مفاوضات القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان تبدأ في أديس أبابا وسط مخاوف من فشلها

مساعد الرئيس السوداني يدعو المجتمع الدولي لإقناع جوبا بالالتزام باتفاقية السلام الشامل

TT

بدأت مفاوضات السودان وجنوب السودان حول القضايا العالقة بين البلدين أمس في أديس أبابا، وسط مخاوف من فشلها، بعد أن كانت معلقة عقب الاشتباكات العسكرية بين القوات السودانية وجيش جنوب السودان بمنطقة هجليج في أبريل (نيسان) الماضي. والتقى إدريس محمد عبد القادر رئيس الوفد المفاوض السوداني، وباقان أموم رئيس الوفد المفاوض لجنوب السودان، في العاصمة الإثيوبية بعد ظهر أمس، بحضور رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي وسيط الاتحاد الأفريقي، وبرينستون ليمان الموفد الأميركي إلى السودان وجنوب السودان.

وتهدف المفاوضات الحالية بين الخرطوم وجوبا إلى تسوية خلافات لا تزال عالقة بعد أكثر من 10 أشهر من انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو (تموز) الماضي، وتعثرت سلسلة من المفاوضات السابقة وفشلت في تقريب شقة الخلاف بين البلدين حول القضايا المختلف عليها، لكن المفاوضات الحالية تستصحب قرار مجلس الأمن الدولي 2046. وتأتي هذه المفاوضات رغم اتهامات جديدة من دولة جنوب السودان أمس بحدوث قصف جوي سوداني على ثلاث ولايات جنوبية هي شرق بحر الغزال وغرب بحر الغزال والوحدة. وقال أموم قبل استئناف المفاوضات أمس «اليوم فيما نتفاوض يقومون بقصفنا». وأضاف «لكننا سنشارك في المفاوضات مهما حدث».

وكان جيش جنوب السودان احتل منطقة هجليج النفطية لفترة وجيزة، وأعقب ذلك قصف سوداني لأراضي الجنوب مما أدى إلى معارك عنيفة خلال الأسابيع الماضية. وكانت الخرطوم رفضت مطلع أبريل الماضي المشاركة في المفاوضات، وكان البلدان أقرب إلى نزاع جديد مفتوح، منذ انفصال الجنوب في يوليو الماضي، لولا حدوث ضغوط إقليمية ودولية، ممثلة في قرارات من مجلس الأمن والسلم الأفريقي، ثم مجلس الأمن الدولي، ووافق الجانبان الأسبوع الماضي على استئناف المفاوضات في أديس أبابا، استجابة للقرار الأممي 2046.

وقال مصدر سوداني مقرب من الوفد التفاوضي السوداني لـ«الشرق الأوسط»: «إن السودان يرغب في معالجة القضايا العالقة بينه وبين جنوب السودان، حرصا منه على إرساء دعائم السلام بين الشعبين اللذين كانا شعبا واحدا قبل أقل من عام واحد. ولذلك سيعمل الوفد جاهدا من أجل حسم الملف الأمني، باعتباره المدخل الصحيح لمعالجة وحسم القضايا الخلافية الأخرى». وأضاف المصدر «بقليل من الجهد يمكن إعادة بناء الثقة بين مفاوضي البلدين، والتي ستسهم في الوصول إلى تفاهمات أكثر جدية وعملية تجاه القضايا المطروحة للتباحث في هذه الجولة من المفاوضات، ومن أهمها قضية وقف العدائيات فورا، ومن ثم مناقشة الملف الأمني من حيث الاتفاق على الترتيبات الأمنية، وصولا إلى اتفاق نهائي بشأن كل القضايا العالقة بين البلدين، في إطار الإيفاء الكامل بما جاء في اتفاقية نيفاشا للسلام». وقال المصدر «إنه من المأمول أن يتوافق مفاوضو البلدين على أن يتصدر الملف الأمني الأولوية على ملفات القضايا الأخرى، لتأكيد أن المفاوض الجنوبي لا يقل إدراكا لأهمية معالجة الملف الأمني، في تقريب شقة الخلاف بين البلدين في معالجة القضايا الخلافية الأخرى، المتمثلة في ترسيم الحدود والنفط والمواطنة.. إلخ».

ويتكون الوفد التفاوضي السوداني من إدريس محمد عبد القادر وزير الدولة في رئاسة الجمهورية، والدكتور محمد المختار حسن حسين وزير الدولة في رئاسة مجلس الوزراء، وسيد الخطيب القيادي في المؤتمر الوطني، والدكتور صابر محمد الحسن محافظ بنك السودان السابق والقيادي في المؤتمر الوطني، ومطرف صديق سفير السودان المرشح لدى جنوب السودان، ويحيى حسين القيادي في المؤتمر الوطني، بجانب خبراء وفنيين من القوات المسلحة وجهاز المخابرات والأمن الوطني.

إلى ذلك، قال العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي مساعد الرئيس السوداني، لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نأمل أن تعزز المفاوضات التي بدأت بين دولتي السودان وجنوب السودان حول القضايا العالقة أمس في أديس أبابا، الثقة بين مفاوضي البلدين، وصولا إلى معالجات حقيقية لكل القضايا، لإحلال السلام بين الشعبين، ليتفرغا من أجل بناء بلديهما، وإحداث تنمية مستدامة في البلدين، وتحقيق الاستقرار والازدهار والرفاهية لشعبيهما».

ودعا مساعد الرئيس السوداني منظمات المجتمع الدولي إلى بذل المزيد من الجهد لإقناع حكومة دولة جنوب السودان بالالتزام باتفاقية السلام الشامل (اتفاقية نيفاشا للسلام) كمرجع أساسي والكف عن الاعتداءات المتكررة. وجاء ذلك لدى لقائه بالرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، والمسؤول الدولي الأخضر الإبراهيمي، حيث تطرق اللقاء إلى سبل تعزيز إحلال السلام، مما يعيد الاستقرار والأمن في المناطق المتنازع عليها لتقوية فرص العودة الطوعية للنازحين واللاجئين، ويعيد الثقة بين الأطراف الداخلية لحل الخلافات بمبدأ الحوار والتعايش السلمي.

من جهة أخرى، انسحب الجيش السوداني أمس من منطقة أبيي المتنازع عليها بين جوبا والخرطوم، ليضع حدا بذلك لاحتلال استمر نحو عام، كما طلبت الأمم المتحدة. وأعلن مركز الإعلام السوداني القريب من جهاز المخابرات والأمن الوطني السوداني، أن «القوات المسلحة السودانية انتشرت خارج منطقة أبيي هذا المساء (أمس) وسلمت المجمع العسكري لقوات حفظ السلام الدولية».

وكان العقيد الصوارمي خالد سعد، المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية، قال في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، مساء أول من أمس «إن السودان قرر إعادة نشر قواته خارج قطاع أبيي بغية توفير بيئة جيدة للمحادثات».

ويجيء انسحاب القوات المسلحة السودانية من منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، استجابة لطلب مجلس الأمن الدولي في قراره 2046 من السودان «أن يسحب على الفور ومن دون شروط» جنوده وعناصر شرطته من منطقة أبيي الحدودية، في قرار مدد لستة أشهر مهمة قوة الأمم المتحدة في هذه المنطقة.