القتل الوحشي لضحايا الحولة مؤشر على تفاقم الأوضاع في الثورة السورية

النظام نفى مسؤوليته.. والضحايا أدانوه.. والكثير من الأسئلة لا يزال من دون أجوبة

TT

بعد ظهيرة يوم الجمعة، كان المتظاهرون في جميع أنحاء سوريا يحتشدون للمشاركة في المظاهرات المناوئة للسلطة التي تحولت إلى طقس أسبوعي منذ بداية الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد قبل 14 شهرا.

لكن يوم الجمعة في الحولة، بوسط سوريا، لم يكن مثل سواه في سائر المدن الأخرى، حيث فقدت المدينة، بنهاية اليوم، 108 شهداء على الأقل، بعضهم راح ضحية القصف، لكن غالبيتهم ذبحوا في منازلهم. أطلق الرصاص على النساء والأطفال من مسافة قريبة، وبعضهم كانت أعناقهم منحورة والبعض الآخر فقئت عيونهم.

جميع ما حدث على وجه التحديد في هذه المنطقة الريفية الممتدة، التي تتألف من مجموعة من التجمعات السنية أكثر منها قرى واضحة، كان صعبا نتيجة القيود التي تفرضها الحكومة السورية على الصحافيين والضباب الحتمي الذي غلف يوما من العنف الكثيف والمتعدد الأوجه.

لكن المقابلات التي أجريت عبر الهاتف ومن خلال «سكايب» أكدت أنه حتى بمقاييس الثورة السورية القاسية، فإن ما حدث في الحولة يوم الخامس والعشرين من مايو (أيار) كان عملا استثنائيا، ينم عن كراهية، وربما انتقام، يكشف عمق العداءات التي تمزق هذا البلد.

فضحت أحداث الحولة، الواقعة شمال غربي مدينة حمص، أيضا عجز المجتمع الدولي عن وقف ما يخشى منه الكثيرون من انفراط العقد السوري والانزلاق إلى حرب أهلية شرسة يقتل فيها الجار جاره والعالم لا يحرك ساكنا، كما حدث في البوسنة ورواندا في حقبة سابقة.

من جانبه نفى الرئيس الأسد في كلمته يوم أول من أمس، الأحد، مسؤولية حكومته عما حدث في الحولة وألقى باللائمة على خصومه، مشيرا إلى أنه من غير المتصور أن تقوم قوات الأمن بمثل هذا العمل. وقال الأسد في اجتماع البرلمان الجديد المنتخب: «مرتكب مجزرة الحولة ليسوا بشرا، بل هم وحوش. وحتى الوحوش لا تستطيع أن تقوم بمثل هذا الفعل».

قدم سكان الحولة روايات مختلفة للغاية، ألقوا فيها باللائمة على الجيش السوري والميليشيات الموالية له المعروفة باسم «الشبيحة»، الذين يأتون من القرى المحيطة التي يقطنها أفراد من الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد. وبدا واضحا أيضا أن الكثير من الأسئلة لا يزال من دون أجوبة.

بدأ اليوم، مثل يوم جمعة عادي، حيث تجمع الرجال في المدينة بعد الصلاة في موقعين للتظاهر ضد الحكومة. ترك الرجال زوجاتهم وأمهاتهم وأخواتهم والأطفال في المنازل، حيث كان السبب في كون الكثير منهم بين القتلى.

كان الرجال ينشدون، بحسب فيديو للمظاهرة. كان الحشد يرفعون راية سوداء ضخمة كتب عليها باللون الأبيض بكلمات تقشعر لها الأبدان، في ضوء ما كشف عنه في وقت لاحق من ذلك اليوم: «دع العالم يعرف أننا نموت والبسمة على وجوهنا». وكما هو الحال يوم الجمعة هنا، وفي الكثير من الأماكن الأخرى من البلاد، وقبل الساعة الواحدة بقليل، حيث بدأت المظاهرات، تمركزت القوات السورية حول المنطقة وبدأت بإطلاق قذائف المدفعية والرشاشات الثقيلة لتفريق المظاهرات.

