جورج بوش يعود إلى البيت الأبيض

أزال الستار عن صورته.. وأوباما امتدحه بعبارات تتقاطع مع لغة الحملة الانتخابية

بوش الابن يزيل الستار عن صورته في البيت الأبيض الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)
TT

بالنسبة لرئيس أميركي يرفع شعار «إلى الأمام» في حملة إعادة انتخابه، أمضى باراك أوباما الكثير من وقت حملته الانتخابية مؤخرا في النظر إلى الوراء، مستحضرا أشباح سلفه الرئيس السابق جورج بوش الابن طوال الوقت تقريبا لتذكير الناخبين بحجم الفوضى التي ورثها له في عام 2009.

ومن دون أن يذكر اسمه صراحة، هاجم أوباما سياسات الرئيس الأميركي رقم 43، بداية من التخفيضات الضريبية للأثرياء «الذين لا يحتاجون إليها»، وحتى الحربين اللتين «شنهما من دون طائل». انتقد أوباما أيضا اللوائح غير الصارمة في وول ستريت والفجوة المتزايدة في الدخل التي قادت إلى «أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم»، وذلك على حد تعبيره خلال حملة لجمع التبرعات في «مسرح فوكس» في مدينة ريدوود في كاليفورنيا، في الأسبوع الماضي.

وقال أوباما لمؤيديه: «لقد قمنا ببناء منزل من أوراق اللعب، ثم انهار هذا المنزل في النهاية. لقد فقدنا ثلاثة ملايين وظيفة أثناء الحملة الانتخابية الماضية، فضلا عن 800000 وظيفة أخرى في نفس الشهر الذي توليت فيه منصبي». وأكد أوباما أن الاكتساح التاريخي الذي حققه في عام 2008 لا يرجع إلى الشخصية الكاريزمية التي يتمتع بها سيناتور ولاية إلينوي، وإنما إلى حالة الإحباط المكبوت لدى جمهور الناخبين الذين أحسوا بأن «البلاد قد انحرفت عن بعض قيمها الرئيسية».

إنها استراتيجية عام الانتخابات التي تهدف إلى الربط بين المنافس الجمهوري ميت رومني والسياسات الفاشلة التي تبناها الرئيس السابق جورج بوش أثناء تواجده في البيت الأبيض، فضلا عن أنها تسمح لأوباما بتقديم تفسير - والذي قد يدعيه منتقدوه ذريعة - لعدم تقدم الاقتصاد الأميركي بصورة كبيرة رغم الأعوام الثلاثة والنصف التي قضاها أوباما في منصبه.

ورغم ذلك، خفف أوباما يوم الخميس من حدة هذا الهجوم لمدة عدة ساعات عندما عاد الرئيس السابق جورج بوش والسيدة الأولى السابقة لورا بوش إلى البيت الأبيض للمرة الأولى منذ خروجهما منه للمشاركة في المراسم الرسمية لإزاحة الستار عن صورهما الرسمية في البيت الأبيض. فجأة، استيقظت الأشباح القديمة في الغرفة الشرقية للبيت الأبيض عندما أخذ أركان السلطة في عهد بوش مقاعدهم على طول القاعة المزخرفة، حيث كان من بين الحضور الجنرالان المتقاعدان كولن باول وديفيد بترايوس ووزير العدل الأميركي السابق ألبرتو غونزاليس ووزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد.

وفي الصف الثاني في وسط الممر، كان يجلس المسؤول السياسي الكبير في الحزب الجمهوري كارل روف الذي دخل في حديث ودي مع نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن. تعهدت اللجنة السياسية التي يرأسها روف، والتي تسمى لجنة استراتيجيات مفترق طرق السياسة الشعبية، بإنفاق العشرات من الملايين من الدولارات لهزيمة أوباما.

