الحكم بالسجن المؤبد على مبارك ونقله إلى مستشفى سجن طرة

براءة 6 من قيادات الشرطة ونجلي الرئيس السابق يشعل غضب القوى السياسية

الرئيس المصري السابق حسني مبارك بعد صدور الحكم ضده بالسجن المؤبد أمس (أ.ف.ب)
TT

وسط أجواء من التوتر والترقب، أصدر القاضي أحمد رفعت حكما في «محاكمة القرن» أمس بإدانة الرئيس المصري السابق حسني مبارك بالسجن المؤبد 20 عاما بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين إبان ثورة 25 يناير 2011، ومعاقبة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي بنفس العقوبة على نفس التهمة أيضا، وتبرئة نجليه وستة من قيادات الشرطة. وقابل مبارك وابناه والعادلي الحكم بالوجوم، وقيادات الشرطة بارتياح. وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها حكم حضوري على زعيم مخلوع في دول انتفاضات الربيع العربي التي بدأت مطلع العام الماضي.

وفي بداية جلسة أمس بدا مبارك داخل القفص بوجه جامد الملامح، ولم يبد أي تعبير حين تم النطق بالحكم عليه وكان يضع على عينيه نظارة سوداء، وهو ممدد على سرير طبي. وكان المشهد داخل القفص متناقضا، حيث استقبل كل من علاء وجمال مبارك الحكم بنظرات استنكار وذهول كبيرين. وكانا قد حرصا على الوقوف في مقدمة القفص أمام سرير مبارك لإخفائه عن كاميرات وسائل الإعلام.

واستقبل العادلي الحكم أيضا بحالة وجوم وذهول، وحرص على مغادرة القفص صامتا هو وجمال وعلاء مبارك دون تعقيب، في حين تبادل باقي المتهمين الحكم بالأحضان والفرح وتهنئة كل واحد منهم الآخر. وقضت المحكمة أيضا ببراءة مبارك في جناية الاشتراك مع موظف عمومي واستغلال النفوذ للحصول على منفعة وهو ما يتعلق بقضية تصدير الغاز لإسرائيل. وقضت المحكمة ببراءة مساعدي وزير الداخلية الأسبق المتهمين في القضية بالاشتراك في قتل المتظاهرين والمساهمة في حالة الانفلات الأمني وهم على الترتيب: أحمد رمزي رئيس قطاع الأمن المركزي، وعدلي فايد مدير مصلحة الأمن العام، وحسن عبد الرحمن مدير جهاز أمن الدولة السابق، وإسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة السابق، وأسامة المراسي مدير أمن الجيزة، وعمر الفرماوي مدير أمن أكتوبر.

كما قضى رئيس المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية المقامة ضد كل من مبارك وحسين سالم رجل الأعمال الهارب ونجلا مبارك علاء وجمال بتهمة استغلال النفوذ والتربح. وصدر الحكم في وقت صعب سياسيا في مصر؛ حيث تشهد البلاد مرحلة انتقالية وانتخابات رئاسية سيجري حسمها بعد نحو أسبوعين بين مرشح لجماعة الإخوان التي كانت محظورة في عهد مبارك، ورئيس وزراء من النظام السابق. وعقب إعلان الأحكام التي بثتها التلفزة على الهواء مباشرة، اندلعت احتجاجات في وسط القاهرة وفي عدة محافظات.

وقبل أن ينطق القاضي بالأحكام أثبت حضور جميع المتهمين في قفص الاتهام، باستثناء حسين سالم الهارب إلى إسبانيا. وعقب النطق بالحكم مباشرة، ثار طرفا القضية من محامي المتهمين ومحامي المدعين بالحق المدني. وبدا أن الحكم في القضية لاقى اعتراضات من طرفي الخصومة، حيث قابل المحامون المدعون بالحق المدني الحكم بهتاف «باطل باطل»، و«الشعب يريد تطهير القضاء»، في حين شهدت قاعة المحاكمة مشادات بين عدد من المدعين بالحق المدني والصحافيين من جانب، وبعض أفراد الشرطة ومحامي الدفاع من جانب آخر. وكان المشهد خارج قاعة المحاكمة متوترا منذ الصباح الباكر حيث احتشد مئات من أسر الضحايا وبعض النشطاء والألتراس (مشجعون لنواد كروية) أمام مقر أكاديمية الشرطة للمطالبة بالقصاص من المتهمين وتوقيع عقوبة الإعدام عليهم.

