المراسلون العسكريون في إسرائيل يحذرون من المساس بحرية الصحافة

في أعقاب قرار محاكمة صحافي على حيازة معلومات سرية عن تصفية فلسطينيين أبرياء

TT

أصدر سبعة من كبار الصحافيين العسكريين في إسرائيل، بيانا، أمس، أدانوا فيه قرار المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، يهودا فاينشتاين، تقديم الصحافي أوري بلاو من صحيفة «هآرتس»، بتهمة «حيازة معلومات سرية عن الجيش الإسرائيلي». وكتبوا في بيان لهم أنهم باتوا قلقين على مبادئ حرية الصحافة في البلاد.

ووقع على البيان المعلقون العسكريون في أهم سبع وسائل إعلام عبرية، وهم: ألون بن دافيد، معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة (تلفزيون تجاري مستقل)، وكرميلا منشيه، معلقة الشؤون العسكرية في الإذاعة الرسمية «الشبكة الثانية»، ويوآف ليمور، الملحق العسكري في القناة الأولى (التلفزيون الرسمي الإسرائيلي) وروني دانئيل المعلق العسكري في القناة الثانية (تلفزيون تجاري مستقل)، وألكس فيشمان (يديعوت أحرونوت) ورون بن يشاي (موقع «واي. نت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» وعوفر شلح في صحيفة «معاريف».

وجاء في بيانهم: «نحن (المعلقين العسكريين في وسائل الإعلام اليومية في إسرائيل) قلقون من قرار المستشار القضائي للحكومة تقديم لائحة اتهام ضد بلاو. فنحن نتابع أجهزة الأمن منذ عشرات السنين، ونؤكد أننا نشغل بشكل يومي في جمع معلومات تسمى (سرية). وحتى لو خرق الصحافي بلاو بنود التفاهمات معه وتصرف بشكل غير سوي أو من دون نوايا طيبة، فإن توجيه لائحة اتهام ضده بسبب حيازته معلومات سرية هو تجاوز للخطوط الحمراء. ونحن نحذر من السابقة القانونية التي قد تحول كل صحافي إلى مشروع لمخالف جنائي أو يؤدي إلى إخراس الإعلام، وبالتالي يجعل من أجهزة الأمن جسدا منغلقا أمام النقد، وهو الأمر الذي يعني مساسا بالديمقراطية وحرية التعبير».

وكانت هذه القضية قد انفجرت قبل أربع سنوات ودلت على فزع في قيادة الجيش والمخابرات من تسريب جنود معلومات عن التجاوزات الرسمية لحقوق الإنسان، خصوصا إذا كان هذا الإنسان المقصود فلسطينيا. فقد تم اعتقال مجندة كانت تعمل في مكتب قائد لواء المركز في الجيش، بعد أن ضبطت وهي تنسخ وثائق سرية من حاسوب قائدها. وتبين أنها تمكنت خلال بضعة شهور (سنة 2006 - 2007) من نسخ آلاف الوثائق وسربتها إلى بلاو، لأسباب ضميرية. فقد كانت تقرأ هذه الوثائق ووجدت فيها عدة اعترافات بقيام الجيش أو المخابرات باغتيال فلسطينيين، مع أنه كان بالإمكان اعتقالهم أحياء، وخلال الاغتيال تم قتل مدنيين أبرياء.

وفي حينه، قالت عنات كام إنها سربت الوثائق لأنها كانت تعلم بوجود قرار في محكمة العدل العليا يمنع قتل معتقل إذا كان بالإمكان اعتقاله حيا.

وفي حينه، نشر بلاو بعض هذه الوثائق. ولكن عند اعتقال كام، أرسلته صحيفته إلى العمل مراسلا في لندن. فأصدرت الشرطة أمرا باعتقاله. وأدارت هيئة تحرير الصحيفة مفاوضات مع الشرطة اتفق على أثرها بأن يسلم الوثائق الموجودة في حوزته ويعود إلى البلاد حرا. لكن الشرطة اعتقلته على الفور للتحقيق. وامتنع من جهته عن تسليم جميع الوثائق مدعيا أنه محاها. ثم سلمها كل ما معه. وانتهت القضية. إلا أن المستشار القضائي للحكومة قرر محاكمته حاليا بتهمة حيازة الوثائق السرية.

وخلال هذا الوقت كانت المحكمة المركزية في تل أبيب قد أصدرت قرار حكم بالسجن الفعلي أربع سنوات ونصف السنة على عنات كام، على الرغم من أن المحكمة اقتنعت بعدم وجود نوايا لدى عنات كام بإلحاق الضرر الأمني بإسرائيل، وأنها أقدمت على هذه الخطوة دون نوايا مسبقة وعدم فهم لما قد يسببه نشر هذه الوثائق، خصوصا أنها اعتذرت وقالت إنها أخطأت.

الجدير ذكره أن سياسية الاغتيالات الإسرائيلية لم تكن سرية إلى هذا الحد. واستخدمت طوال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الثانية بشكل خاص. وفي تقرير مفصل حول هذه السياسة تحدثت المؤسسة الحقوقية الإسرائيلية «بتسيلم» في عام 2004 عن سياسة إسرائيلية تعرف باسم «بلا أسرى»، التي كان عمادها الأساسي اغتيال فلسطينيي بإطلاق النار عليه خلال «عمليات الاعتقال». ووفق المعطيات الإحصائية فإنه خلال 2004 فقط اغتيل 89 فلسطينيا بموجب هذه السياسة، بينهم 17 مدنيا غير مصنف كمطلوب)، بالإضافة لذلك فإن 43 ممن اغتيلوا لم يحاولوا استخدام السلاح أو يقاوموا عملية اعتقالهم، مما يشير بوضوح إلى أن عمليات الاغتيال هي الهدف وليس الاعتقال، وإلا ما فقد هؤلاء الفلسطينيون حقهم في الحياة نتيجة الممارسات الإسرائيلية في ذلك العام وحده.

لذلك، فإن الانطباع الذي خلفته قضية كام وبلاو، هو أن القيادات العسكرية والأمنية في إسرائيل تريد زرع بذور الخوف لدى الجنود، وكذلك لدى الصحافيين قبل أن يفكر أي منهم بممارسة حقه وواجبه في مكافحة سياسات «الدوس» على حقوق الإنسان.

وعقب الصحافي جدعون ليفي في «هآرتس» قائلا: «أنا لا أعرف كام وبلاو، ولكن دوافعهما المبدئية واضحة بما فيه الكفاية. في لائحة الاتهام ضد كام زعم أنها عملت لاعتبارات آيديولوجية. بالعبرية السليمة يجب أن نقرأ هذا بأنه الضمير. فلو أنها كشفت فسادا في وزارة الزراعة لكنا هتفنا لها. ولو كانت تسمى مايا كوخ، المرأة التي كشفت الفساد في تنوفا (شركة الألبان)، لاعتبرناها مقاتلة من أجل العدالة. لماذا في تنوفا مسموح وفي الجيش ممنوع؟ يمكن التقدير بأن كام لم ترغب في أن تمس بأمن الدولة. لو كان هذا هو تطلعها، لوجدت سبيلا آخر لنقل المعلومات وليس نقلها إلى صحافي، يخضع لأوامر الرقابة. بلاو هو الآخر لم يرغب في المس بالأمن. هذان الشابان، كل بطريقته، أرادا أن يساهما في سلامة الدولة. فقد رأيا المظالم ولم يوافقا على الصمت. هذا ما يجدر تسميته بالوطنية وبمحبة البلاد، وبالتأكيد أكثر من إرسال الجنود لتصفية مطلوبين بدم بارد».