الفلسطينيون يستقبلون رفات فدائيي «مقابر الأرقام» بالزغاريد والدموع والصلوات

زوجة انتظرت زوجها بالورد.. وأب يوزع التمر والمشمش في استقبال ابنته

سيدات فلسطينيات يبحثن بين النعوش عن أقارب لهن في مقر الرئاسة في رام الله امس (ا ف ب)
TT

بالدموع والزغاريد والتكبيرات، وكثير من المشاعر المختلطة والمتناقضة، استقبل الفلسطينيون رفات 91 من الفدائيين الذين احتجزتهم إسرائيل طويلا في مقابر الأرقام. ولم يتمالك الآباء والأمهات والأبناء، مشاعرهم، كما لم يستطيعوا التعبير عنها وهم يقفون أمام صناديق خشبية ملفوفة بالعلم الفلسطيني، تحمل رفات أحبائهم، بعد كل هذه الأعوام الطويلة، وهم ينتظرون.

وقالت ميرفت زعول، زوجة محمد زعول، الذي قتل في عملية فدائية في القدس في 2004، ومنذ ذلك الوقت وهي تنتظر تسلم جثمانه «أنتظره منذ وقت طويل، يوما بيوم وساعة بساعة». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «إنها لحظة فرح وحزن، نحن فرحون لاسترداد الجثمان، ولأننا سنتمكن من زيارة قبره أخيرا، لكنه في ذات الوقت جرح غائر ينفتح الآن». وجهزت ميرفت الورود لزوجها، وقالت إن ابنها الوحيد إبراهيم (11عاما)، كان يحلم بأن يضع وردة على قبر أبيه. وتابعت القول «جهزنا الورد، وأصبح لدينا قبر نضع عليه الورد».

وكانت تتمنى ميرفت لو تمكنت والدة زوجها محمد التي توفيت العام الماضي من استقباله وتوديعه على الرغم من أنها كانت تخشى أن يدخل عليها فلذة كبدها محمولا. وقالت ميرفت «انتظرته طويلا، ولكن الله لم يشأ، ربما أراد أن يخف عنها ألم الاستقبال والوداع مرة أخرى».

ومثل ميرفت، هناك مئات من العائلات جهزت القبور والورود لأبنائها. ووزعت عائلة هبة ضراغمة، في طوباس، التي نفذت عملية تفجيرية في العفولة عام 2003، وعادت أمس، مع العائدين، تمورا ومشمش على أهل القرية. وقال عازم ضراغمة والد هبة «الحمد لله، أنا سعيد جدا اليوم، ولا أريد من أحد أن يعزيني». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ابنتي عادت إلي». ومضى يقول «أنا سعيد لأني سأدفنها مؤخرا بقربي، وأزورها وقتما أشاء».

ويصر ضراغمة على اصطحاب رفات ابنته إلى البيت أولا، قبل أن تدفن في مقبرة البلدة، وقال «أريدها أن تخرج من بيتها مثل العروس، سنزفها اليوم (أمس) أو غدا».

في هذه الأثناء كان عشرات من حرس الرئيس الخاص، يلفون الصناديق الخشبية التي تسلموها من إسرائيل، بالأعلام الفلسطينية، استعدادا لمهرجان رسمي وشعبي كبير. وسلمت إسرائيل السلطة رفات «الشهداء» بعد طلب رسمي من الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن).

وتحتجز إسرائيل أكثر من 350 جثمانا لفدائيين قتلوا في معارك مع الجيش الإسرائيلي أو نفذوا عمليات تفجيرية، موزعة على 4 مقابر، تقع داخل أراضي عام 1948، وهي مقبرة جسر «بنات يعقوب» التي تقع في منطقة عسكرية عند ملتقى حدود فلسطين ولبنان وسوريا، وتضم رفات مئات الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلوا في حرب 1982 وما بعد ذلك، ومقبرة «بير المكسور» أو «جسر دامية» التي تقع في منطقة عسكرية مغلقة بين أريحا وغور الأردن، ويحيط بها جدار فيه بوابة حديدية معلق عليها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية «مقبرة لضحايا العدو»، ومقبرة «ريفيديم» بغور الأردن، ومقبرة «شحيطة» في قرية وادي الحمام شمال طبريا.

وتأمل إسرائيل، بحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي «أن تساهم هذه الخطوة الإنسانية في بناء الثقة المتبادلة مع الجانب الفلسطيني بهدف إعادة المسيرة السلمية إلى مسارها».

واستقبل رفات 79 فدائيا في رام الله استقبال الأبطال، بحضور أبو مازن نفسه، في مقر المقاطعة في رام الله، بينما نقل رفات 12 فدائيا إلى غزة.

وحمل حرس الرئيس، النعوش الملفوفة بالعلم الفلسطيني، على الأكتاف وأدوا لها التحية العسكرية، وعزفت الموسيقى لحن الوداع الأخير، قبل أن يضع أبو مازن إكليلا من الزهور عليها، ومن ثم يطلق حرس الشرف 21 طلقة.

وأم مفتي فلسطين، محمد حسين، صلاة الجنازة، وصلى خلفه أبو مازن ومسؤولين من فتح وحماس ومنظمة التحرير. وحمل أهالي االفدائيين، النعوش على الأكتاف، وهتفوا وكبروا في طريق عودتهم، كل إلى مدينته وقريته ومخيمه، غير أن 17 فدائيا غالبيتهم من منفذي عملية فندق سافوي الشهيرة عام 1975، ظلوا في رام الله، بعدما لم تعرف أماكن عائلاتهم، ودفنوا في البيرة في جنازة عسكرية مهيبة.

وفي غزة، تسلم الأهالي، جثامين 12 شهيدا، عبر معبر بيت حانون «إيريز» شمال القطاع، وعلت الصيحات بالتكبير، بينما كان حرس الشرف يطلق «21 طلقة»، تقديرا للفدائيين الذين نقلوا جميعا في سيارات عسكرية، ومسيرة مهيبة، إلى مجمع الشفاء الطبي، لإجراء الفحوصات ومن ثم الجامع العمري، لأداء صلاة الجنازة، ومن ثم إلى منازل ذويهم لإلقاء نظرة الوداع وتشييع كل منهم إلى مثواه الأخير.

ومن المسجد الكبير تم تشييع عدد من جثامين المقاومين في مسيرة ضخمة باتجاه مقبرة «الشهداء»، شرق المدينة، حيث ألقى ممثلون عن حركات فتح وحماس والجهاد الإسلامي كلمات تأبينية، في حين تم نقل بقية الجثامين إلى أمكان سكن بقية أسرى المقاومين، حيث ووروا الثرى هناك.