«حوار طرشان» في باريس بين الرئيسين هولاند وبوتين حول سوريا

الخارجية الأميركية تنشر صور مقابر جماعية عقب مذبحة الحولة

TT

«حوار طرشان».. هكذا يمكن وصف محادثات الرئيسين الفرنسي فرنسوا هولاند والروسي فلاديمير بوتين حول سوريا ليل الجمعة – السبت، في قصر الإليزيه، في أول لقاء لهما. وقد بدا الخلاف بين الرئيسين عميقا للغاية في المؤتمر الصحافي المشترك، حيث لم يسع أي من الطرفين التغطية على اختلاف وجهات النظر بينهما باللجوء إلى اللغة الدبلوماسية، أو من خلال تحاشي الرد على الأسئلة المطروحة.

وظهر بوضوح أن الجو كان «مكهربا»، بل إن بوتين لم يتردد في مهاجمة أحد الصحافيين الفرنسيين بشكل شخصي، داعيا إياه إلى التدخل في الانتخابات المصرية.

وكان الجانب الفرنسي يمني النفس بحمل الرئيس الروسي على تغيير مواقفه والاقتراب من المواقف الأوروبية والغربية بشكل عام. لكن هذا الرهان باء بالفشل، حيث بقي كل طرف على مواقفه كما أن الهوة ظهرت عميقة للغاية.

والتزم الرئيس الفرنسي مقاربة مشددة من النظام السوري، حيث جعل تنحي الرئيس الأسد «شرطا مسبقا» للسير في الحل السياسي، وهو الموقف عينه الذي يدافع عنه المجلس الوطني السوري. ومنطلق هولاند أن نظام الأسد «تصرف بشكل لا يمكن قبوله ولا يمكن السماح به، كما أنه ارتكب أفعالا أحطت به».

وخلص هولاند إلى أنه «لا مخرج من هذا الوضع إلا بتنحي الأسد». فضلا عن ذلك، طالب هولاند الذي سبق له أن أعلن أن فرنسا «لا تستبعد عملا عسكريا في سوريا شرط أن يكون بقرار من مجلس الأمن»، بصدور قرار جديد على المجلس المذكور يفرض عقوبات اقتصادية دولية على سوريا.

وأخيرا، فإن هولاند، تماشيا مع الموقف الرسمي الفرنسي منذ اندلاع الأزمة السورية، حمل النظام السوري مسؤولية الفظائع التي تحصل في هذا البلد. وذهبت الخارجية الفرنسية إلى وصفه بـ«النظام المجرم».

وتنبع «الخيبة» الفرنسية من الآمال الكبيرة التي علقت على زيارة بوتين إلى باريس. ولم يكن الموضوع السوري وحده مصدر الخلاف، بل بدا أن موضوع نشر الدرع الصاروخية - بمبادرة أميركية، فوق أوروبا، كان أيضا سببا للفتور بين الرئيسين اللذين لم يلتقيا في السابق أبدا.

وكانت المصادر الفرنسية قد سربت أن ثمة احتمالا أن تعمد موسكو إلى تغيير موقفها من سوريا، بعد أن تكون الانتخابات الروسية قد انتهت. بل إن وزير الخارجية الفرنسي السابق، ألان جوبيه، أشار سابقا إلى «ملامح تغير» في المواقف الروسية.

وقبل الاجتماع، قالت مصادر فرنسية إن ما سيسعى إليه هولاند هو إقناع بوتين أن مصالح روسية ليست مع النظام السوري وبالتالي اجتذابه إلى القبول بتغيير رأس النظام، وبداية السير في موضوع العقوبات في مجلس الأمن.

والحال أن كل النقاط التي أثارها هولاند وجدت طرحا معاكسا كليا من جانب بوتين. فقد رفض الرئيس الروسي تنحي الأسد، وتساءل ساخرا: «إذا أزحنا الرئيس الحالي، هل تعتقدون أن سعادة غامرة ستعم هذا البلد؟». كذلك رد بوتين بالتذكير بما جرى في ليبيا، وفي غيرها من بلدان الربيع العربي، حيث رحيل السلطة السابقة لم يأتِ بالأمن ولا بالاستقرار. ولم يفت بوتين التذكير بأن ثمة خطرا باندلاع حرب أهلية على مستوى واسع في سوريا.

وردا على سؤال حول استعداد موسكو لاستقبال الرئيس السوري وعائلته كمخرج من الأزمة الحالية، قال بوتين: «الأسد زار باريس مرات كثيرة أكثر مما زار موسكو»، الأمر الذي حمل هولاند على نفي مسؤوليته عن زيارات الأسد «الأب والابن»، في إشارة إلى أنه لم يكن عندها في موضع المسؤولية.

والجدير بالذكر أن الرئيس شيراك استقبل الرئيس حافظ الأسد عام 2000 كما استقبل بشار الأسد في الإليزيه قبل أن يصل إلى السلطة.

