ترحيب حذر من جوبا بإعلان الخرطوم سحب قواتها من منطقة أبيي المتنازع عليها

وزير الصحة بولاية الخرطوم يطالب بزيادة الضرائب على شركات التبغ في السودان

TT

واصل كبار المفاوضين من السودان وجنوب السودان أمس أول محادثات بينهما منذ النزاع الحدودي العنيف الشهر الماضي والذي أوشك أن يدفع البلدين إلى حرب جديدة. والمفاوضات التي تجري في أديس أبابا برعاية الاتحاد الأفريقي، تهدف إلى تسوية الخلافات القائمة بين البلدين بعد أكثر من 10 أشهر من انفصال جنوب السودان.

وأبدت جوبا أمس ترحيبا حذرا بإعلان الخرطوم سحب قواتها من منطقة أبيي المتنازع عليها، بعد عام من اقتحامها، مما أدى إلى فرار آلاف من سكانها. وقال برنابا ماريال بنجامين، وزير الإعلام في جنوب السودان «نرحب بالطبع بقرار الجمهورية السودانية.. إنه دليل سلام». ويتوقع بنجامين أن يترجم الإعلان على الأرض لأن الخرطوم على حد قوله «تقول شيئا وتفعل شيئا آخر».

وكانت الأمم المتحدة أكدت أول من أمس أن القوات السودانية انسحبت من أبيي التي تطالب بها الدولتان. والانسحاب تقرر في اليوم الذي استأنف فيه البلدان مفاوضات السلام المعلقة منذ مطلع أبريل (نيسان) الماضي، بعد معارك عنيفة غير مسبوقة منذ انفصال جنوب السودان في يوليو (تموز) الماضي. وأبيي التي احتلتها قوات الخرطوم منذ عام، نقطة خلاف أساسية بين السودانين.

وقالت مصادر سودانية لـ«الشرق الأوسط» أمس «إن المفاوضات بدأت بمحاولة لإحداث مقاربة بين مواقف الطرفين في ما يتعلق بأجندة المباحثات، إذ إن الوفد التفاوضي السوداني يصر على البدء بمناقشة قضية الملف الأمني، خاصة المتعلقة بوقف العدائيات والامتناع عن دعم المجموعات المتمردة على أراضي البلد الآخر، ومن ثم مناقشة قضايا المناطق المتنازع عليها للوصول إلى توافق حول ترسيم الحدود، وكذلك قضية المواطنة والقضايا الأخرى». وأضافت المصادر أن «السودان يرفض مناقشة قضايا الحدود والنفط والمواطنة قبل حسم الملف الأمني، والوصول إلى اتفاق حول الترتيبات الأمنية».

إلى ذلك، أكدت الأمم المتحدة أمس انسحاب الجيش السوداني من منطقة أبيي المتنازع عليها المتاخمة لجنوب السودان، مما يزيل عقبة من طريق المحادثات بين الجارتين لوقف العمليات القتالية. وقال السودان أول من أمس إن قواته انسحبت من المنطقة الحدودية التي هي إحدى نقاط الخلاف الرئيسية بين الخرطوم وجنوب السودان. وسيطر السودان على أبيي منذ عام بعد هجوم على قافلة عسكرية ألقت الأمم المتحدة باللائمة فيه على قوات الجنوب.

وشارفت الجارتان على خوض حرب شاملة الشهر الماضي حين تصاعد القتال على الحدود، والذي مثل أسوأ أعمال العنف منذ استقلال جنوب السودان في يوليو بموجب اتفاق وقع عام 2005 وأنهى عقودا من الحرب الأهلية.

وقال كيران دوير، المتحدث باسم الأمم المتحدة في بيان «أكدت البعثة أن الانسحاب اكتمل في وقت متأخر من ليل الثلاثاء بتوقيت أبيي». وسحب جنوب السودان قواته من أبيي الغنية بأراضي الرعي الخصبة والتي توجد بها احتياطيات نفطية محدودة. وتتمركز قوات حفظ السلام الإثيوبية التابعة للأمم المتحدة في أبيي. وأفسح انسحاب السودان الطريق أمام المحادثات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي لوقف الأعمال القتالية بين الجارتين. واستؤنفت المحادثات أمس للمرة الأولى منذ تصاعد الاشتباكات الشهر الماضي. غير أن دبلوماسيين لا يتوقعون إحراز تقدم سريع لأن الجانبين على خلاف بشأن قائمة طويلة من الصراعات بدءا من ترسيم الحدود المتنازع عليها وانتهاء بوضع أبيي والاتفاق على رسوم تصدير النفط لحساب جنوب السودان.