وعند سماع بداية الأحكام على مبارك والعادلي انتابت أسر الضحايا الموجودين في الخارج الفرحة وأخذوا يطلقون الشماريخ تعبيرا عن فرحتهم ولكن سرعان ما انتابتهم الصدمة عند الاستماع لباقي الأحكام الصادرة ضد المتهمين الآخرين، وأخذوا يهتفون باستمرار الثورة والقصاص لضحايا الثورة. وكان المشهد أيضا مختلفا لدى أنصار مبارك حيث احتشد نحو مائتي شخص منهم رافعين صوره أمام الأكاديمية ومعهم الطبول والأبواق الخاصة بالموسيقى العسكرية لعزفها ولكن عند النطق بالحكم أخذوا يصرخون قائلين «ظلم ظلم ولن تهدأ مصر بعد الحكم». وتطورت حالة الغضب لدى أنصار مبارك بالاعتداء على بعض المصورين وأفراد الشرطة بالحجارة، وعندما حاولت قوات الأمن إبعادهم عن محيط الأكاديمية منعا لوقوع مزيد من الاشتباكات قاموا بإطلاق بعض طلقات الخرطوش في الهواء إلى أن غادروا المكان. وفصلت قوات الشرطة والشرطة العسكرية، التي كثفت من وجودها في إجراءات غير مسبوقة بالمدرعات والسيارات المصفحة والحواجز الحديدية، بين أنصار مبارك وأسر الشهداء بمساحة تصل إلى نحو مائتي متر. ورغم أن هذه الإجراءات حالت دون وقوع كثير من الاشتباكات بين الطرفين فإن حالة الغضب دفعت بعض شباب الألتراس والنشطاء للاعتداء على سيارة من سيارات الشرطة والموجودين فيها وتطورت الاشتباكات بينهم بالحجارة مما أدى إلى اعتقال بعضهم حقنا للأجواء المشتعلة.

الأمر اللافت أن المدعين بالحق المدني ودفاع المتهمين اشتركوا في وصف الحكم بأنه سياسي. وقال محمد الجندي محامي حبيب العادلي إن الحكم تعامل مع الشارع ولم يتعامل مع أوراق القضية من قريب أو بعيد، مشيرا إلى أنهم سيطعنون على الحكم خلال 60 يوما من الآن.

واعتبر محامي جماعة الإخوان وأحد المدعين بالحق المدني، عبد المنعم عبد المقصود، الحكم سياسيا أيضا، مشيرا إلى أنه سيكون له تأثير كبير على جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة.

وفي الإسكندرية انطلقت مظاهرات أمام محكمة الجنايات بالمدينة اعتراضا على أحكام البراءة الصادرة بحق مساعدي وزير الداخلية. وفي السويس شرق القاهرة قال تامر رضوان، شقيق أحد شهداء المدينة: «إننا لن نسكت على إضاعة حق الشهداء والثورة». وقالت والدة عادل عبد الحكيم أحد شهداء السويس: «نحن لن نسكت على دماء أبنائنا»، إلا أن طلعت خليل عمر، رئيس حزب غد الثورة بالسويس، قال إن الـ25 دقيقة التي تلت فيها المحكمة بيانها أمس كانت في حد ذاتها محاكمة لعصر مبارك. وفي مدينة طنطا بمحافظة الغربية، أطلقت مجموعات شبابية الألعاب النارية ابتهاجا بسجن مبارك والعادلي، بينما أعربت مجموعات أخرى عن غضبها من صدور باقي الأحكام بالبراءة.

* ماذا قالوا عن الحكم؟

* الإخوان المسلمون: إذا كانت الأدلة غير كافية فيجب محاكمة الأجهزة التي أخفت أو أتلفت الأدلة أو رفضت تقديمها للنائب العام.

* قال المرشح الرئاسي أحمد شفيق إنه «يحترم أحكام القضاء... الحكم الصادر يعني أن لا أحد فوق المساءلة».

* المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح: براءة مساعدي العادلي وأبناء مبارك هي براءة لسلطة القمع والفساد التي ما زالت تحكم مصر. التقصير المتعمد في تقديم الأدلة يستوجب إعادة المحاكمة.

* قال المستشار أحمد رفعت قاضي محكمة القرن: إنه كتب الحكم بخط يده تدليلا منه على عدم تسرب الحكم قبل الجلسة.

