور الذي ربط المسؤولية بالمحاسبة كما أن الصيغة التي كتبت بها المادة «صيغة مطلقة وغير متوازنة».

وذكر طارق بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي أشرفت على طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب في السنوات الماضية، والتي أشارت إلى وجود فراغ قانوني بشأن اختصاصات الأجهزة الأمنية والعسكرية، وغياب رقابة البرلمان والحكومة على هذه الأجهزة. كما أوصت بتفعيل الحكامة الأمنية لحماية البلد من التجاوزات.

أما النائب عبد اللطيف وهبي، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، فكان من الذين أبدوا تخوفهم من أن يفسر النقاش حول القانون على أنه ضد المؤسسة العسكرية التي «نكن لها كل الاحترام، والمعروفة بولائها للوطن وللنظام والدفاع عن الثوابت»، على حد قوله، نافيا وجود أي خلفية سياسية وراء صدور القانون. بيد أنه أوضح أن الطريقة التي صيغت بها المادة السابعة من القانون «استفزتنا، وأثارت ردود فعل قوية». وأشار على الخصوص إلى كلمة «لا يساءل جنائيا» التي تبدأ بها المادة، وهي العبارة التي طلب معظم النواب تعديلها.

وطالب وهبي بإعادة النظر في هذه المادة تفاديا «لزرع الشك بين المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني»، كما طالب بإبعاد المؤسسة العسكرية عن أي صراع سياسي داخل البرلمان.

وذكر وهبي أن دولا لم يسمها ذهبت بعيدا في تأويلها، وربطت صدور هذا القانون ردا على سحب المغرب ثقته من كريستوفر روس المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، وهو غير صحيح بالمرة لأن القانون أحيل على البرلمان قبل ذلك بكثير، حسب قوله.

أما ممثلو فريق التقدم والاشتراكية (غالبية)، وكذا فريق الاتحاد الدستوري (معارضة) فلم يروا في المادة السابعة من القانون أي «حصانة» بل مجرد «حماية» للعسكريين من الأخطار التي يواجهونها بحكم طبيعة المهمة الخطرة التي يقومون بها. بينما أثارت نائبة من حزب العدالة والتنمية أن تلك المادة تمثل «تراجعا عن ربط المسؤولية بالمحاسبة والمساواة أمام القانون التي ينص عليها الدستور الجديد». وطالبت بإعادة صياغتها بشكل متوازن بحيث يشار أيضا إلى الحالات التي يخضع فيها العسكريون للمساءلة الجنائية.