السعودية: فرض الحجز التحفظي التلقائي على حسابات التبرعات غير المرخصة

وزارة الداخلية لـ «الشرق الأوسط»: مساءلة المتورطين في جمعها

TT

أكدت وزارة الداخلية السعودية، أمس، أنها ستفرض «الحجز التحفظي التلقائي على أي حساب بنكي يتم الإعلان عنه لجمع التبرعات قبل الحصول على موافقة الجهات المختصة»، فضلا عن أن المتورطين في جمع التبرعات سيخضعون للمساءلة.

ودعت الوزارة المواطنين والمقيمين في البلاد إلى «الإبلاغ عن أي حالة يشتبه بها»، مشددة في الوقت نفسه على «ضرورة توخي الحيطة والحذر وعدم الانسياق وراء الإعلانات عن جمع التبرعات قبل التحقق من مشروعيتها ونظامية الجهة المعلنة عنها».

وأوضح اللواء منصور التركي، المتحدث الأمني في وزارة الداخلية، لـ«الشرق الأوسط»، أنه بناء على ما لوحظ من انتشار إعلانات عن جمع تبرعات باستخدام تقنية رسائل الهاتف الجوال (SMS)، أو شبكة الإنترنت، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة، دون الحصول على موافقة من الجهات الرسمية المختصة، فإن الجهات المختصة ستقوم بإيقاع الحجز التحفظي التلقائي على أي حساب بنكي يتم الإعلان عنه لجمع التبرعات غير المرخصة.

وقال إن «الجهات المختصة ستعمل أيضا على إخضاع المسؤول عن حسابات جمع التبرعات غير المرخصة للأنظمة المعمول بها في السعودية»، في إشارة منه إلى أن جهات الاختصاص ستقف موقفا حازما ضد المخالفين.

وأكد المتحدث الأمني ضرورة توخي الحيطة والحذر وعدم الانسياق وراء الإعلانات عن جمع التبرعات قبل التحقق من مشروعيتها ونظامية الجهة المعلنة عنها، والمبادرة إلى الإبلاغ عن أي حالة يشتبه بها من خلال الهاتف المجاني.

ويأتي هذا التحذير الذي طالما تجدد عقب أي مناسبة بحجة مساعدة الدول الإسلامية المنكوبة، عقب الإعلان عن حملات التبرعات التي أطلقها عدد من الدعاة بالسعودية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بفتح حسابات خاصة لجمع التبرعات النقدية بحجة إرسالها إلى بعض الجهات داخل الأراضي السورية، والتي تم إيقافها بسبب عدم حصولها على موافقة من الجهات الرسمية المختصة، كما عمدت إلى تجميد بعض الحسابات البنكية التي استقبلت أموال التبرعات.

وتثير حملات التبرعات التي أطلقها منتسبون إلى التيار الديني، من جديد معضلة مصير أموال صناديق التبرعات والصدقات، وغموض الجهات المستفيدة من هذه الأموال، وخصوصا عقب ما ترشح خلال المحاكمات الأمنية لأعضاء تنظيم القاعدة، والتي بدأت بالسعودية، من حجم استغلال التنظيم لأموال الزكاة وكوبونات إفطار الصائم وغيرها من الصدقات في أعمالها، وهي القضية التي تصاعدت وتيرتها عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، بعد فرض الولايات المتحدة والدول الغربية قيودا صارمة على الجمعيات الخيرية الإسلامية بالخارج، وإدراج بعضها ضمن قائمة (تمويل الإرهاب) كان من بينها «مؤسسة الحرمين»، ومكتبا هيئة الإغاثة الإسلامية بـ«الفلبين وإندونيسيا».

وتكشف جلسات المحاكمات بالسعودية لأفراد وخلايا تنظيم القاعدة الكثير من المستور بشأن عمليات التبرعات، من بينها اتهام المتهم 42 أحد أعضاء خلية خططت لاقتحام مخازن الطائرات بقيامه بجمع الأموال والتبرعات وإرسالها لتنظيم القاعدة بلغ مقدارها أكثر من 47 ألف ريال سعودي، إضافة إلى توجيه التهمة ذاتها إلى متهم آخر في 2011 ضمن الخلية المتهمة بتفجير مجمعات الحمراء وأشبيلية وفينيل بتمويل الإرهاب من خلال جمع التبرعات من المواطنين والتغرير بهم بأن تبرعاتهم ستذهب للمحتاجين والفقراء، وتم ضبط 309 كوبونات تبرعات مزورة، وتوجيه الادعاء العام التهمة للمتهم رقم 2 باختلاس 130 ألف ريال من أموال الزكاة التي وصلت إليه أثناء عمله في إحدى المؤسسات الخيرية.