* اعتبر الدكتور محمد البرادعي، وكيل مؤسسي حزب الدستور، أن الحكم الصادر، يدل على أن مسلسل إجهاض الثورة مستمر. وقال على حسابه بموقع «تويتر»، إن النظام السابق يحاكم نفسه، ومسلسل إجهاض الثورة مستمر بمشاركة القوى السياسية.

* قالت «الجماعة الإسلامية» إن الأحكام التي صدرت أمس ستؤدي لاحتشاد القوى الوطنية والثورية من أجل الدفاع عن حقوق الشهداء والحفاظ على مستقبل مشرق للوطن بعيدا عن عودة النظام السابق.

* وصفت حملة دعم المرشح الرئاسي الخاسر حمدين صباحي الحكم الصادر أمس ضد مبارك ونجليه ووزير داخليته ومساعديه بأنه «حكم سياسي بالأساس». وقالت حملة صباحي في بيان على موقعها على الإنترنت «إن هذا الحكم جاء في صيغة وسط وغير واضحة ولا مفهومة حيث إنه أدان وزير الداخلية حبيب العادلي في قضية قتل المتظاهرين في الوقت الذي منح البراءة لستة من مساعديه وكأن وزير الداخلية الأسبق قد ارتكب جريمة القتل بمفرده».

* أوضح السفير محمد إبراهيم شاكر رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية أن الحكم الصادر أمس على مبارك ومساعديه في قضية قتل المتظاهرين سيكون له صدى طيب في الخارج خاصة في الدول الغربية، قائلا: إنه حكم يبعث على الاحترام والإعجاب، خاصة من قبل دول الغرب وكل دول العالم التي لها علاقات وطيدة مع مصر.

* قال المستشار طارق البشري رئيس لجنه التعديلات الدستورية إن الحكم القضائي بالمؤبد على مبارك والعادلي وتبرئة علاء وجمال مبارك ومساعدي العادلي يحمل شبهة تناقض وذلك لنقطتين: فالنقطة الأولى تتمثل في تبرئة رجال العادلي رغم الحكم على مبارك ووزير الداخلية نفسه.

* محمد الجندي المحامي عن العادلي: حكم اليوم سيسقط في الاستئناف، حكم اليوم صدر من أجل الناس، إنه حكم عار من الأدلة ومبني على القناعات الشخصية للقاضي.

* أعرب الوزير الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست الإسرائيلي «بنيامين بن أليعازر» أمس عن أسفه عقب سماعه حكم المحكمة المصرية بالسجن المؤبد.

* هيومان رايتس ووتش: هذه الإدانة التاريخية للرئيس المصري السابق، مبارك، ترسل رسالة قوية لقادة مصر القادمين بأنهم ليسوا فوق القانون، لكن تبرئة مساعدي وزير الداخلية على أساس عدم كفاية الأدلة تسلط الضوء على فشل الادعاء في التحقيق بشكل كامل في المسؤولية عن إطلاق النار على المحتجين في يناير (كانون الثاني) 2011 مما يعطي الضوء الأخضر لمزيد من انتهاكات الشرطة في المستقبل.

* حركة 6 أبريل: تدعوكم حركة شباب 6 أبريل للتوجه إلى ميدان التحرير الآن اعتراضا على حصول رجال العادلي على البراءة مما يضمن حصول مبارك على البراءة في النقض لغياب الفاعلين الأصليين.

* كتب محمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين في تعليق بصفحته على موقع «فيس بوك»: «نعم هي صدمة هائلة لكنها قدمت لنا مدا ثوريا جديدا نتوحد حوله وسنصحح مسارنا وسنتجاوز أخطاء الماضي».

* أحمد رؤوف (30 عاما) الموظف في شركة للكومبيوتر: أعتقد أن الحكم على مبارك عادل، فهو تجاوز الثمانين والحكم بالسجن مدى الحياة صارم بما فيه الكفاية، حيث يعني أنه سيقضي ما بقي له من العمر في السجن، لكن الناس غير راضين عن تبرئة كبار مسؤولي الشرطة وولديه المكروهين في الشارع، ويقال إنهما ارتكبا الكثير من الأخطاء، لذا فمن الصعب تصديق أنهما بريئان.

* رفضت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التعليق على الحكم على مبارك، وقالت أمام الصحافيين في مدينة ترومسوي في أقصى شمال النرويج حيث توجد في إطار جولة تستغرق تسعة أيام في اسكندينافيا وستقودها أيضا إلى القوقاز وتركيا، إن هذه القضية تتعلق بـ«المصريين ونظامهم القضائي وحكومتهم».