ما جرى بعد ذلك لم يكن واضحا، لكن بحسب ناشطين، على الأقل في الحولة، هاجم مقاتلو الثوار موقع الجيش السوري المطل على المنطقة، وأسفر هذا الهجوم عن مقتل 9 جنود من بينهم 3 ضباط، بحسب أحمد قاسم، أحد الناشطين، الذي قال إنه حصل على الرقم من المستشفى المحلي. بينما قالت الحكومة بحسب روايتها لعمليات القتل ذلك اليوم، إن الكثير من قواتها قتلوا في هجوم على نقطة تفتيش. وأوضح قاسم أن قوات الثوار عانت هي الأخرى من خسائر في صفوفها.

ولم يتضح ما إذا كان هجوم الثوار قد جاء ردا على كثافة القصف أم أن كثافة القصف قد جاءت نتيجة لكثافة الهجوم. لكن سكان الحولة وصفوا مشاهد الفوضى، حيث سعى الأفراد إلى الحصول على ملاذ من القصف الكثيف غير العادي، في محاولة لإنقاذ المصابين أو محاولة الهرب إلى مناطق أكثر هدوءا.

وبعيدا عن القصف، في الطرف الجنوبي الغربي من الحولة، كان المشهد الأكثر إيلاما. فتروي سيدة، قالت إن اسمها فاطمة، أنها شاهدت رجالا يرتدون الزي العسكري في فترة ما بعد الظهيرة في شارع قريب، حيث كانت تسكن عائلة عبد الرزاق الكبيرة. وقالت فاطمة إنها كانت تعتقد أن الجنود كانوا يقومون بمداهمات روتينية لكنها بدأت في سماع صوت إطلاق النار، تواصلت على مدى ساعة. وبحسب الشهادة المصورة لعدد من الناجين، كان الجنود مصحوبين بميليشيات «الشبيحة» غير النظامية من القرى المحيطة وانتشروا في المنازل يطلقون الرصاص على كل من يجدونه.

وتقول فتاة مراهقة تدعى نور، تلقت رصاصة في البطن، أمام الكاميرا، من فوق سرير مستشفى ميداني الأسبوع الماضي: «في البداية أطلقوا الرصاص على العائلة الأخرى، ثم أطلقوا الرصاص على عائلتي، وقد تظاهرت بأني ميتة، لذا لم يطلقوا علي النار مرة أخرى».

وكان من أوائل الناشطين الذين وصلوا إلى المشهد في أعقاب توقف عمليات القتل، الناشط الذي لقب نفسه بـ«حمزة العمر».

روى حمزة العمر أنه دلف عبر الباب المفتوح في المنزل الأول حيث شاهد جثث 4 أطفال ورجل وامرأة. وفي غرفة ملحقة كانت هناك 4 جثث أخرى لأطفال وجثة لمراهق، كانت إحداها قد أطلق عليها الرصاص من مسافة قريبة، وأخرى قد فقئت إحدى عينيها، وكانت اثنتان منهما قد كبلتا قبل أن يطلق عليهما النار.

ويذكر حمزة العمر ذلك بالقول: «شعرت بالفزع، وشرعت أجري في الشوارع أبحث عن الجرحى. لم أجد أي جريح. كانوا جميعهم قتلى. كانت هناك نساء مطعونات في الوجه، وأطفال ذبحوا، وبعض الأطفال أطلق عليهم الرصاص في الأذن كي تخرج من الأذن الأخرى».

بلغت حصيلة القتلى بحسب الناشط أبو أسامة، الذي صور المشهد بالفيديو وساعد في نقل الجثث، 73 شهيدا، غالبيتهم نساء وأطفال، 62 منهم من أفراد عائلة عبد الرزاق. وخلال المساء جرى نقل الموتى في سيارات وشاحنات إلى مسجد في وسط منطقة تالدو، حتى مع استمرار القصف. وفي وقت متأخر من الليل، نحو الثالثة صباحا، بدأت جولة أخرى من أعمال القتل راح ضحيتها 12 فردا من عائلة سيد، في منطقة تقع تحت سيطرة القوات الأمنية السورية. في اليوم التالي قامت قناة «الدنيا» الموالية للحكومة السورية بتصوير المكان وألقت باللائمة على الإرهابيين.