أما الرئيس ساركوزي، فقد استقبل بشار الأسد رئيسا مرتين في عام 2008 وعام 2009. ومن نافلة القول أن بوتين كرر أنه يرفض التدخل العسكري الخارجي في سوريا، كما يرفض فرض حلول من الخارج.

وبالمقابل، فقد دافع عن حاجة السوريين للحوار فيما بينهم وصولا إلى التغيير المنشود، وجدد دعم خطة المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان المشكّلة من ست نقاط.

وجدير بالذكر أن باريس تدعم الخطة المذكورة، لكنها تتهم السلطات السورية بالمناورة، وبعدم تنفيذ أي بند من بنودها، وأولها وقف القمع والقتل ثم سحب الأسلحة الثقيلة من المدن والقرى.

وبأي حال، يعرب المسؤولون الفرنسيون بعيدا عن الميكروفونات عن «خيبتهم» من عدم تطبيق الخطة، الذي تنسبه إلى النظام القائم. وفي موضوع العقوبات، جادل بوتين في فائدتها، حيث أكد أنها «ليست دائما فاعلة»، مما يذكر بالموقف الذي التزمت به موسكو في مجلس الأمن الدولي حيث عارضت دائما فرض عقوبات على سوريا، ولم تقبل بالقرار الذي أفسح المجال لإرسال بعثة المراقبين وتوفير الدعم لمهمة أنان، إلا بعد أن تخلى الفريق الغربي عن المطالبة برحيل الأسد، وقبل بالدعوة إلى وقف العنف «من أي جهة أتت».

وفي هذا السياق، حرص بوتين على أن ينسب في المؤتمر الصحافي المشترك في قصر الإليزيه أعمال العنف إلى «المتمردين»، مما يستعيد طرح النظام الذي لا يقر بوجود انتفاضة شعبية، بل يعتبر أن ما يجري في سوريا هو من فعل جماعات إما مخربة أو إرهابية.

هكذا يبدو الموقفان الفرنسي والروسي على طرفي نقيض من المسألة السورية. فلا الرئيس الفرنسي أراد الظهور بمظهر الضعيف في مواجهة بوتين. ولا الأخير أراد أن «يعطي» هولاند شيئا، لا شكلا ولا مضمونا، ربما بانتظار أن «تنضج الظروف ويحين زمن المساومة».

ومن جهتها، توافقت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف، أمس، على ضرورة العمل معا في شان الأزمة السورية، وفق ما أعلن مسؤول أميركي.

وقال المسؤول الأميركي إن لافروف أبلغ كلينتون خلال اتصال هاتفي «علينا أن نبدأ بالعمل معا لمساعدة السوريين في استراتيجية الانتقال السياسي لسوريا. وأريد أن يعمل مسؤولونا معا حول أفكار في موسكو وأوروبا وواشنطن وفي كل مكان يكون ضروريا بالنسبة إلينا».

ومن جهته، قال البيت الأبيض إن أوباما يجري اتصالات مع قادة الدول المعنية، وإن أوباما يرى أن التغيير السياسي في سوريا يجب أن «يحدث سريعا»، من دون أن يضع البيت الأبيض موعدا، أو تفسيرا لكلمة «سريع».

وقال جوش ايرنست، نائب المتحدث باسم البيت الأبيض: «يظل الرئيس يجري مشاورات منتظمة مع حلفائنا وشركائنا في جميع أنحاء العالم حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك هذا الموضوع (سوريا). ويظل الرئيس قلقا بشدة إزاء الوضع في سوريا، وإزاء أعمال العنف المروعة التي يرتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري».

وأضاف ايرنست: «يؤمن الرئيس بأن المرحلة السياسية الانتقالية يجب أن تحدث فورا، وأن الشيء الوحيد الذي سيحل المشكلة في سوريا هو أن يتخلى الأسد عن السلطة. ويظل هذا هو العزم الراسخ للمجتمع الدولي».

وقال: «يأمل الرئيس في أنه يمكن أن نجد حلا دبلوماسيا للوصول إلى هذا الهدف (رحيل الأسد). لكن من الواضح أن ما يجب أن يحدث الآن هو أن يتوقف العنف، وأن يبدأ التحول السياسي».

وفي الخارجية الأميركية، نشرت صور فضائية في موقع على الإنترنت تديره الوزارة، وهي صور حفر لمقابر جماعية عقب مذبحة الحولة. وأيضا، صور قذائف مدفعية وقد حفرت حفرا في الأرض في مدينة اتاريب. وقال موقع الخارجية الأميركية إن الصور تدعم صور المعارضة السورية التي تظهر الناس يحيطون بأماكن دفن جثث الضحايا، وآخرون يدفنون الجثث، وأيضا نشر موقع الخارجية صور دبابات ومصفحات وطائرات عمودية قرب ثلاث مدن سورية، وصور طائرات عمودية قرب مدينتي شيرات وحمص.