كل من حاول نقل «رواية الثورة» دخل دائرة الاستهداف

«الجوال» و«الكومبيوتر» و«الكاميرا» سلاح الناشطين السلميين في مواجهة النظام

TT

كل من حاول نقل أحداث الثورة السورية ونقل روايتها يدخل دائرة الاستهداف، ولم يعبأ النظام السوري بجنس أو أسلوب النقل، لذا فقد استهدف منذ بداية الثورة عددا من الناشطين السوريين والأجانب، ومنهم من أصيب ومنهم من قتل وكان آخرهم الإعلامي باسل شحاتة.

ولا يغيب عن ذهن السوريين ما قاله الرئيس بشار الأسد لوفد من أهالي حي جوبر في يونيو (حزيران) 2011: «لا أعتب على من يتظاهر، بل أعتب على من يصور ويرسل المقاطع».

جملة مقتضبة مررها الأسد خلال لقائه مع أهالي حي كان من أوائل المناطق التي انتفضت ضده، «العتب القاتل» ترجم لاحقا باعتقال وقتل وتعذيب العشرات من الناشطين السلميين من الذين تجرأوا على اختراق جدار التعتيم الإعلامي المصمت، وقدموا روايتهم «رواية الثورة» في مواجهة رواية النظام الرسمية، فكان «الجوال» و«الكومبيوتر» و«الكاميرا» سلاح الناشطين السلميين بمواجهة سلاح النظام البندقية والدبابة والمدفع، في معركة طويلة سقط خلالها عشرات الناشطين المبدعين والموهوبين واعتقل المئات بتهمة إشاعة أنباء كاذبة ووهن نفسية الأمة وتهديد الأمن القومي. فـ«العتب» الذي تحدث عنه الأسد لم يعنِ به مجرد «العتب»، وإنما هو تحذير شديد اللهجة، وتأكيد أن حيازة الكاميرا أخطر من حيازة السلاح. هذا على الأقل ما فهمته الأجهزة الأمنية من كلام الأسد وحولته إلى فعل قمعي لا يرحم، ليس أقلها وحشية ما تعرض له الناشط الإعلامي خالد قبيشو في محافظة إدلب، أبريل (نيسان) الماضي، حيث قامت قوات الجيش بدهس رأسه بالدبابة بعد قتله. فهناك أكثر 36 صحافيا ومصورا وناشطا إعلاميا قتلوا بطرق مختلفة خلال عام، بحسب أرقام رابطة الصحافيين السوريين، الصادرة في بيان يوم 28 مايو (أيار) الحالي، بعدها سقط ثلاثة مصورين، وذلك على الرغم من النداء الذي وجهته الرابطة للجمعية العامة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بما فيه منظمات الدفاع عن الصحافيين، للضغط على نظام الأسد «لوقف العنف بشكل فوري، ووقف الحملات الأمنية ضد الصحافيين والسماح للإعلام الحرّ بالدخول إلى حمص وغيرها من المناطق السورية لمعرفة ما يجري ونقل الحقائق من على أرض الواقع».

«مشتاق للشام» آخر كلمات شهيد الكاميرا باسل شحادة الذي شيعته دمشق، أول من أمس، من كنيسة الكيرلس في حي القصاع، بعد أن شيعته حمص، أول من أمس، بكفن على الطريقة الإسلامية، ووضع في تابوت على الطريقة المسيحية، وصلي على جثمانه في كنيسة أم الزنار في حي الحميدية، وليشيع بعدها على وقع هتافات «واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد» صرخة ثورية تأتي على الضد من استعار نار الطائفية التي أشعلتها مجزرة الحولة المروعة. إلا أن قوات الأمن السوري التي انتشرت بكثافة في منطقة القصاع قبل موعد الصلاة بساعتين منعت محبي باسل من الهتاف للشهيد وللحرية، وحالت دون تدفقهم إلى الكنيسة لحضور الصلاة ولاحقتهم إلى الحارات لتضربهم بالعصي وتعتقلهم.

