الكنيسة.. جزء من الحل أم المشكلة في أزمة اليونان؟

جدل حول إعفائها من الضرائب وأملاكها وعلاقاتها القوية مع القيادة السياسية

عمال إطفاء بعقود مؤقتة يقطعون طريقا في وسط أثينا للمطالبة بعقود دائمة أمس (إ.ب.أ)
TT

في وقت يعيش فيه الاقتصاد اليوناني لحظات حرجة، هرول البعض إلى الكنيسة طلبا للدعم الروحي، بينما قال آخرون إن الحكومة بحاجة إلى أموالها. ولم يقتصر دور الكنيسة الأرثوذوكسية اليونانية على الجاني الديني، بل امتد إلى الجانب الاقتصادي؛ حيث تملك الكنيسة حصة في البنك الوطني اليوناني، وأراضي تضعها في المرتبة الثانية بعد الحكومة، ناهيك بتلقي القساوسة رواتبهم من الدولة.

وخلال الأزمة الحالية التي تسببت في ارتفاع معدلات الفقر في اليونان، أكد القساوسة أنهم يلبون احتياجات المواطنين الذين تضرروا بشدة والذين خذلتهم حكومتهم. لكن منتقدي الكنيسة يقولون إن التخفيضات الضريبية التي تتمتع بها الكنيسة وعلاقاتها المتشابكة مع القيادة السياسية في البلاد حرمت البلاد من عائدات مالية كبيرة في وقت عجزت فيه الحكومة عن توفير المال.

وسيتوجه اليونانيون في 17 يونيو (حزيران) المقبل لتحديد مستقبلهم مع اليورو بالاختيار بين قادتهم الذين يؤيدون خطة إنقاذ بقيمة 163 مليار دولار تنقذ البلاد من الإفلاس، ومن يعارضون التدابير المؤلمة التي وضعت شرطا لعملية الإنقاذ. وإذا رفض الناخبون عملية الإنقاذ، فستنفد أموال الحكومة بنهاية أغسطس (آب) المقبل، ولن يتمكن العاملون بالحكومة من الحصول على شيكات رواتبهم.

ويأتي بين هؤلاء 10.000 قس يتقاضون رواتبهم من الدولة، ويكلفون دافعي الضرائب 238 مليون دولار سنويا. وفي الوقت ذاته، تفوت التخفيضات الضريبة على ممتلكات الكنيسة قدرا كبيرا من المال على الخزينة العامة في وقت تحتاج فيه الحكومة إلى كل يورو، بحسب منتقدين.

وحتى عام 2010، كانت عائدات العقارات التجارية التي تؤجرها الكنيسة للشركات معفية من الضرائب، لكن تلك الامتيازات انتهت بقرار رئيس الوزراء السابق جورج باباندريو الذي رفض الاستمرار في إعفائها من الضرائب. لكن المناقشات لخفض الإعانات الحكومية في رواتب القساوسة لم تؤت ثمارها، مما يعكس الحساسة السياسية للقضية في دولة يدين 98% من سكانها بالمذهب الأرثوذوكسي.

ويقول وزير المالية السابق ستيفانوس مانوس: «هناك علاقات متشابكة بين الحكومة والكنيسة، التي تلعب دورا في السياسة اليونانية والكثير من المجالات، ولا يبدي السياسيون رغبة في معارضتها».

ويرى منتقدون للكنيسة أنها كانت تتدخل بشكل عميق في الحياة الحكومية، وأشاروا إلى سلسلة من فضائح الفساد التي تورط فيها قادة الكنيسة في السنوات الأخيرة، كان بينها مقايضة أرض دير يعود تاريخه إلى ألف عام مع الحكومة اليونانية، في صفقة كلفت دافعي الضرائب نحو 130 مليون دولار، ومشاركتهم في الإطاحة برئيس الوزراء الأسبق كوستاس كارامانليس عام 2009. ودائما ما كان رؤساء الكنيسة والقساوسة يدخلون إلى السجون ويخرجون منها بسبب صفقات الأراضي.

ويقول قادة الكنيسة إنهم يحاولون جمع الأموال لدفع رواتب الوزراء الضرورية في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى، فيما أعلن أحد الأديرة، الذي يزعم ملكية جزء كبير من جبل بنتلي، خارج العاصمة أثينا، عن رغبته في بناء محطة للطاقة الشمسية، في مشروع ضخم آخر للحصول على المال. وتقول الكنيسة إن قساوستها يوزعون أكثر من 100.000 وجبة في أثينا وحدها، وتوسع من جهودها لمد يد العون في الوقت الذي لا تملك فيه الحكومة المال للقيام بذلك.