كما وجه الادعاء العام التهمة لخلية الأكاديميين 16 بعد ثبوت تورطهم بجمع تبرعات بطرق غير نظامية وتهريب الأموال وإيصالها إلى جهة مشبوهة، وتوظيفها في التغرير بأبناء الوطن وجرهم إلى الأماكن المضطربة، بما في ذلك توجيه التهمة لما باتت تعرف بـ«سيدة القاعدة» بتقديم التمويل المالي للمقاتلين عن طريق جمع التبرعات بمبالغ طائلة بلغت أكثر من مليون ريال من بينها مبالغ حولت لخارج السعودية.

وفي محاولة رسمية جادة لتنظيم العمل الخيري بالسعودية أصدرت الجهات الرسمية مشروع لائحة ضوابط جمع التبرعات الخيرية داخل السعودية، والذي يتألف من 14 مادة، بدءا بالحصول على تصريح مسبق قبل المباشرة في جمع التبرعات المادية أو العينية من الجهات المختصة، وتشترط الضوابط الجديدة بيان الجهة أو الجهات، والغرض من جمع التبرعات، وأسماء الأشخاص الذين سيباشرون عملية الجمع وعناوينهم، على أن يكونوا سعوديين، إضافة إلى الأماكن والطرق التي ستجمع بها التبرعات، وتحديد المصارف التي ستودع فيها التبرعات وكيفية الصرف ومدته.

ومنعت الضوابط منعا باتا لأي فرد استخدام تقنية رسائل الجوال القصيرة أو المنشورات وخلافها والتي تدعو لجمع التبرعات لمشاريع أو أنشطة خيرية وطلب إيداعها في حسابات بنكية لدى البنوك.

ولم يتوقف الحذر السعودي الرسمي من عمليات التبرعات الخيرية غير المنظمة والمرخصة والمتجهة إلى الخارج في مواقع النزاع المسلح أو الدول الإسلامية المنكوبة، وإنما أيضا شمل التحذير منها خلال حملة جمع التبرعات لمتضرري السيول التي هطلت على محافظة جدة في 2010، بعد أن كررت إمارة منطقة مكة المكرمة تحذيرها من التبرعات العشوائية والاجتهادات الفردية غير المنظمة في استقبال التبرعات، مؤكدة أنه يجب أن تكون من خلال اللجنة المعتمدة، وذلك لضمان وصول هذه التبرعات إلى مستحقيها والتأكد من سلامة استخدامها للأغراض الإنسانية.

إلا أن «بكائيات» عدد من أسماء الساحة الدعوية بالسعودية عبر «الوليمة التويترية»، جراء إيقاف نشاط حملات التبرعات التي أطلقت من كل حدب وصوب بحجة إيصالها إلى الأراضي السورية، وعلى الرغم من تجاوزها للأنظمة والضوابط القانونية السعودية بشأن جمع التبرعات الخيرية، شكلت بالنسبة للبعض صوتا نشازا قد لا تتجاوز أهدافه بالنسبة للبعض سوى مضاعفة «القاعدة الجماهيرية» بين الأوساط الشبابية العربية والخليجية.

وبعد أن سجلت السعودية الصدارة بين الدول الخليجية والعربية الداعمة للشعب السوري عبر عدد من المواقف السياسية والإنسانية، بدأت بمبادرتها بسحب المراقبين السعوديين ضمن لجنة المراقبين العرب التي أقرتها الجامعة العربية، تلاها القرار السعودي بطرد السفير السوري من الأراضي السعودية وإغلاق سفارتها لدى سوريا، إلى جانب مراعاتها لأوضاع السوريين المقيمين على الأراضي السعودية، والذين تقدر أعدادهم بـ600 ألف، باستثنائهم من الترحيل أو المساءلات القانونية أو المخالفات التي يتعرض لها عادة الوافدون إلى السعودية ممن انتهت مدة إقامتهم، بالإضافة إلى السماح للسوريات المتزوجات من سعوديين، دون موافقة الجهات المختصة، والثابت زواجهن شرعا، وخاصة من لديها أبناء قصر، بمنحهن تأشيرة دخول إلى السعودية للإقامة بجانب الزوج.

أما على صعيد الدعم الإنساني فقد أعلنت هيئة الإغاثة الإسلامية بالسعودية تقديمها 10 ملايين ريال سعودي كمرحلة أولية تبرعات للمتضررين السوريين، بالإضافة إلى إنشاء المخيمات الطبية على الحدود اللبنانية والأردنية، ومساعدات إغاثية مختلفة للنازحين السوريين.