من جهة أخرى، طالب البروفسور مأمون محمد علي حميدة، وزير الصحة في ولاية الخرطوم، بزيادة الضرائب على الشركات العاملة في مجال زراعة وصناعة التبغ. ودعا إلى وجود نيابات متخصصة للتعامل مع قضايا التدخين، واصفا الشركات التي تعمل في مجال التبغ بالمتوحشة في جمع المال من دون النظر للآثار الصحية السالبة له، مشيرا إلى أن نتائج المسح الأخيرة لمعدلات تعاطي التبغ في ولاية الخرطوم أظهرت أن نسبة تعاطيه وسط البنين بلغت 20.5 في المائة والبنات 12.6 في المائة، موضحا أن الأمراض التي يسببها التبغ 10 في المائة من جملة الأمراض الفيروسية.

وقال البروفسور مأمون حميدة لـ«الشرق الأوسط»: «إن تعاطي بعض السودانيين للتمباك، وكذلك أساليب التدخين المستحدثة في المجتمع السوداني (الشيشة)، لا تقل مضاره عن الأضرار التي يسببها تدخين السجائر، إن لم يكن أكثر ضررا في بعض الأحيان». وأكد أن النتائج أوضحت وفاة شخص كل ثانية بسبب التدخين. أما في ما يتعلق بالآثار الاقتصادية السالبة للتدخين، فقال البروفسور مأمون حميدة إن ما تخسره الدولة في معالجة أمراض القلب والسرطان تصل إلى 300 مليون جنيه للمريض الواحد بواقع 500 دولار للحقنة الواحدة، وحذر الشركات من إغراء الشباب بالأنشطة الاجتماعية والثقافية التي تروج لها من أجل كسب المزيد من المدخنين.

وقال إن السودان يدخل في منظومة الدول التي تكافح التدخين لمضاره الصحية، بعد إجازة القانون الذي يلزم شركات التبغ بالتحذير على علب السجائر مع الصورة التحذيرية (كتابة وصورة)، والعمل على منع التدخين في الأماكن العامة، وعدم جواز بيع السجائر لمن هم دون سن الـ18 عاما. وأضاف أن المدخنين في السودان أكثر من 25 في المائة، كما أن تعاطي التمباك منتشر في السودان، بالإضافة إلى ظاهرة انتشار تعاطي الشيشة في السنوات الأخيرة. وقد أجرت جامعة الخرطوم دراسة للآثار السرطانية للتمباك، تبين من خلالها تضاعف ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان اللثة والفم إلى 10 مرات بين الذين يتعاطون التمباك، وكذلك الحال بالنسبة للذين يتعاطون الشيشة. وأثبتت هيئة الصحة العالمية أن تدخين الشيشة لمدة ساعة واحدة تعطي آثارا سالبة لـ100 سيجارة. كما أن الشيشة تنقل مرض السل الرئوي.

إلى ذلك، طالبت منظمة الصحة العالمية (مكتب السودان) الحكومة بالالتزام بقوانين مكافحة التبغ ومراقبة شركات التبغ وعدم اشتراكها في وضع أي سياسات أو قوانين. وأكد دكتور انشو برتجني، ممثل منظمة الصحة العالمية بمكتب السودان، خلال حديثه في منبر وكالة السودان للأنباء (سونا) حول الاحتفال باليوم العالمي للتدخين اليوم تحت شعار «معا نكافح ضد تدخلات شركات التبغ»، دعمه لحكومة السودان في كل ما تحتاجه في مجال مكافحة التبغ في مجال التنفيذ الصارم للقوانين وتدابير المكافحة. وقال إن نحو 8 ملايين شخص يموتون بسبب التبغ كل عام، وأن التبغ يتسبب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في وفاة 50 في المائة من مستخدميه، مشيرا إلى أن شعار هذا العام هو الوقوف والتركيز على منع كل ما تقوم به شركات التبغ أو الترويج له.

وأشاد بقرار حكومة السودان بمنع استخدام الشيشة في المقاهي، مما يؤكد التزام السودان بالاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ التي وقع عليها في عام 2005، مطالبا بالوقوف على الطرق التي تقوم بها شركات التبغ في التأثير على قرار المنع والترويج والدعاية للحد من استخدام التبغ، بالإضافة إلى التشديد على سياسة الصحة وهي منع التدخين في الأماكن العامة.

وقال إنه من أهم الطرق التي يجب أن تلجأ إليها الحكومة زيادة الضرائب على منتجات التبغ، كاشفا أن شركات التبغ تحاول إقناع الحكومة بأن زيادة الضرائب تؤدي إلى الزيادة في تهريب التبغ، وهو يعتبر تأثيرا على متخذي القرار، بالإضافة إلى أنها تكافح وضع التحذيرات الصحية على علب التبغ وتشجع الشباب على تعاطي التبغ بدعمها للأنشطة الاجتماعية.