وكما هي الحال بالنسبة للأموال، تقول الكنيسة إنها تشعر بوطأة هذه الضغوط المالية، وسينال الكنيسة نصيب وافر من تلك التضحيات؛ إذ سيتأثر القساوسة كحال موظفي الدولة بالتدابير التقشفية التي تسمح فقط بتعيين موظف واحد فقط مقابل عشرة متقاعدين، وخفض رواتبهم بنسبة 20% وربما أكثر.

وقال الأب تيموثيوس آنسيز، المتحدث باسم المجلس المقدس للكنيسة اليونانية، الذي نوه باستثمار الكنيسة 31 مليون دولار في البنك الوطني اليوناني، كمثال على زيادة الكنيسة من دعمها للحكومة في أوقات الأزمات: «نحن المؤسسة التي تحظى بالنصيب الأكبر من الثقة في البلاد. نحن نتلقى إعانات من الدولة، لأن الدولة ليست في موقف يؤهلها لتطوير هذه الهياكل من تلقاء نفسها». ويحتفظ مسؤول رفيع بالكنيسة بمقعد في مجلس إدارة البنك. وقال آنسيز: «لا تملك الكنيسة الكثير من المال، لكنها تعرف كيفية تديره». وأشار إلى أن الكنيسة دفعت 15.7 مليون دولار ضرائب في عام 2011، وهو ما يوازي خمسة أضعاف ما دفعته في عام 2010، لكن هذا المال، بحسب منتقدين، لا يزال أقل مما هو متوقع، بالنظر إلى ممتلكات الكنيسة.. فقد استثنت ضريبة العقارات الجديدة الرئيسية التي تم الإعلان عنها العام الماضي بوصفه إجراء طارئا، ممتلكات الكنيسة، فيما دافعت الكنيسة عن نفسها بالتأكيد أن ممتلكاتها تعود على الأغلب إلى قرون وأنها وقف تبرع به رعايا للكنيسة عند وفاتهم.

وفي الوقت ذاته، لم يبد كثيرون قناعتهم بما تقدمه الكنيسة من إسهامات في الدخل الحكومي. فيرى أنطونيوس موزاكيس، محاسب انتقد الإجراءات الضريبية التي تلتزم بها الكنيسة، أن سجلات الكنيسة العقارية فوضوية وأن تسجيلات الأراضي ناقصة. وأشار موزاكيس، إلى أن الكنيسة لا تزال تحظى بالحماية من دفع نصيب معقول من الضرائب وأن الحصر الكامل لممتلكاتها لا يزال مبهما. وقال، متسائلا عن السبب في تلقي القساوسة رواتبهم من الحكومة والسبب في استثناء الكنيسة من الضرائب العقارية الجديدة التي فرضت على باقي البلاد العام الماضي: «لا يمكنك أن تطعم عائلات جائعة وتأتي لتقول لا ينبغي لنا أن ندفع الضرائب لأننا نقدم الطعام».

ويشير الباحثون إلى أن الخيط الدقيق بين الدولة اليونانية والكنيسة اليونانية يعود إلى تاريخ استقلال الدولة عن الإمبراطورية العثمانية عام 1821. لكن الحكومة لم تبدأ في دفع رواتب القساوسة إلا في عام 1952، عندما وافقت على القيام بذلك مقابل الاستحواذ على جزء من ممتلكات الكنيسة. ويقول يانيس كتيستاكيس، محام ناشط في مجال حقوق الإنسان: «هذا الرابط له ملامح سلبية للغاية على الكنيسة ذاتها؛ فقد كان السياسيون اليونانيون يلجأون في بعض الأحيان إلى استخدام الأدوات القانونية للتأثير على الحياة داخل الكنيسة». فعلى سبيل المثال، صادق وزير التعليم على تعيين أساقفة جدد، وقام السياسيون بتعزيز صلاتهم بالقساوسة، الذين عملوا على تعزيز هذه الصلات أيضا.

وبالنسبة لعامة القساوسة، يأتي النزاع على الشؤون المالية ثانويا أمام عملهم الروحي، الذي يقولون إنهم سيواصلونه حتى وإن كانت جيوبهم خاوية. ويقول الأب أيونيس درونجيتس، راعي كنيسة صغيرة في أثينا بنيت أسفل معبد أكروبوليس، وهو يرتشف الماء من إناء معدني: «نحن نشاهد الناس ذوي الاحتياجات الأساسية يبحثون في القمامة. الكنيسة ليست أنا وحافظة نقودي. لن نتوقف عن كوننا قساوسة بسبب مواجهتنا بعض المشكلات المادية».

* ساهمت ليندا لابروبولو في إعداد هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»