وبشكل من الأشكال، اختفت كافة الأحقاد السياسية لبرهة من الوقت، حين كان الرئيس أوباما والسيدة الأولى ميشيل أوباما يمشيان جنبا إلى جنب مع بوش وزوجته في الغرفة الشرقية والابتسامة تكسو وجوه الجميع، بينما وقف الحضور مصفقين لهم. جلس بوش الأب، الرئيس رقم 41 في تاريخ الولايات المتحدة، على كرسي متحرك في الصف الأمامي. ورغم حالة الوهن التي بدا عليها جسده، فإنه كان يبدو في أبهى حلله، وبخاصة مع الجورب الوطني الذي كان يرتديه والذي كان يحمل ألوان علم الولايات المتحدة الأميركية الأحمر والأزرق والأبيض. وأمام العامة، أعاد أوباما صياغة العبارات التي تقوم عليها حملته، واصفا سلفه بالوطني. وأمام هذا الحشد الجمهوري، قال أوباما: «لقد سادت الفوضى في الأشهر التي سبقت قيامي بأداء اليمين الدستورية، حيث كنا نعلم أن اقتصادنا في ورطة وأن مواطنينا يتألمون»، ولكنه أردف قائلا: إن بوش ومستشاريه قد ساعدوا على أن تكون عملية انتقال السلطة سلسة بقدر الإمكان. وأضاف أوباما: «يدرك الرئيس بوش جيدا أن إنقاذ اقتصادنا ليس شأنا خاصا بالحزبين الديمقراطي والجمهوري فقط، ولكنه يمثل أيضا إحدى الأولويات في البلاد، وسوف أظل ممتنا دوما لهذا الأمر».

وأشار الرئيس أيضا إلى أنه عندما قتل أسامة بن لادن في الربيع الماضي، كان بوش هو أول شخص قام بالاتصال به ليحيطه علما بهذا الخبر، مضيفا: «سوف أقولها صراحة إن الفضل في النجاح الذي حققناه يرجع إلى الكثير من المؤسسات التي عملت سويا على مدار سنوات كثيرة».

عاد بوش إلى ملاحظاته الساخرة القديمة مرة أخرى، مثيرا سعادة الحضور من خلال بعض العبارات الساخرة التي أطلقها، حيث قال: إنه سيكون مسرورا إذا قام أوباما، أثناء تفكيره في اتخاذ القرارات الهامة، بالتحديق في صورته الكبيرة الموجودة في الإطار الذهبي وسؤال نفسه: «ماذا كان جورج سيفعل في هذا الأمر؟».

وهذا هو السؤال نفسه الذي طرحه أوباما، ولكن بشكل غير مباشر، في الوقت الذي كان يكثف فيه من حملته الانتخابية، ولكن الإجابة لم تكن طيبة أبدا.

وخلال تجمع حاشد في مدينة دي موين في الأسبوع الماضي، أخبر أوباما أنصاره أن سلفه قد أضاف ديونا هائلة إلى الدين المحلي وترك إدارته لتدفع هذه الفاتورة.

وأشار الخبراء الديمقراطيون في مجال الاستراتيجيات السياسية إلى المخاطر التي ينطوي عليها النهج الذي يتبعه أوباما، مؤكدين أن الناخبين سوف يتحلون بقدر ضئيل من الصبر فيما يتعلق بتعليق المشاكل التي تواجهها البلاد حاليا على شماعة القرارات التي تم اتخاذها منذ أربعة أعوام. ويقول الخبراء أيضا إن أوباما ربما لا يملك خيارا آخر سوى تذكير الناخبين بمدى التراجع الذي شهده اقتصاد البلاد. وقال ستيف جاردينغ، وهو مستشار ديمقراطي: «رغم خطورته، يعد هذا النهج أمرا حتميا، حيث ورث أوباما فوضى شاملة، مما اضطره لتذكير الشعب الأميركي بها قائلا: مهلا، هذا هو التقدم الذي حققه».

هناك بعض الأدلة على أن الاستراتيجية التي ينتهجها أوباما قد حققت بعض المكاسب، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إيه بي سي نيوز» الإخبارية أن 49% ممن شملهم الاستطلاع ألقوا باللائمة على بوش في المشاكل الاقتصادية الراهنة التي تواجهها البلاد، بينما اتهم 34% أوباما بالتسبب في هذه المشاكل، في حين ألقى 8% من المستطلعة آراؤهم باللائمة على كلا الرجلين على حد سواء.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»