قال ناشط لـ«الشرق الأوسط» كان مع باسل قبل سقوط قذيفة هاون على سيارة كانت تقله إلى حي باب السباع بحمص «لتصوير اشتباكات بين الجيش الحر وقوات الجيش النظامي، حيث كان الجيش الحر يستعد لدخول باب السباع» وأن آخر كلمة قالها قبل سقوط القذيفة عليه «مشتاق للشام». وتابع الناشط وصل باسل ومعه زميلان مصوران من طلابه إلى حي الصفصافة في طريقهم إلى شارع الوادي الذي صار تحت سيطرة الجيش الحر، كان ذلك مساء الاثنين وكانت قوات النظام تمطر المنطقة، لا سيما حي باب سباع، بقذائف الهاون بكثافة منذ عدة ساعات، إحدى القذائف سقطت حيث كان يقف باسل فقتل ومعه المصور أحمد الأصم وناشط آخر.

ويشير الناشط هنا إلى أن باسل كان يدرب الناشطين في حمص على التصوير السينمائي الوثائقي. ويتابع: «باسل كان يعمل على إنتاج فيلم عن الثورة السورية.. ومؤخرا سمعناه يقول إن لديه إحساسا أنه لن يخرج من حمص حيا ويكمل إخراج الفيلم».

وباسل شحادة المخرج والسينمائي ابن حي القصاع بدمشق الذي انتقل إلى حمص قبل ثلاثة شهور، ورفيقه أحمد الأصم المصور ومخرج التقارير، ليس أول ولا آخر شهداء «الإعلام الثوري» في سوريا، فقد استشهد يوم 27 مايو (أيار) 2012 ثلاثة ناشطين إعلاميين بنيران قوات الأمن في حي الخالدية في حمص، وهم: عمار محمد سهيل زاده، الناشط الإعلامي ومدير شبكة «شام» الإخبارية في مدينة حمص. أحمد عدنان الأشلق، المهندس والناشط الإعلامي وعضو شبكة «شام» الإخبارية في مدينة حمص ومراسلها من حي الخالدية، ثم لورانس فهمي النعيمي، الناشط الإعلامي والمصور وعضو شبكة «شام» الإخبارية في مدينة حمص، ومراسلها أيضا من حي الخالدية. ويوم الخميس 30 مايو، قتل المصور عبد الحميد مطر أثناء تأدية واجبه؛ تصويره دبابات النظام التي طافت تدك مدينة القصير حمص، وقبله أصيب فنان الثورة في القصير بجراح خطيرة. وفي درعا، قتل أمين الزعبي أثناء تغطيته اشتباكات هناك، وآخر جملة قالها كانت خلال الاتصال معه «الفزعة الحقونا منشان الله»، وانقطع الاتصال.

قصص هؤلاء وقصة باسل شحادة ليست استثناء، بل هي قصص من عشرات القصص لناشطين شجعان قلة قليلة تعرفهم قبل أن تختطفهم يد الموت، يعملون بصمت وحذر، ومن يظهر منهم على الشاشات وفي وسائل الإعلام فهو من الانتحاريين، إذ يدخلون دائرة الاستهداف بعيون مفتوحة، فالناشط الإعلامي البارز هادي العبد الله في حمص، مكث شهورا يغطي الأحداث بالصوت فقط بعد تغيره، بواسطة جهاز هاتف جوال يحمل هذه الميزة، قبل أن يسفر عن وجهه ويظهر صوتا وصورة، ويقول إن فعل ذلك بعد أن اطمأن إلى أن عائلته غادرت البلاد وهي في مكان آمن، وما زال هادي يستخدم اسما مستعارا، ومع ذلك أصيب خلال تغطيته للأحداث مع مجموعة من رفاقه حين استهدفتهم قذيفة مدفعية. وكذلك الناشط والإعلامي المعروف خالد أبو صلاح الذي ظهر على الشاشات أثناء حصار حي بابا عمرو، فكان هدفا دائما لرصاص قوات الأمني والجيش والقناصة، والقائمة تطول إلا أن الغالبية منهم لا تزال تعمل بصمت وتتحرك تحت أسماء مستعارة، وتمكنوا من رفد الثورة السورية برصيد هائل من الصور والأفلام، والتي كانت مادة غنية غذت نشرات الأخبار في قنوات الإعلام الخارجي، بل كانت مادة أساسية لعدة قنوات سوريا معارضة افتتحت خلال الثورة، كـ«سوريا الشعب وسوريا الغد والجيش الحر ودير الزور بالإضافة لقناة «أورينت» التي انطلقت قبل سنوات»، كما كانت مادة أساسية لمواد دعائية عن الثورة أغاني وبرامج وإعلانات. بات كل من يعمل على إنتاجها من الشباب في دائرة الاستهداف.