وقالت وكالة الأنباء العربية السورية الرسمية إن المتمردين استهدفوا أفراد عائلة سيد لأنهم تربطهم علاقات قرابة مع عضو في البرلمان السوري. لكن مواطني الحولة أكدوا أن الثوار لا يمكن أن يكونوا مسؤولين، لأن المنطقة تخضع لسيطرة قوية من قبل الجيش السوري. ويقول علي، البالغ من العمر 11 عاما، الذي نجا من القتل، إنه تعرض لمحاولة القتل، وفر تحت جنح الظلام للانضمام إلى عمه في المنطقة التي يسيطر عليها الثوار من القرية، وهو ما لم يكن يفعله لو كان المتمردون قد قتلوا عائلته، بحسب أبو أسامة. وفي شهادة مصورة، اتهم الولد «الشبيحة» بتنفيذ عمليات القتل. وهو الآن مع الثوار ولا يمكن الوصول إليه، بحسب ناشطين في المدينة. ولم يتضح السبب وراء عمليات القتل. وهل كانت تلك عمليات انتقامية، ربما للهجوم على نقطة تفتيش للجيش، أم أنها لبعض الأمور الأخرى؟ ظاهرة القتل الجماعي ليست ظاهرة جديدة على الإطلاق في سوريا، لا في الحولة وحدها. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) تم صف 11 عاملا سنيا وأطلق عليهم الرصاص ردا على إطلاق الرصاص على 9 من العلويين الذين أنزلوا من حافلة وقتلوا في اليوم السابق.

لكن أهم ما يميز مذبحة الشهر الماضي كان عدد الضحايا من النساء والأطفال، وأنها المرة الأولى التي يوجد فيها المراقبون الدوليون لتوثيق آثار المذبحة التي جرت في ظل خطة السلام التي جرت بوساطة الأمم المتحدة.

هذه المواجهة بمقتل 108 أشخاص - بمن في ذلك 49 طفلا و34 سيدة - إلى جانب فيديوهات مروعة نشرت على الإنترنت لأكوام جثث الأطفال الموتى التي أحدثت موجات من الاشمئزاز حول العالم وأثارت ردا فوريا. وبعد يوم من تأكيد المراقبين الدوليين لعمليات القتل، اجتمع مجلس الأمن الدولي في جلسة طارئة، ليصدر بيانا يدين بشكل مباشر الحكومة السورية على ارتكاب العنف.

في الوقت ذاته، لاحت أزمة إنسانية عندما فر الآلاف من سكان الحولة إلى القرى المجاورة. وقد شهدت مدينة برج القائي تضخما في عدد السكان من 1000 إلى 5000، حيث سعت النساء والأطفال إلى البحث عن ملاذ آمن في المنازل والمدارس وحتى في المنازل تحت الإنشاء. وقالت ماريان غازر، رئيس مكتب لجنة الصليب الأحمر في دمشق: «لم يكن هناك ما يكفي من الطعام والماء والدواء، مما شكل قدرا كبيرا من الضغوط على القرية الصغيرة».

من جهته، صرح مسؤول في وزارة الخارجية، حضر الاجتماع الذي نوقشت فيه مجزرة الحولة بأن «هناك شعور واضح بين المسؤولين في واشنطن بأن حدا تم تجاوزه، دفع واشنطن وأكثر من 10 دول أوروبية إلى طرد الدبلوماسيين السوريين من أراضيها».

وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم ذكره: «كان هناك إحساس بأن شيئا ما يلوح في الأفق. فقد كان من الصعب وضع غطاء دبلوماسي على عمل كهذا بلباس الدبلوماسية».

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، قد تبنت نبرة أكثر حدة في تصريحاتها تجاه سوريا، حيث أشارت إلى نفاد الصبر إزاء خطة سلام الأمم المتحدة التي أظهرت فشلها في وقف العنف، والجهود الدبلوماسية لفرض عقوبات أكثر قسوة ضد سوريا في مجلس الأمن.

* شارك واريك من واشنطن وكولم لنش من نيويورك في كتابة التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»