تفاقم مشاكل الطاقة في اليمن بسبب الأعمال التخريبية

دعوات مشايخ في مأرب لأبناء قبائلهم بالتوقف عن استهداف أبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز

TT

اليمن بلد فقير تعصف به الأوضاع الاقتصادية الداخلية المتردية والأزمات السياسية المتلاحقة والمشاكل الاجتماعية المتفاقمة، ويعيش على المساعدات الخارجية من الدول المانحة التي تحاول الحؤول دون أن يصبح دولة فاشلة وأن يتمكن تنظيم القاعدة من تحويله إلى أفغانستان آخر، بحسب معطيات الواقع وتصريحات المسؤولين اليمنيين.

ومنذ اندلعت «الثورة الشبابية» التي أطاحت بنظام الرئيس علي عبد الله صالح بعد أكثر من 33 عاما في الحكم، ازدادت «العمليات التخريبية» التي تستهدف خطوط نقل الكهرباء وأنابيب نقل النفط في محافظة مأرب، وأنابيب نقل الغاز الطبيعي المسال في محافظة شبوة، في شرق البلاد، أيضا. وقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أول من أمس، أمام جمع من علماء الدين، إن اليمن يخسر يوميا ما مقداره 15 مليون دولار أميركي، وإن إجمالي ما خسره اليمن خلال الفترة الماضية جراء هذه الاعتداءات بلغ أكثر من ملياري دولار أميركي، في ظل استمرار الاعتداءات التي أثرت على الاقتصاد الوطني وأدت إلى أن يسود الظلام العاصمة صنعاء ومعظم المدن اليمنية، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على الحياة اليومية للمواطنين وعطل مصالحهم.

وتعود قصة الاعتداءات على مصالح النفط والكهرباء والغاز إلى أسباب عدة، ففي البداية كانت مجاميع قبلية تقوم بهذه العمليات للمطالبة بمصالح خاصة أو مشاريع خدمية لمناطقهم، خاصة أن خطوط نقل الكهرباء تنقل من محافظة مأرب إلى العاصمة صنعاء وغيرها، بينما لا يوجد التيار الكهربائي في معظم، إن لم يكن كل، مدن ومناطق المحافظة الغنية بالنفط، غير أن المسألة تطورت في الآونة الأخيرة، بعد أن وجهت اتهامات إلى عناصر موالية للنظام السابق بالقيام بهذا الأعمال لـ«إفشال الثورة» مع بدايتها، ثم لـ«إفشال حكومة الوفاق الوطني» بعد تنحي الرئيس علي عبد الله صالح، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد دخلت مجاميع إرهابية تتبع تنظيم القاعدة على خط هذه الأعمال «التخريبية»، وقامت باستهداف عدد من أنابيب نقل النفط والغاز في مأرب وشبوة، وقد حددت أجهزة الأمن اليمنية أسماء عدد من الأشخاص المتورطين في هذه الأعمال.

ويعرب الشيخ عبد الله مجيديع، عضو اللجنة العامة (المكتب السياسي) لحزب المؤتمر الشعبي العام (شريك الحكم)، عضو مجلس الشورى وأحد أبرز مشايخ قبيلة مراد في مأرب عن إدانته لكل الأعمال التي تطال المصالح الحيوية للبلاد، ويقول، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن إهمال الحكومات اليمنية المتعاقبة لمأرب أدى إلى ما وصلت إليه الأوضاع، خاصة أن الكهرباء تنقل من مأرب عبر المحطة الغازية إلى مناطق أخرى والمحافظة من دون كهرباء، ويؤكد أن خدمة التيار الكهربائي لو كانت متوافرة في مأرب، لكان أبناؤها أول من احتجوا وقاوموا المعتدين على تلك الخطوط عندما يتضررون، ودعا الحكومة وبصورة عاجلة إلى الالتفات إلى المحافظة النفطية والأثرية والتاريخية «كي لا تصبح مرتعا للجماعات المتطرفة»، كتنظيم القاعدة أو غيره من الجماعات المتشددة، كما هو الحال في محافظات أخرى.

وفي الآونة الأخيرة، برزت دعوات من قبل مشايخ قبليين في محافظة مأرب لأبناء قبائلهم بالتوقف عن استهداف أبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز، وبعضهم اعتبر ذلك عملا تخريبيا وآخرون أفتوا بحرمته، ويقول الشيخ مبخوت بن عبود، أحد إشراف وواجهات مأرب إن عمليات «التخريب» هذه مستهجنة من قبل الجميع، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف الشديد، لدينا ليس فقط مؤشرات إنما معلومات أكيدة أن من يقومون بتنفيذ هذه العمليات التخريبية مرتبطون بالأسرة التي كانت حاكمة في صنعاء (أسرة صالح) التي ما زال جزء منهم موجودا في مكان القرار ويساعدون ويسهلون مثل هذه العمليات حتى يفشلوا حكومة الوفاق الوطني والرئيس عبد ربه منصور هادي في مهامه».

ويؤكد بن عبود لـ«الشرق الأوسط» أنهم لمسوا من قبائل وشرائح اجتماعية واسعة في مأرب استعدادها للوقوف إلى جانب الحكومة اليمنية في مواجهة العناصر التي تقوم بهذه الأعمال التخريبية، وقال: «هم مستعدون للتعاون لوقف المخربين، ولكنهم ينتظرون من الحكومة أن تسير في هذا الاتجاه وهم سيكونون في طليعة من يحد من هذه الظاهرة»، وعن ما هو المنتظر من الحكومة اليمنية القيام به تجاه من يقومون بتفجير أنابيب النفط أو إطلاق النار على أبراج الكهرباء، يؤكد بن عبود أن «الدولة لم تتجه، حتى الآن، نحو ضبط هؤلاء المخربين وعندما تبدأ هذا الاتجاه سوف يتجاوب معها كل الناس، لأن المخربين معرفون لدى كل قبيلة والقبائل لديها استعداد للتخلي عن هؤلاء المخربين».

ويعتقد الشريف بن عبود، أن الملاحقة الأمنية والعسكرية هي الأنسب لهؤلاء «المخربين»، وقال: «نحن جربنا في السابق طرقا أخرى كالإغراءات (المادية) والترغيب ولم تجد نفعا، بل دفعت آخرين للاستفادة كما استفاد آخرون من المخربين الذين أعطيت لهم أشياء (أموال) من دون وجه حق، وأعتقد أن التعامل مع القضية عبر القانون أفضل من التعامل معها خارج القانون».

وحتى اللحظة ما زالت المدن اليمنية تعيش في ظلام دامس وأزمات وقود جراء ما يجري في مأرب وغيرها.